تدرّج حزب الله في مقاربته لانتشار وباء كورونا، من رفضه نظرية “العدوى” ورفضه وقف الرحلات الآتية من إيران، والتي تبيّن أنّ المصاب رقم “صفر” في لبنان كان على متنها، وصولاً إلى إعلان أمينه العام حسن نصر الله أنّ الكورونا “عدوّ يريد قتلك وقتل الناس، وحدود الاستهداف أو تهديده لا يقف لا عند قرية ولا مدينة ولا دولة ولا حتى عند قارة في الكرة الأرضية”.
عظيم هذا التغيير الإيجابي في نظرة الحزب الحاكم إلى فيروس يهدّد الكوكب كلّه، رغم أنّه لم يعتذر عمّا فعله حزبه، بأن رفض وقف الرحلات الآتية من إيران، وأوّلها كانت في 20 شباط الماضي، أي قبل شهر تقريباً. وكانت هي إشارة الانطلاق لانتشار كورونا في لبنان. وقد بتنا اليوم في عين عاصفة “الانتشار” غير القابل للاحتواء، بشهادة وزير الصحّة التابع لحزب الله، حمد حسن.
بعد مناشدات من ناشطين وسياسيين، كان أوّلهم وزير الداخلية السابق النائب نهاد المشنوق، بـ”وقف الرحلات من إيران”، خرج علينا عضو كتلة حزب الله النيابية، الإعلامي والدكتور حسن فضل الله في 23 شباط ليتّهم المطالبين بوقف الرحلات بأنّهم مصابون “بكورونا أخلاقية”، ومدافعاً عن استمرار الرحلات الآتية من إيران: “هل يحق لأحد أن يقول لهم لا تأتوا إلى لبنان وامنعوهم من العودة؟ فأي أخلاق أو إنسانية أو وطنية ينتمي إليها هؤلاء الذين يدعون إلى ذلك؟ الحكومة تأخذ احتياطات وتمنع رحلات، وهذه إجراءاتها، ولكن المطلوب منها أن تفتش عن أي مواطن في أي بقعة في العالم وتأتي به، كما تفعل كل الدول”.
إقرأ أيضاً: هذا ما كشفه السيد نصر الله
في الحقيقة هذا الكلام لم يكن دقيقاً، لأنّ دولاً كثيرة اعتمدت الحجر المباشر للعائدين، إما في الدول التي هم فيها، قبل عودتهم، أو فور وصولهم. فيما العائدون من إيران دخلوا إلى لبنان وذهبوا إلى بيوتهم، وقيل إنّ بعضهم كانت أرقام الهواتف التي تركوها غير صحيحة، بسبب سريّة هوياتهم أو مناصبهم. وهم اختلطوا بعائلاتهم وجيرانهم دون حسيب أو رقيب.
بعد يومين فقط، في 25 شباط، خرج علينا نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ليهاجم المطالبين بوقف الرحلات الإيرانية أيضاً. وبدت أشبه بـ”أوركسترا” حزب اللهية، مضافاً إليها هاشتاغ “السم من إيران عسل”، الذي نشّطه الجيش الإلكتروني لحزب الله، بعشرات آلاف التعليقات، على مواقع التواصل.
قاسم اتّهم “بعضهم بتسييس الكورونا”، معتبراً أنّه “عمل لا أخلاقي ويفتقر إلى أدنى ضمير وأدنى إنسانية، وأن يأتي البعض ليركب موجة مرض يتطلب تكاتفاً ومعالجة وهو ما زال في بداياته من أجل أن يمرّر مواقف سياسية ولؤما سياسيا فهذا عمل غير أخلاقي على الاطلاق”.
قاسم أكمل مادحاً وزير الصحّة على “إجراءات وقائية وعلاجية تساعد على تخفيف إنتشار المرض أو منع انتشار المرض بحسب الحالات التي يمكن أن تأتي إلى لبنان أو ما شابه ذلك، وهذا يعتبر إنجازاً”. أي أنّ الحالات المصابة، بحسب توصيات قاسم، ستستمرّ في التدفّق إلى لبنان، وما على وزير الصحّة إلا العمل “لمنع انتشار المرض بحسب الحالات التي يمكن أن تأتي إلى لبنان”.
