من اليوم، سيبدأ المهجّرون السوريون، تحديداً الذين نزحوا إلى الولايات المتحدة الأميركية، في تنفيذ انتقامهم من بشّار الأسد، عبر محاصرته مالياً، هو ونظامه السياسي والمالي والعسكري، وكلّ من “يتعامل” معه مالياً، أو يدعمه، أو يدخل معه في شراكة من أيّ نوع، والهدف النهائي هو إجبار النظام السوري على تقديم تنازلات إنسانية هنا وهناك، وسياسية إذا أمكن.
“قانون قيصر” الذي يدخل اليوم حيّز التنفيذ، بعد مصادقة الكونغرس الأميركي عليه، وتوقيع الرئيس دونالد ترامب، ليس قانوناً أميركياً فقط، بل هو نتيجة “نضالات” وجهود سنوات من أعمال “لوبيات” الضغط السورية.
كنان رحماني هو أحد المحامين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركيّة، وقد ساهم، منذ سنوات، في مسار صياغة القانون، وفي تشكيل لوبيات ضغط لاحقاً، لإقراره في مجلسي النوّاب والشيوخ.
إقرأ أيضاً: الشهادة الجديدة لـ”قيصر”: معارضون يبتزّونني
في حديث لـ”أساس”، يدعو رحماني إلى رصد مسارين أساسيين الأوّل هو إعلان القوائم المشمولة بالعقوبات، وهي مسألة ستحتاج إلى بعض الوقت بعد دخول القانون حيّز التنفيذ بالنظر إلى حاجة الإدارة الأميركيّة إلى التحقّق بشكل دقيق من الأسماء التي ترد إليها وعلاقتها بالنظام، وطبيعة دورها في دعم الرئيس السوري بشار الأسد. وبالرغم من سهولة تحديد بعض الأسماء المتورّطة بدعم النظام ماليّاً، من المرتقب أن تأخذ الإدارة الأميركيّة بعض الوقت لتحديد الشبكات الماليّة التي تعمل مع هؤلاء، خصوصاً أن إدراج هذه الأسماء على لائحة العقوبات دون تحديد الشبكات التي تعمل معها سيترك لها ثغرات للتملّص والالتفاف على العقوبات.
أما المسار الثاني الذي ينبغي مراقبته، فهو تقييم الإدارة الأميركيّة لدور البنك المركزي السوري. فالقانون ينصّ على ضرورة تقييم دور هذا المصرف من قبل وزير الخزانة الأميركي. وفي حال الاشتباه بإمكانيّة استخدامه لتبيض الأموال، فمن المفترض أن يتمّ فرض العقوبات عليه. وعملياً، من المفترض أن يُؤدّي هذا التطوّر في حال حصوله إلى عزل المصرف المركزي، وتالياً عزل النظام المالي السوري بأسره، عن النظام المالي العالمي وجميع المصارف التي تتعامل بالدولار الأميركي.
في هذا السياق، يؤكّد رحماني انخراط منظمات ولجان الجالية السوريّة في مسار تطبيق هذا القانون، وتحديداً من خلال تقديم قوائم رجال الأعمال الذين يُشتبه بتقديمهم الدعم المالي إلى النظام السوري، ومن خلال تقديم المعطيات المتوفّرة عنهم وعن أدوارهم. أي باختصار، لن تقتصر لمسات المعارضين السوريين هنا على المساهمة في صياغة القانون والضغط لإقراره، بل ستشمل حكماً مسار تنفيذه أيضاً.
أمّا الهدف النهائي من العقوبات، كما يحدّدها القانون نفسه، فهو الضغط على النظام لتقديم بعض التنازلات ذات الطابع الإنساني، مثل السماح بعودة اللاجئين بشكل آمن وطوعي، وإيقاف عمليات القصف والتهجير، ورفع الحصار عن المناطق الخارجة عن سيطرته، والسماح بحريّة التنقّل داخل الأراضي السوريّة. وبحسب رحماني، فالقانون سيسمح في هذه الحالات للإدارة الأميركيّة برفع العقوبات عن النظام، وهو ما يجعل من هذه العقوبات أداة ضغط تسمح بالتفاوض لتحقيق أهداف إنسانيّة واضحة، وليست مجرّد أدوات حصار انتقامي من النظام.
