بقلم آمي ماكيفير (Amy McKeever)، منشور في “ناشيونال جيوغرافيك” (21 أيّار)
لماذا برزت الآن عوارض مخيفة ناتجة عن فيروس كورونا، مثل التهاب الدماغ والطفح البادي على أصابع القدم، والسكتات الدماغية؟
هذه العوارض ليست مفاجئة بل هي متوقّعة بحسب العلماء، فتُحدث أضراراً جسيمة في أعضاء مختلفة. فكورونا يهاجم الرئتين، ويسبّب الالتهاب الرئوي، أو قصوراً تنفّسياً. وواحد من كلّ خمسة مصابين يتعطّل أحد أعضاء جسمه.
الجديد ظهور مئات جلطات الدم التي تصيب الشبّان بالسكتات الدماغية، والتهابات غامضة، مثل طفح جلدي لدى الأطفال وتشقّقات حمراء في الأقدام باتت تدعى، على نحوٍ غير رسمي: “أصبع قدم كوفيد”.
حالات قد تبدو غريبة ومخيفة، لكن ليست جديدة على الطب الفيروسي بل متوقّعة إلى حدٍّ ما. فكلّ جسم بشري فريدٌ من نوعه، وأيّ وباء يصيب ملايين الأفراد ستنتج عنه مفارقات مختلفة بحسب طريقة استجابة كلّ جسم.
إقرأ أيضاً: عالم أميركي: لا تنتظروا لقاح كورونا… احذروا وعود الانتخابات
لكن “كوفيد-19” يبدأ كمرض تنفّسي. يجتاح الفيروس خلايا الجسم في الأنف والحلق والرئتين، ويتكاثر، متسبّباً بأعراض شبيهة بأعراض الأنفلونزا التي يمكن أن تتطوّر إلى التهاب رئوي، وقد تُحدث ثقوباً في الرئتين، تاركة ندوباً دائمة فيهما، وهذا أسوأ ما قد يصيب المرضى.
لكن مرضى آخرين يُصاب جهازهم المناعي بالخبل، فتبدأ أجسامهم بإفراز بروتينات تدعى سيتوكين (cytokines) وهي عبارة عن إشارات إنذار تساعد على استدعاء خلايا المناعة إلى موضع الإصابة في الجسم. فإذا تسرّب كثير من السيكوتين في مجرى الدم، تقتل خلايا المناعة كلّ ما تلقاه في طريقها (وهي في حالة جنون). هذه الاستجابة المناعية تدعى “عاصفة السيكوتين”، التي تتسبّبب بالتهابات كبيرة تُضعف الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى تسرّب الدم إلى الحويصلات الهوائية في الرئتين، فنصل هنا إلى فشل تنفّسي. كما أنّ عاصفة السيكوتين قد تؤذي الكبد والكليتين.
مهاجمة القلب
ويبدو أن فيروس كورونا، يعيث فساداً خارج الرئتين أيضاً، أي في القلب. فمن بين كلّ خمسة مصابين بكوفيد-19، يعاني واحد منهم في قلبه، بحسب دراسة حديثة صادرة في الصين.
فالقلب يضخّ الدم في أنحاء الجسم، مزوّداً الأعضاء بالأوكسجين من الرئتين. أما فيروسات الجهاز التنفّسي، ومنها الكورونا والأنفلونزا، فتتدخّل في ميزان الإمداد الدموي. فإن هاجم الفيروس الرئتين، تصبح الرئتان أقلّ فعالية في تزويد الدم بالأوكسجين. وقد نصل إلى التهاب في الشرايين، فتضيق، ويقلّ إمداد الأعضاء بالدم، ومن ضمنها القلب. فيضطر القلب إلى العمل بجهد مضاعف لتعويض النقص، ما يُفضي به لاحقاً إلى حالة الإجهاد.
ومن الأعراض غير المعتادة التي لم يجد العلماء تفسيراً لها بعد، حتى بين المصابين الشباب والأصحاء، هو التهاب عضلة القلب، وهي حالة نادرة نسبياً، ما يُضعف العضلة. وتفيد تقارير جديدة باحتمال أن يدخل الفيروس مباشرة إلى القلب. فالفيروسات تبحث عن أفضل الخلايا كي تندسّ فيها لأنّها تحبّ البروتينات التي تدعى “المُستقبِلات”. ووجد علماء أنّ القلب يحوي هذا النوع من البروتين بكثرة، ويدعى (ACE-2)، ويستخدم الفيروس هذا البروتين لمهاجمة الرئتين.