لم يكن وارداً في حسابات حزب الله وقف هذه الرحلات. وليل السبت، في نشرة أخبار LBCI، نشرت معلومات مهمتها “تضييع البوصلة” في هذا الخصوص. معلومات بلا أيّ مصدر معلن. ربما لأنّ المصدر سيجعل من السهل التشكيك بها، فهي على الأرجح من وزارة الصحّة الممسوكة حالياً من فريق حزب الله. إحصائية ليست مسنودة على أيّ دراسة جديّة، أو علمية. والأرجح أنّها ارتجالية لذرّ الرماد في عيون من يتّهمون حزب الله بأنّه السبب في انتشار كورونا بين اللبنانيين على هذه الدرجة من الخطورة.
تقرير LBCI يقول إنّ “27 شخصاً في لبنان نقلوا العدوى إلى 66 آخرين. أي أنّ كلّ مصاب نقل العدوى إلى 2.5 أشخاص. ووزّعتها، بحسب “مصادرها” المغفلة على الشكل التالي: 12 مصاباً من إيران نقلوا العدوى إلى 5 أشخاص فقط. مقابل شخص واحد من إيطاليا نقل العدوى إلى 34 شخصاً. و1 من مصر نقل العدوى إلى 7. و4 من بريطانيا نقلوا العدوى إلى 7 أشخاص. و2 من هولندا و1 من سويسرا، و3 أشخاص غير معروفي سبب العدوى، وهؤلاء الـ6 لم ينقلوا العدوى لأحد “بسبب التزامهم بالحجر الصحّي”.
هذا التقرير أراد القول إنّ “العدوى الإيرانية” أقلّ وزناً من العدوى الإيطالية. وهذا ما جهد في إبرازه ناشطون تابعون لحزب الله على مواقع التواصل، من خلال التركيز على حجم الانتشار الوبائي في إيطاليا. لكنّها محاولة فاشلة. فالوقائع تقول عكس ذلك.
حسناً. وصل نصر الله، بعد 22 يوماً، إلى أنّ “نقل الإصابة” بمثابة “قتل”، ويكون لـ”القتيل” أن تدفع “ديّة” لعائلته
في النهاية، اضطرّ نصر الله إلى الخروج في خطاب ليل الجمعة، 13 آذار، بعد 22 يوماً من نزول المصاب رقم “صفر” في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي. وتحدّث نصر الله عن “حرب عالمية” ضدّ الفيروس، وبلسان ناشط مدنيّ طالب بـ”روح ايجابية” في التعامل مع “معركة ليست هي الظرف المناسب لا لتصفية الحسابات ولا لاستهداف السياسي ولا للانتقام ولا لتسجيل النقاط”. وطلب من جمهوره “الالتزام بالتوصيات الصادرة عن الجهات المسؤولة والمعنية الصحية والطبية والرسمية التي تدير هذه المعركة… هذه محكمة الدنيا”، التي ميّزها عن “محكمة الآخرة”. وخلص إلى أنّ من ينقل العدوى إلى شخص آخر ويموت “عليه أن يدفع ديّة القتيل” ويعدّ “شهيداً”، نقلاً عن “السيّد القائد الخامنئي”، وأعلن أنّه يجب الذهاب إلى هذه المعركة “متسلّحين بالإيمان بالله”.
حسناً. وصل نصر الله، بعد 22 يوماً، إلى أنّ “نقل الإصابة” بمثابة “قتل”، ويكون لـ”القتيل” أن تدفع “ديّة” لعائلته. وبالتالي فإنّ حزب الله والدولة اللبنانية مطالبان بإجراء تقييم وإحصاء دقيق، لمعرفة كمية الأشخاص الذين تسبّبت الرحلات الآتية من إيران بإصابتهم بالكورونا. وعلى الحزب أن يدفع ديّة من يقتل من بينهم، وأن يتكفّل بعلاج من هو قيد العلاج. وهذا استناداً إلى كلام نصر الله نفسه، نقلاً عن “أحد المراجع الكبار في قم المقدّسة”.
فنحن في عين عاصفة وأزمة ووباء قد يقتل الآلاف، ممن لديهم أحباب وأقارب وأصحاب وعائلات، وحزب الله كان له الدور الأوّل والأساسي في وصولنا إلى هنا.
والأهمّ، أن نصر الله حسناً فعل بأن اعتذر من الشعب اللبناني.