وزراء في حكومة دياب: “هيك ما فينا نكمّل”

مدة القراءة 6 د


سؤالٌ واحدٌ طرَحَ نفسه بعد المؤتمر الصحافي لمدير عام المالية المستقيل آلان بيفاني: هل تَصمد الحكومة بعد “تطيير” خطتها الإصلاحية للتعافي المالي وتهاوي فريقها المفاوض وبعد “الوصول إلى الحائط المسدود” باعتراف أحد المشاركين الأساسيين في صياغة هذه الخطة؟

لم يسمّ بيفاني أيّ اسم. ولم يتهجّم على أحد “بالشخصي”، ولم يفتعل بطولة لا تقرّش، أقلّه في الشارع. بل فضّل التعميم بالحديث عن  “قوى الظلمة والظلام التي تكاتفت لإجهاضِ البرنامجِ الإنقاذيّ ومارست أوسع عملية تضليلٍ لحماية مصالحها”. حتّى إنّه احترم صلاحية مجلس النواب، عبر لجنة تقصّي الحقائق حول أرقام خطة الحكومة، معتبراً أنّ “لمجلس النواب كامل الصلاحية في ممارسة دوره”. لكن “عموميات” بيفاني شكّلت هزة كبيرة للحكومة يفترض أن تتكشّف تداعياتها في الأيام القليلة المقبلة.

إقرأ أيضاً: بيفاني يقفز من مركب يغرق: سيرة فضائح عمرها 20 عاماً

لا يستقيم السؤال عن صمود الحكومة إلا مع تسريبات متزايدة عن استقالات محتملة، إن لمزيد من المستشارين، أو لوزراء داخل الحكومة، مثلهم مثل بيفاني لا يريدون أن يكونوا شهود زور على “ضرب فرصة الإنقاذ الأخيرة”. وآخر الضحايا يعترف بالفم الملآن: “عملية الاصلاح تعثّرت بشكل كامل. كان هناك محاولة إصلاحية جدّية، لكن التركيبة المالية السياسية نجحت بفرملتها”.

بكل بساطة “نَعى” مدير عام المالية، الذي خاض سابقاً باللحمّ الحيّ معارك ضد السياسات الحريرية المالية، العملية الإصلاحية برمّتها

بكل بساطة “نَعى” مدير عام المالية، الذي خاض سابقاً باللحمّ الحيّ معارك ضد السياسات الحريرية المالية، العملية الإصلاحية برمّتها، أي العنوان الأساس الذي من أجله وُجِدت حكومة حسان دياب و”فرقة التكنوقراط”.

 في اللحظة التي غادر المركب المالي صوّب الأنظار نحو “مشروع الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة”، مع سلسلة تحذيرات من خطوات تأتي على حساب المودعين، محمّلاً الحكومة بشكل غير مباشر مسؤولية منح الغطاء لهذا المشروع. 

فهل من هامش مناورة لا يزال متاحاً للحكومة لتكمّل “بللي بقيوا” وسط ضغوط الداخل والخارج؟ 

لم يكن أمرًا هامشيًا التعليق الذي كتبه قبل أيام مدير عام “الدولية للمعلومات” جواد عدرا، وهو زوج وزيرة الدفاع زينة عكر، حين دعا الحكومة “إلى الانتقال فورًا من مزاج الاجتماعات والمسايرة” إلى “أخذ القرارات الفورية أو الرحيل”.

وفور إعلان بيفاني تقديم استقالته، دعا عدرا الحكومة إلى “رفض الاستقالة والتحقيق الجدّي بأسبابها، وأيّ إهمال لما ورد في مؤتمره الصحافي سيكون ضربة قاصمة للحكومة”.

عملياً، يتشارك عدد كبير من الوزراء داخل الحكومة مع هذا الرأي بمن فيهم وزيرة الدفاع. ومؤخراً طفت على السطح اعتراضات صريحة من قبل وزراء داخل الحكومة: “هيك ما فينا نكمّل”، في مقابل تمترس رئيس الحكومة حسان دياب خلف “زجاج” يقيه حتّى الآن من ضربات الحلفاء والأخصام، مشدّدًا على قدرة حكومته “على مقاومة الضغوط وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الخطة الحكومية”.

