الصناعة تنتظر الإفراج عن التحويلات لشراء المواد الأوّلية

مدة القراءة 7 د


فيما كان العام 2019 يأفل على عدد لا يحصى من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، كانت الصناعة تجهد لتواصل صمودها من أجل الاستمرار حفاظاً على قطاع غيّبته الحكومات المتعاقبة بعد الحرب الأهلية، لتستغني عن الاقتصاد المنتج وتستعيض عنه باقتصاد ريعي وواهن أوصلنا الى انهيار اقتصادي تام واضمحلال للطبقة الوسطى.

بداية معاناة القطاع الصناعي بدأت آخر العام 2011. يومها أصرّ القيمون على القطاع على المقاومة. فالخطط الإنقاذية التي وضعت والوعود التي قطعت بقيت كلها حبراً على ورق وكلاماً غير قابل للتطبيق ليبقى القطاع مهمشاً دون راعٍ يوجهه. آخر الوعود غير المنفذة التي رفعت شعار تعزيز القطاع الصناعي ودعمه كانت في آب 2019. حينها انعقد مؤتمر كبير لدعمه الصناعة أثنت فيه الحكومة على الدور الواعد للقطاع الذي يوظف 195 ألف عامل، ويساهم في نحو 4.6 مليارات دولار من الناتج المحلي الاجمالي.

إقرأ أيضاً: كورونا يغيّر اقتصاد لبنان: نهوض الزراعة والصناعة إلزامي

آب كان الشهر الفيصل في العام الماضي، ودّعنا خلاله السعر الثابت لصرف الدولار على 1500 ليرة، وانسيابية التحويلات إلى الخارج لشراء البضائع والسلع وحتى للتعليم أو الطبابة. واستأثرت المصارف باستنسابية تحويلات العملة الخضراء لأهل السياسة والمال والاعمال المقرّبين منها. وليزيد الطين بلة، أوقفت التسهيلات المصرفية الممنوحة للتجار والصناعيين.

هنا علت صرخات الصناعيين. وطالبوا مراراً وتكراراً السماح لهم بتحويل الأموال بهدف شراء المواد الأوّلية. فهم يحتاجون إلى استيراد مواد أوّلية بقيمة 3 مليارات دولار للتصنيع إلى الداخل اللبناني بقيمة 10 مليارات دولار، والتصدير للخارج بقيمة 3 مليارات دولار.

وعود لا تزال معلّقة بتحرير بعض الأموال. خطوط من الإنتاج توقفت. واليوم، مع أزمة كورونا، باتت الصناعة الوطنية الداعم الاساسي لحصار هذا الفيروس. فهل يكون كورونا الضرر النافع ويعود الدعم للقطاع الصناعي أم يبقى الحال على حاله؟

من على منبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أعلن وزير الصناعة عماد حب الله، الرؤية الصناعية المستقبلية في لبنان، كاشفاً عن آلية دعم ستقرّ قريباً بالتعاون مع مصرف لبنان بقيمة مئتي مليون دولار لمساعدة القطاع، إضافة إلى 150 مليار ليرة مخصّصة لدعمه من خطة تحفيز وأمان بقيمة ألف ومئتي مليار ليرة لتغطية أعباء مواجهة الكورونا.

نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان زياد بكداش، يقول في تصريح له لـ”أساس ميديا” أنه “حتى ما قبل أزمة كورونا والتحويلات وتجميد التمويل، ووقف التسهيلات المصرفية، وكشف الدولة عن الفجوة المالية البالغة 83.2 مليار دولار، لم يكن القطاع الصناعي في أفضل حال، إذ إن كلّ الحكومات السابقة بعد الحرب، لم تعترف، لا بل غيّبت دور القطاع الصناعي كقطاع حيوي ومنتج، يساعد على خلق فرص العمل، وتحقيق النمو في البلاد”. لكنه يوضح أن  الظروف اليوم تبدّلت، بقوة الأمر الواقع. فـ”مع حجم التحويلات للاستيراد من الخارج، وجائحة كورونا التي أقفلت المعابر بين الدول حيث أصبح الأمن الغذائي للدول أمراً أساسياً، برز الدور الأساسي للصناعة الوطنية لا سيما الغذائية منها وصناعة الأدوية، إذ إنها أمّنت للمستهلك اللبناني حاجاته، خاصة أن بعض المصانع اتخذت خطوات جريئة بتصنيع صناعات لم تكن تنتجها في السابق، ولكنها وجدت نفسها مضطرة إلى ذلك. وقد نجحت في تلبية حاجة السوق المحلية، كصناعة الكمامات مثلاً، وأجهزة التنفس وغيرها من الصناعات”. يضيف “أن الحسّ الوطني اليوم والثقة لدى المواطن اللبناني، تحسّنت كثيراً، سيما وأنه، وبالمقارنة مع ما كان يستهلكه من مواد استهلاكية اجنبية، وجد أنّ الصناعة المحلية لا تقلّ بجودتها عن ما يستورد من الخارج”. ويتابع بكداش أنه “في ما يتعلّق بتحدّي الأسعار، يؤكد رئيس الحكومة حسان دياب أن تسعير سعر صرف الدولار خرج عن القواعد الاقتصادية والمالية، وأن الزيادة التي تجاوزت المئة بالمئة مقابل الليرة اللبنانية، لها أبعاد مضرّة على الاقتصاد وعلى القدرة الشرائية للمواطن، ووقوف المعنيين في حالة من التفرّج على كلّ ما يحصل سيؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها”. وبحسب بكداش، فإن هذا الأمر مرفق مع التعثّر الذي أصاب القطاع الصناعي والتجاري، بسبب الإقفال العام الذي فرضته التعبئة العامة للحدّ من انتشار فيروس كورونا، سيفاقم الأزمة التي يعانيها القطاع، سيما وأن التحويلات لاستيراد المواد الأوّلية للتصنيع، إذا لم تعالج في الوقت القريب، ستسبّب بإقفال العديد من المصانع، وخسارة آلاف العمال لعملها ما يعرض الأمن الاقتصادي والاجتماعي لمزيد من النكسات”.

