بصراحة، لو تسمح يعني، لا نريد أن نصلي في القدس.
وربما لا نريد أن نصلّي في أيّ مكان خارج الكيلومترات الـ10452.
كيف لرجل واحد، يمثّل ما يمثّل في بيئته أو طائفته أو في البلد، كيف له أن ينطق باسمنا، نحن اللبنانيين، كلّنا، ويعلن أنّ “المقاومة تمهّد الأرضية لليوم الذي سيأتي ونصلّي جميعاً في القدس”؟
اللبنانيون لا يريدون أن يصلّوا في القدس. معظمهم لا يملك ما يكفي من المال ثمن البنزين ليصلّوا في مسجد بعيد عن بيوتهم.
من قال إنّنا نريد أن نذهب إلى القدس؟ من قال إنّ شعباً جائعاً، مفلساً، متروكاً، معزولاً، مًحاصراً، مفتّتاً ومفكّكاً، من واجبه أن يحرّر القدس؟ من أعطانا هذا التكليف؟ هذا الشرف؟ هذه المأساة؟
لا يحقّ لأحد أن ينطق باسمنا؟ هذه البلاد التي تريدون من أهلها أن يحرّروا القدس ليست ملكاً لأحد. قرارها ليس بيد رجل أو حزب أو طائفة. لا داعي “لموسيقى” قرار الحرب والسلم. ما عاد هذا نقاشاَ وترفاً.
اليوم يقول لنا العالم: إما تحترموا حدود الدول وحدودكم، وإما ستجوعون أنتم وصواريخكم.
ونحن رهائن الصواريخ والسلاح. نحن وأولادنا وأموالنا وأرزاقنا. المال والبنون رهائنكم.
بأيّ حقّ تأخذوننا كلّنا إلى الجوع، وإلى مواجهات لا طاقة لنا بها. حتّى حلفاؤكم رفعوا الصوت، وقالوا إنّ الجوع الذي يلفّ بطون أولادنا سببه سلاحكم. هذا السلاح الذي قتل وقاتل في سوريا والعراق واليمن، وتمدّد إلى السعودية والكويت ومصر وغيرها…
من قال إنّنا نريد أن نصلّي في القدس؟
لا يحقّ لهم أن يأخذونا معهم. هذه تسمّى عملية انتحارية، ونحن الأبرياء المرتهنين في مدار الحزام الناسف. نحن لنا الحقّ بالكلام. قبل أن تسحب الفتيل، وتفجّرنا، اسمع أصواتنا على الأقلّ.
لم يعد هناك أحد مع السلاح في كلّ لبنان، غير الموظّفين الذين يتقاضون رواتبهم من بيت المال الخارجي. إذا حذفت نواب جبران باسيل، فإنّ النواب الـ74 الذين تفاخر بهم قاسم سليماني ذات انتخابات نيابية، سيقلّون عن 45. هؤلاء ليسوا أكثر من الثلث.
اللبنانيون جاعوا. مناصروك جاعوا. سلاحك يتمدّد في الدول العربية، مدمّراً مصالح لبنان واللبنانيين أوّلاً، ومتعباً العرب ومعتدياً عليهم.
هذا ليس من أجل مصلحة لبنان، ولا من أجل أمان اللبنانيين.
لا نريد أن نصلّي في القدس. يا أخي لا نريد.
نريد أن نشبع في كفركلا وحولا وشقرا. أن ندرس في مرجعيون، حيث لا جامعة. أن نعمل في بنت جبيل، حيث لا معامل. أن نزرع في ربثلاثين، حيث نشتري الماء، بأضعاف أضعاف ثمنه. أن نلعب في بيروت.
نريد لأولادنا أن يكبروا بهدوء. أن ننام آمنين من فواتير الكهرباء الكثيرة. أن نفتح فيسبوك ونجد إنترنت. أن يكبر أولادنا ولا يخشون من صواريخ الذين تريد أن تحاربهم.
لا نريد أن نصلّي في القدس.
أحدهم قال لكَ: دعنا نصلّي في الغبيري أوّلاً.
نريد كهرباء في بيوتنا، كما قال بشير أبو زيد. ونريد لبشير وأمثاله أن يكتبوا آراءهم، من دون أن يتعرّضوا للقتل والخطف.
بعضنا لا يريد أن يصلّي أصلاً. ربما ليس متديّناً، أو ليس مؤمناً، ويعلم عن حسابه في الآخرة. وبعضنا يصلّي، ولا يريد أن يصلّي في القدس.
يحيى جابر كتب يوماً: “أترك يدي.. انتحر وحدَك”.
ونحن نقول: أترك أيدينا…
لا نريد أن نصلّي في القدس.
إقرأ أيضاً: مهمّة نصر الله 2020: إعادة جمهوره إلى “العقل” و”الصواب”