وهكذا، سيكون على الأسد في المرحلة المقبلة أن يواجه حصاراً مالياً سينتج عن قوانين أميركيّة، لكن ببصمات ضحاياه السوريين المشتتين في بلدان اللجوء، وكأنّ القدر شاء أن تعيد هذه العقوبات القاسية بعض الاعتبار للضحايا، وأن تخيف داعميه، والطامعين بعقود استثماريّة في سوريا ممن أخذوا يعيدون ترتيب أولويّاتهم.
يبقى التخوّف الوحيد من سعي النظام السوري في المرحلة المقبلة إلى التملّص من آثار هذه العقوبات، ورمي الجزء الأكبر من آثارها على الفقراء من أبناء الشعب السوري، وهذا ما سيكون على الجالية السوريّة التي تواكب تنفيذ القانون رصده جيّداً في المرحلة القادمة
رحماني يشدّد على أهمية دور الجالية السوريّة داخل الولايات المتحدة في الدفع والضغط باتجاه العمل على القانون في مراحله الأولى. تلك الجالية التي تملك حضوراً تاريخياً قبل الثورة السوريّة، وبعدها تبلور دورها السياسي وازداد تنظيمها، وارتفعت أعداد الفاعلين سياسيّاً في صفوفها، مع موجات نزوح بدأت في 2011، تنظّم كثيرون إثرها، أفراداً ومنظماتٍ، في لقاءات بدأت تأخذ شكل “اللوبي” المنظّم والقادر على التأثير في مراكز القرار الأميركي، وهو ما وفّر الأرضيّة للضغط باتجاه العمل على القانون.
وقد ساعد توزّع السوريين بشكل فاعل داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وإصرارهم على الاحتفاظ بالأولويّات المتعلّقة ببلدهم الأم داخل الحزبين، في زيادة الضغط، الذي تمكّنوا من ممارسته لتسريع العمل على إقرار القانون.
هكذا، وعند انطلاقة مسار صياغة القانون داخل مجلسي النواب والشيوخ، كان واضحاً تبنّي فكرة مشروع القانون والحماسة له داخل الحزبين في الوقت نفسه. وتمكّن “قيصر” من تخطّي الكثير من المراحل في وقت قصير نسبيّاً، مقارنة بالعديد من مشاريع القوانين المشابهة.
باختصار، يريد رحماني القول إنّ القانون، وإن ولد في رحم المؤسسات الدستوريّة الأميركيّة، إلا أنّه حمل، منذ البداية، بصمات سوريّة واضحة. واستمر هذا الدور المؤثّر لـ”اللوبي” السوري المعارض في الولايات المتحدة، خلال جميع مراحل صياغة مشروع القانون، من خلال الاجتماع مع اللجان المختلفة داخل مجلسي الشيوخ والنواب، والضغط داخل الحزبين لتسريع مساره.
يتقاطع كلام رحماني عن دور الجالية السورية المعارضة مع حديث مصادر أخرى لـ”أساس”، وهي وثيقة الاطلاع على أولى الجهود التي أدّت إلى إطلاق العمل على مشروع القانون منذ البداية. فجهود منظّمات الجالية هي التي شاركت سنة 2014 باكتشاف “قيصر”، وهو الاسم المستعار للضابط المنشق الذي تمكّن من تسريب الآلاف من صور ضحايا التعذيب في السجون السوريّة، والذي حمل القانون لاحقاً اسمه. وفي وقت لاحق، تمكّنت هذه المنظّمات من ترتيب دخول “قيصر” إلى الولايات المتحدة، وترتيب اجتماعاته بممثّلين عن الكونغرس الأميركي ومسؤولين في وزارة الخارجيّة، وساعدته على عرض صوره المسرّبة أمام الرأي العام الأميركي. وفي محصّلة كلّ هذه الأحداث، وبتأثير من الصور المسرّبة وضغط الجالية، انطلق قطار العمل على “قانون قيصر” الذي يدخل حيّز التنفيذ اليوم.
وفي الخلاصة، يبقى التخوّف الوحيد من سعي النظام السوري في المرحلة المقبلة إلى التملّص من آثار هذه العقوبات، ورمي الجزء الأكبر من آثارها على الفقراء من أبناء الشعب السوري، وهذا ما سيكون على الجالية السوريّة التي تواكب تنفيذ القانون رصده جيّداً في المرحلة القادمة.