هل اعتقد رئيس الحكومة حسان دياب، للحظة واحدة، أنّ مدينة صيدا ستخرج لاستقباله بزهر ليمونها، وبأصوات أبواق مراكب الصيادين فيها، كونه المخلّص لنا ولها من الأزمات والويلات التي نعيشها.
صيدا بوابة الجنوب ليس منّةً من أحد، بل صفة اكتسبتها مدينة مُحبّة للضيف، قادرة على استيعاب الجميع، شريطة أن لا يدوس أحد على طرفها، كما تقول العبارة الشهيرة.
لقد ثابر الرئيس دياب ومنذ يومه الأول في رئاسة الحكومة على ترديد معزوفة مملّة، قديمة بالية عن تركة ثقيلة، وعن مخلّفات ثلاثين سنة من السياسات المالية والاقتصادية، غامزاً بمناسبة أو دون مناسبة، من قناة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وكأنه تناسى أنّ رفيق الحريري هو صاحب التركة الثقيلة بجمالها، فهو من شقّ الطرقات وبنى المستشفيات والمدارس الرسمية، وهو من وقف إلى جانب الجامعة الأميركية التي عمل فيها دياب نفسه، كي تستمر في أحلك الظروف. وأنّ رفيق الحريري هو من رمّم وأعاد لبيروت سراياها الحكومي، الذي ما إن تسلم دياب رئاسة الحكومة حتى هرول حاملاً “يطأه” كما يقول البيارته، للسكن داخل السراي، في سابقة لم يفعلها أحد من الرؤساء الذين سبقوه.
إقرأ أيضاً: السنيورة “يكرّم” دياب في بلدية صيدا… وبهية تغيب؟
لا يمكن لحسان دياب، كما لأيّ أحد غيره، أن يدخل إلى صيدا متطاولاً عليها وعلى رجالاتها وسيّدتها “أم نادر”. فعاصمة الجنوب معروفة عبر التاريخ، أنّ التطاول على رجالها، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام. فحكاية ملك الفرس ارتحششتا الثالث مع صيدا موثقة بالتاريخ وتقول: “إن الصيداويين حوصروا في المدينة القديمة من قبل جيش الملك الفارسي أرتحششتا الثالث، كان حاكم المدينة يقيم في قصر في أحد سهولها، فقام الصيداويون وأحرقوا القصر وربما قتلوا الملك، فتمت محاصرتهم من قبل جيشه الذي أطلق النار بالمنجانيق كي يحرقها، فحوصروا أربعين يوماً إلى أن نفدت المؤن والأسلحة ولم تعد كافية، فاعتبروا أن كل منزل مسؤول بالدفاع عن نفسه، وعندما دخل الجيش لاحتلال المدينة أراد اعتقال رجالها، فعمدوا إلى إحراق أبواب منازلهم، كي لا تُهانَ رجالهم فدخل الجنود وقتلوا كلّ من كان فيها من أفراد العائلة”.
كان على الرئيس دياب أن يدرك أنّ الدخول إلى صيدا لا يمرّ من بوابات الحقد أكانت لأجهزة أمنية أو لأزلامها من سياسيين مرّ على صلاحيتهم الزمن والتاريخ.
كان عليه أن يدرك أنّ الدخول إلى صيدا يبدأ من جانب مسجد محمد الأمين حيث ضريح الرئيس الشهيد، وليس من منطقة عائشة بكار حيث يحاول أن يرث تركة يا ليتها ثقيلة بل حقودة، وعليها الكثير من علامات الاستفهام نترك أمرها للتاريخ.
انتصرت صيدا لرفيق الحريري، الذي لم يطلب منها يوماً شيئاً، بل أعطاها دون حساب، ودون تدقيق. فقط، لأنها مدينته، وبساتينها ملعبه، وأبناؤها أهله
كان على من يحيط بالرئيس دياب أن يخبره أنّ معروف ومصطفى سعد ورفيق الحريري، ثلاثة قادة من أبناء صيدا، اغتيلوا كي تتغيّر هوية لبنان وهوية صيدا التي ما تغيّرت وما استسلمت وما حادت عن الطريق.
كان على الأجهزة الأمنية الراعية لساكن السراي أن تصدقه القول في تقاريرها، وتخبره أنّ الدخول إلى صيدا لا يحتاج إلى صديق بل إلى شقيق. وإنّ قوانين هذه المدينة تفرض على الدراجات النارية أن لا تعبر شوارعها كما على الأحقاد أن ترمى خارجها فهي “مدينة رفيق”.
لقد أخطأ الرئيس دياب باختيار الطريق للوصول إلى صيدا، كما أخطأ الرئيس فؤاد السنيورة بدعوته إلى المدينة. فشفاعة توقيع دياب على مرسوم تشغيل المستشفى التركي، لا قيمة لها في صيدا، عندما تكون القضية بهذا الحجم. وما على الرئيس فؤاد السنيورة إلاّ قراءة ما خاطبه به مولانا الدكتور رضوان السيد عبر إذاعة “صوت لبنان” في برنامج “على مسؤوليتي” حيث قال له: “اشتد استغرابي عندما وجدت أنّ الرئيس السنيورة يدعو حسان دياب إلى صيدا. يا دولة الرئيس، هذا الرجل منذ أن جاء وهو يقول لكم أنكم أنتم سبب الفساد”.
وأضاف: “لا أعرف لماذا محاولة إعطائه شرعية من نوع ما بحجة أنه سيساعد صيدا كأنها صدقة”.
وتابع الدكتور السيد قائلاً: “كلّ هذا يا دولة الرئيس لا يبرّره ماضيك، ولا يبرّره اعتبارك نفسُك أنك حارس الحريرية السياسية وميراث الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.
وختم الدكتور السيد: “لا يمكن إعطاؤه شرعية يا دولة الرئيس بأيّ شكل من الاشكال”.
لقد انتصرت صيدا لرفيق الحريري، الذي لم يطلب منها يوماً شيئاً، بل أعطاها دون حساب، ودون تدقيق. فقط، لأنها مدينته، وبساتينها ملعبه، وابناؤها أهله. في ترابها أجداده ووالده ووالدته، يا ليت كل ذلك يُكتب لحسان دياب عن أسباب إلغاء الزيارة في ذاك التقرير الذي سيقدّم إليه.
[VOICE]