عن المسألة الشيعية اللبنانية

مدة القراءة 4 د


تتردّد في الأوساط الإعلامية والسياسية في لبنان مؤخراً عبارة “المسألة الشيعية”. وكأن للشيعة اللبنانيين قضية خاصة بهم منفصلة عن قضايا بقية الطوائف أو المواطنين اللبنانيين. كما يحرص البعض على تسمية “ثنائي حركة أمل – حزب الله” بـ”الثنائي الشيعي”، في حين لا يتمّ وصف بقية الأحزاب والتكتلات اللبنانية بأوصافها المذهبية، بل بأسمائها المباشرة والواضحة، رغم أنّ الكثير من هذه الأحزاب والتيارات لها طابع مذهبي أو طائفي معيّن.

فهل حقاً هناك “مسألة شيعية لبنانية”؟ وهل يمكن اختصار الشيعة اللبنانيين بفريق سياسي معيّن سواء أكان حزباً أو حركة أو زعيماً سياسياً؟

إقرأ أيضاً: علي فضل الله: موالاة أو معارضة؟

المسلمون الشيعية اللبنانيون هم مواطنون كغيرهم من المواطنين اللبنانيين. لهم الهموم نفسها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والإنسانية، وهم يدرسون في كل الجامعات اللبنانية الخاصة والعامة، وينتسبون إلى معظم الأحزاب اللبنانية دون استثناء، وخصوصاً الأحزاب العلمانية واليسارية والقومية وحتّى الأحزاب اليمينية. وهم كانوا كغيرهم وقوداً للحرب الأهلية، وواجهوا الاحتلال الصهيوني، وعانوا من مرارات الهجرة والغربة، وفيهم مفكّرون وصحافيون وأكاديميون ومثقّفون وفنانون ومسرحيون ومغنّون، وهم لا يحملون فكراً واحداً أو رأياً واحداً، وينتشرون في كافة المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعبّرون عن ارائهم ومواقفهم المتنوّعة.

وأمّا عن غالبية الشيعة اللبنانيين، فقد انتسبوا في السنوات الاخيرة إلى حزب الله وحركة أمل لأسباب عقائدية أو سياسية أو من أجل تحقيق مصالح أو بسبب دور كل من الحزب والحركة في الشأن الوطني اللبناني. وهذا تطوّر طبيعي وهو يتماهى مع ما حصل لدى بقية الطوائف والمذاهب التي انتسب أفراداها إلى أحزاب وحركات وتيارات سياسية أخرى ولها طابع مذهبي أو طائفي.

وعن التزام المسلمين الشيعة بقيادات دينية خارجية، فهذا مرتبط أيضاً بالجوانب العقائدية والدينية التي تفرض وجود مرجع تقليد ينبغي العودة إليه سواء كان لبنانياً أو عراقياً أو إيرانياً أو أفغانياً. وقد برزت في لبنان قيادات دينية مهمة تحوّلت إلى مراجع تقليد أو كان لها دور مهم على مستوى الفكر الديني الإسلامي كالمرجع السيد محسن الأمين والإمام عبد الحسين شرف الدين والإمام موسى الصدر والإمام الشيخ محمد شمس الدين والمرجع السيد محمد حسين فضل الله وغيرهم. وهناك عدد كبير من العلماء والمفكّرين الشيعة، الأموات والأحياء، والذين تركوا بصمات مهمة فكرياً ودينياً وسياسياً. فالسيد محسن الأمين أصبح مرجعاً مهماً سوريا في أوائل القرن العشرين، ولم يقتصر دوره على لبنان، وعلماء الشيعة اللبنانيين، أو من جبل عامل خصوصاً، لعبوا أدواراً شيعية مهمة في إيران والعراق والهند وفي أنحاء العالم.

نحن اليوم بحاجة إلى حوار شامل بين الجميع، والسؤال الأهم: أيّ دولة نريد؟ وأي دور للبنان نريد؟

العلاقة بين الطوائف اللبنانية أو القوى السياسية اللبنانية مع مرجعيات دينية خارجية أو قوى دولية وإقليمية ليست منحصرة بالمسلمين الشيعة، فعلاقة المسيحيين بالفاتيكان أو الكنيسة الارثوذكسية مسألة طبيعية، وعلاقة المسلمين السنّة مع الأزهر الشريف كذلك.

أمّا على الصعيد السياسي فمنذ تأسيس الكيان اللبناني وما قبل ذلك، وإلى اليوم، هناك قوى سياسية وحزبية لبنانية ارتبطت بقوى إقليمية ودولية خارجية، ولا يمكن استعراض كل هذا التاريخ في هذه العجالة.

على ضوء كل ذلك فالسؤال لم يعد شيعياً أو يختص بالمسلمين الشيعة في لبنان أو بـ”حزب الله” أو “حركة أمل”، بل إنّ الموضوع يتعلق بلبنان والكيان اللبناني وقيام الدولة ومستقبل الكيان اللبناني، وعلاقات اللبنانيين بالخارج. وهذا هو السؤال الذي ينبغي أن يُطرح أمام كل اللبنانيين.

نحن اليوم بحاجة إلى حوار شامل بين الجميع، والسؤال الأهم: أيّ دولة نريد؟ وأي دور للبنان نريد؟ وكيف نستكمل تطبيق اتفاق الطائف؟ وعلى ضوء ذلك نطرح السؤال على الشيعة ايضا كأحد مكوّنات هذا الوطن.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…