جلطات الدم
بعض المرضى يصابون بعدد كبير من جلطات الدم، وبطرائق غير معتادة. قبل أكثر من 160 عاماً شرح الطبيب الألماني رودلف فيرشو (Rudolf Virchow) ثلاثة أسباب لتجلّط الدم. الأول، إذا جُرحت الأوعية الدموية فيترتّب على ذلك ظهور البروتينات التي تقوم بترميم تلك الأوعية. الثاني، يتخثّر الدم أو يتجلّط إن ركد الدم في الجسم، وهو يحدث أحياناً عندما يرقد المرضى على أسرّة المستشفى لمدة طويلة. والثالث، عندما تنحو الأوعية الدموية إلى إطلاق البروتينات التي تخثّر الدم لترميم الجروح، وهذا يحدث عند المصابين بالأمراض الوراثية، ويمكن أن يطلقها أيضاً التهاب ممنهج. وقد شوهد في مستشفى جامعة بنسلفانيا، أن المرضى في وحدات العناية الفائقة بسبب كوفيد-19 يصابون بجلطات الدم أكثر بثلاثة أضعاف من المرضى الآخرين. ويحاول الأطباء مواجهة هذه الجلطات بمسيّلات الدم. ومن غير المؤكد إن كانت هذه الأدوية تخفّف أيضاً من مرض كوفيد-19.
سكتات دماغية غير متوقّعة
لكنّ ارتفاع نسبة تخثّر الدم لدى المرضى الشباب بكورونا، من دون وجود عوامل الخطر على القلب، يفسّر سبب إصابتهم بالسكتة الدماغية، التي تصيب أدمغة كبار السنّ عادة. وإن كان من المفاجئ إصابة الشباب بالسكتة الدماغية، فإنّها ينبغي أن تكون متوقّعة، بالنظر إلى ما حدث بين عامي 2002 و2003، لدى انتشار فيروس السارس، وهو أيضاً من أُسرة الكورونا. وتحدث السكتة الدماغية، عندما تسدّ جلطة دموية الأوعيةَ التي توصل الأوكسجين إلى الدماغ. وإذا طال الانسداد، يؤدي إلى عزل موضع من الدماغ، ما يُفضي عادة إلى إصابة المريض بالتلعثم أو صعوبة النطق، أو صعوبة النظر أو المشي.
التهاب الدماغ
وتفيد تقارير أيضاً بإصابة مرضى كوفيد-19 بالتهابات الدماغ، وفي حالة نادرة هي (Guillain–Barré) يقوم الجهاز المناعي للجسم بمهاجمة الأعصاب. فإن كانت الإصابة متوسطة، ستكون الأعراض شبيهة بالتي تترافق مع الأنفلونزا. أما عندما تكون الإصابة جسيمة، فيمكن أن تترافق مع انقباضات وشلل وضياع. ولا ينفرد كوفيد-19 بالتسبّب بهذه الحالة. فإذا اجتاحت إحدى الفيروسات الجهاز العصبي، يمكن أن تصيب الدماغ بالالتهاب، إما بقتل خلاياه أو باستدعاء الجهاز المناعي ليقوم بهذه المهمة على طريقة عاصفة السيكوتين.
الطفح الجلدي
على أنّ أحدث ما اكتشفه العلماء من الآثار الأخرى لكوفيد-19، ما يُحدثه من التهابات في الجلد لدى الأطفال، وهو الأمر الأكثر غموضاً حالياً، وتسمّى الحالة بمتلازمة “شبيهة كواساكي”. ويمكن أن يتسبّب الفيروس بالطفح الجلدي بطريقتين: الأولى بالانتشار في أنحاء الجسم والتموضع مباشرة داخل الجلد، كما يفعل الجدري. والثانية من خلال تشغيل الجهاز المناعي، فتظهر الطفوح على الجلد كنوع من الاستجابة الطبيعية للالتهاب، أو نتاج التفاعل الزائد مع عاصفة السيكوتين.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا