يتواصل حزن المشاهدين ورثاؤهم، منذ فارقت الحياة الفنانة المصرية رجاء الجداوي، صباح 5 من تموز الجاري، بعد ثمانية أسابيع من الصراع مع كورونا، إثر تدهور حادّ في جهازها التنفسي خلال ساعاتها الأخيرة، أفقدها الوعي وكلّ مقاومة للفيروس.
الجديد أنّ تصريحاً صادراً عن الإدارة الصحية بالقنطرة، في محافظة الإسماعيلية حيث يقع مستشفى أبو خليفة للعزل، يظهر أنّ اسم الراحلة الحقيقي هو نجاة علي حسن الجداوي، من مواليد الإسماعيلية 6 أيلول من العام 1934، وكذلك أنّ عمرها الحقيقي هو 86 سنة (لا 82 سنة كما هو متداول).
إقرأ أيضاً: اسكندر نجار يهدي “تاج الشيطان” إلى ضحايا كورونا
بدأت رجاء الجداوي بعرض الأزياء، وتخلّل مشوارها التمثيلي تقديم البرامج. راكمت سجلاً تجاوز ستة عقود، تضمن 74 فيلماً و40 مسلسلاً دراميا وستة عروض مسرحية. بدأت في التمثيل عام 1959، حين رشّحها المخرج هنري بركات لتشارك في دور محدود في فيلم “دعاء الكروان”. كانت مشاهدها محدودة في هذا العمل، لكن بمثابة إعلان ميلاد فني لرجاء الجداوي، التي استفادت من انطلاقتها مع أسماء كبيرة صنعت الفيلم. فالقصة من تأليف طه حسين، ولعبت بطولته فاتن حمامة. وتفاجأت بأداء الجداوي المميّز خالتها تحية كاريوكا، التي كانت تعارض، بل وتتصدّى لدخول رجاء المعترك الفني وتعتبره شقاء. كاريوكا تولّت تربية رجاء الجداوي وأخيها، بعد طلاق الوالدين. الابنة الرابعة في أسرة مكوّنة من خمسة أشقاء، أثارت غضب خالتها كاريوكا مجدّداً لأنّ قلبها المتسامح وحرصها على برّ أمها دفعها للعودة إلى من تركتها في طفولتها لتساندها في أزمتها المالية.
راكمت سجلاً تجاوز ستة عقود، تضمن 74 فيلماً و40 مسلسلاً دراميا وستة عروض مسرحية
وفي حين منح الرئيس جمال عبد الناصر تحية كاريوكا جائزة الدولة عن فيلم “شباب امرأة”، وهو في حقيقته تكريم سياسي لها لأنّها بصقت في وجه الممثّل الأميركي داني كاي، عندما حاول أن يدافع عن الممثلة سوزان هيوارد التي كانت تمتدح إسرائيل خلال حفل غداء في مهرجان كان عام 1956، جمع الجداوي بجمال عبد الناصر موقف مختلف تمامًا عن التمرّد. لكن هنا لا يمكن عزل الجمال في عيون الرئيس عبد الناصر عن “تأميم” الجمال أيضاً.
إذ روت الجداوي خلال مهرجان الموضة العربي الإسباني عام 2019، أنّ الرئيس عبد الناصر كانت لديه رغبة ألا تمثّل مصر في الخارج إلا عارضات يحملن الجنسية المصرية. وحين أراد الاستغناء عن العارضات الأجنبيات، كلّفها بتدريب جيل جديد من عارضات جميعهنّ مصريات، وهو ما بدأته عام 1969، حين راحت تجوب العالم مع فريقها بعروض أزياء تقليدية ومعاصرة.
ثم ما لبث أن سرقها التمثيل كلياً من عرض الأزياء. إنّما بقي لهذا الأخير بصمة أسبغها مع أدوار الشاشة، بصمة عميقة صنعت شخصيتها. فكانت تؤدّي دورها بدون تمثيل حين يتعلّق الأمر بالمرأة الشيك والعصرية، والمرأة التي قد تمتلك أناقة فطرية لا يعيقها ضيق ذات اليد في أدوار قليلة أخرى.
الرئيس عبد الناصر كلّفها بتدريب جيل جديد من عارضات جميعهنّ مصريات، وهو ما بدأته عام 1969
رجاء الجداوي فنانة أنيقة السلوك والداخل أعطى انعكاسه للخارج. حقّقت مكانتها بدون مناكفات أو محاباة على الشاشة المصرية. حضورها كان هادئاً وغيابها مدوّياً بقدر هذا الهدوء. وتبقى في وجدان السيدات العربيات اللواتي جايلنها، صورة يستأنسن بها من البورجوازية المصرية التي صعدت وتفعّل دورها خلال الاحتلال البريطاني لمصر في أوائل القرن الماضي. وكثيرات يتعقّبن نصائحها في الأتيكيت والموضة في كلّ إطلالة إعلامية لها، كان أبرزها في فقرة “مع رجاء” التي قدّمتها ضمن برنامج “القاهرة اليوم” مع الإعلامي عمرو أديب، الذي أجهش باكياً وهو يرثي من يراها “هانم وست الهوانم”، قائلاً: “رجاء هي كشريط السينما، خارجة من شاشة كبيرة. كانت طيبة، وينبوع حنان، ولديها طاقة غير طبيعية ومحبّة”، لافتاً إلى طلاقتها باللغتين الفرنسية والإنكليزية. وهي تعلّمتهما في مدرسة “الفرانسيسكان” في القاهرة، إلى جانب إتقانها بعضاً من الإيطالية واهتمامها بالروايات العالمية.
الممثّلة التي اكتشفت إصابتها بكورونا خلال تصوير الحلقة الأخيرة من مسلسلها الأخير “لعبة النسيان”، لن يطويها النسيان. رجاء هي “الفنانة الكبيرة” لأنها تتمتع بحضور كبير. رغم أنّها لم تخصّص في الأدوار البطولية، إلا أنّ لها في المشهد حضور الضوء والظلّ في الصورة، أي تعطيه رونقه وتمنحه الكمال، أو ما يدنو منه.