يذكر أن جمعية الصناعيين سعت خلال الفترة الماضية إلى تحرير جزء من أموال الصناعيين للاستيراد من الخارج المواد اللازمة، وتلقّت وعداً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ أكثر من شهر بتحرير مئة مليون دولار للاستيراد. لكن سلامه لم يفِ بوعده إلى اليوم في وقت لا يزال يؤمّن فيه الاعتمادات اللازمة للأدوية، والمحروقات والقمح.

وعن اجتماع الأمس مع وزير الصناعة عماد حب الله والخطة التي أعلن عنها لدعم القطاع الصناعي، يقول بكداش: “إن الوزير وعد الصناعيين بتأمين 300 مليون دولار لاستيراد المواد الأوّلية بعد الاتفاق مع حاكم مصرف لبنان، وتأمين 100 مليون دولار لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة”.

بطبيعة الأحوال، فان الصناعيين يحتاجون إلى فترة من الزمن في حال وضعت الأمور على سكّة الحلّ، لإعادة تكوين رأسمالها التشغيلي لتنطلق من جديد، والعمل على خلق أسواق لتصريف الإنتاج المحلي الوطني

وعلى الرغم من الإيجابية التي وجدتها جمعية الصناعيين بالمبادرة التي أعلن عنها حب الله، إلا أنها تتساءل ما إذا كان مصرف لبنان سينفذها، سيما وأنه إلى اليوم، لم ينفّذ وعده بتحويل 100 مليون لشراء المواد الأوّلية.

يتحدث بكداش عن أن “أولويات جمعية الصناعيين لا تزال على حالها، والتي يمكن تلخيصها بالتحوّل من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج والتنافسي، القائم على داعمين أساسيين هما: القطاع الصناعي والقطاع الزراعي، وعلى مكافحة الفساد بشكل جدّي، سيما وأن المجتمع الدولي فقد الثقة بالطبقة الحاكمة، إضافة إلى مكافحة الإغراق المخالف للاتفاقيات التجارية، وما له من تداعيات سيئة على الصناعة المحلية، ووقف التهريب والتهّرب، أي التهريب الجمركي والتهّرب من الضرائب الذي وصل بحسب وزارة المال، إلى 60 في المئة، وإغلاق كلّ المصانع غير الشرعية أو إلزامها بقوننة أعمالها، إذ لا يجوز أن يدفع الصناعي اللبناني، وعلى الرغم من الضائقة المالية التي يعانيها، كلّ واجباته الضريبية، في حين لا يسري هذا الأمر على الصناعيين غير الشرعيين. كما تطالب الجمعية الدولة مجدّداً بتأمين السيولة اللازمة لاستيراد المواد الأوّلية، وإطلاق حزمة من المساعدات كالإعفاءات الضريبية أو تقسيط ما يلزم دفعه لآجال بعيدة أو متوسطة إلى حين تعافي الاقتصاد، سيما وأن تراكم الأزمات سيؤدّي بالتأكيد إلى تعثّر وإقفال العديد من المؤسسات الصناعية والتجارية. وبطبيعة الأحوال، فإن الصناعيين يحتاجون إلى فترة من الزمن في حال وُضعت الأمور على سكّة الحلّ، لإعادة تكوين رأسمالها التشغيلي لتنطلق من جديد، والعمل على خلق أسواق لتصريف الإنتاج المحلي الوطني، وتطبيق الاتفاقيات المتعلّقة بالشراكة الأوروبية، والتيسير العربي، وما لهذه الاتفاقيات من أهمية بإعادة ضخّ العملة الصعبة في السوق المحلية”، ختم بكداش.

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…