لا تستبعد مصادر عليمة “حصول استقالات من جانب أكثر من وزير، إذ إن استقالة بيفاني كاتم أسرار المالية العامة رسمت مساراً جديداً تبدو الحكومة الحالية غير جاهزة له وغير مؤهلة بتركيبتها وخلفيتها كي تتعايش معه. والمسار هو خطة من دون IMF على أن تواكبه إما حكومة تكنوقراط تأتي مجددًا بغطاء من حزب الله والرئيس سعد الحريري، إذا بقي الأخير متمسّكاً بشروطه، أو حكومة فاقعة سياسياً من لون واحد غير مغطاة بقشرة التكنوقراط كما هو الحال مع هذه الحكومة، وهو أمر مستبعد في لحظة غليان الشارع”.

لا تستبعد مصادر عليمة “حصول استقالات من جانب أكثر من وزير، إذ إن استقالة بيفاني كاتم أسرار المالية العامة رسمت مساراً جديداً

تلفت المصادر عينها إلى “ما يتجاوز بأهميته كلام بيفاني، وهي المواقف الصادرة عن مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا التي نفت حصول أيّ تقدّم على خط المفاوضات مع الجانب اللبناني، مشيرة إلى عدم اتضاح توحّد قيادات البلاد والأطراف الفاعلين والمجتمع حول الإصلاحات الضرورية. مع الأخذ في الاعتبار أنّ الاتهامات العلنية بمنع قرارات الإصلاح وأوّلها الكهرباء بمجلس إدارتها المفقود وهيئتها الناظمة المختفية، هذه الاتهامات وجّهت  للتيار الوطني الحر لانتساب وزراء الطاقة الذين تعاقبوا على هذه المهمة إلى التيار نفسه.

ويرى مصدر وزاري في هذا السياق أنّ “مؤتمر بيفاني يشكّل مضبطة اتهام ليس للحكومة فقط، إنّما لمنظومة متكاملة وللطبقة السياسية في ظلّ تمرّد عدد من المستشارين على الأمر الواقع. ويفترض أن تبرز بعد هذا المؤتمر جدّية أكبر لدى الحكومة لكشف معرقلي الإصلاح المالي والحكومة وإلا فإنّ وضعها سيكون صعباً”، ويشير المصدر الوزاري إلى أنّ “مدير عام المال قد أعدّ “أطروحته” لتفنيد فضائح هذه المرحلة منذ فترة، لكنّه آثر اختيار التوقيت المناسب”.

يرى مصدر وزاري في هذا السياق أنّ “مؤتمر بيفاني يشكّل مضبطة اتهام ليس للحكومة فقط، إنّما لمنظومة متكاملة وللطبقة السياسية

في المقابل يشكّك مصدر مطلع في إمكانية أن يقود هذا الواقع إلى تخلّي الحكومة عن مسؤولياتها في هذه المرحلة “فهي قادرة على الاستمرار بعد تطوير الخطة المالية بالتعاون مع مجلس النواب وحاكم مصرف لبنان والمصارف. مع ذلك، هذا الواقع لا يُعالج ما ورد في المؤتمر من اتهامات، وبالتالي يجب على الحكومة التردّد في قبول استقالة بيفاني، كون ما ورد في المؤتمر هو بمثابة إخبار في وقائع خطيرة، ويفترض أن يشكّل فرصة، وقد تكون الأخيرة، أمام الحكومة لالتقاط زمام المبادرة ومواجهة من يعرقل مهمّتها”.

وتشير معلومات إلى أنّ وزير المال غازي وزني سيوقّع كتاب الاستقالة ويحيله إلى مجلس الوزراء، فإنّ الأخير له أن يرفضها أو يقبلها بتصويت ثلثي عدد الوزراء، وحتّى الآن لا قرار سياسياً بقبول الاستقالة، وإن ثمّة من لوّح “بتخلّي الفريق المسيحي، أي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، عن بيفاني، المحسوب على العونيين، في مقابل مكسب غير واضح حتّى الآن”.

يلخّص مطلعون المشهد بالآتي: “كان هناك صرخات حقيقية منذ نحو ثلاث سنوات تحذّر من مسار انحداري مخيف، فيما غابت المعالجات الجدّية المسؤولة لتضع حدًّا لهذا الانحدار. اليوم المركب يغرق بالكامل، وكلّ طرف لديه طريقته بالقفز منه. كلّ ما نشهده من تخبيصات هو محاولات واعية أو غير واعية للقفز من هذا المركب”.

 

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…