نشر “أساس” ترجمة الفصل الخامس من كتاب “الديموغرافيا الدينية الدولية لعام 2018” خلال اليومين الماضيين، الذي يشرح مستقبل التركيبة السكّانية في لبنان بحسب الطوائف، من وجهة نظر علمية، وربطاً بمراحل تاريخية وأحداث عصفت بلبنان.
لا بدّ من معاينة سير التوقعات التي أوردتها الدراسة لمقارنتها مع الواقع، خصوصاً أنّ الدراسية أُعدت في العام 2011 (نُشرت عام 2013 محلياً)، ومرّت بمراحل عدة لمعاينتها حتى حصلت على موافقة أكاديمية غربية لنشرها في كتاب “الديموغرافيا الدولية” الصادر في العام الفائت.
إقرأ أيضاً: مسيحيو لبنان ليسوا في خطر (1/2): خصوبة المسلمين انخفضت
“أساس” حلّ ضيفاً لدى المركز اللبناني للمعلومات – لبنان، وأجرى مقابلة مع معدّ الدراسة، رئيس قسم الرياضيات في الجامعة الأميركية الدكتور وسام راجي، الذي شرح تفاصيلها والظروف التي مرّ بها المسيحيون في السبعينات وأدت إلى هجرة أعداد كبيرة منهم، ثم هجرة المسلمين في مطلع الألفية الثالثة، ثم تبدّل أنماط عيشهم بفعل نزوحهم إلى المدن وانخفاض نسبة الأمية والعولمة.
كل هذه العوامل أدت إلى زيادة الهامش بين المسيحيين والمسلمين، ثم ما لبث أن تقلّص. وخلال السنوات العشر الأواخر طرأت ظروف إضافية أثرت على الواقع الديموغرافي في لبنان ولم تلحظها الدراسة، خصوصاً الثورة السورية وتدفق اللاجئين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، في مقابل توجّه أعداد من المقاتلين اللبنانيين للمشاركة في الحرب هناك.
لا شك أنّ هذين المعطيين أثراً سلباً في الواقع الديموغرافي، فالأول أدى إلى إعادة حسابات الإنجاب لدى اللبنانيين بسبب تشارك الموارد مع اللاجئين (إضافة إلى عوامل سياسية واقتصادية داخلية أخرى بلا شكّ) فيما المشاركة في الحرب ساهمت في انخفاض أعداد المسلمين (الشيعة خصوصاً) وبالتالي في نسبة الخصوبة لديهم.
لكن رغم ذلك، كشف الدكتور راجي أنّ الأرقام، في المبدأ، تسير ضمن المتوقع. خصوصاً أن التثبت من صحتها بشكل علمي بحاجة لمطابقة النظر مع الواقع. وهذا بدوره يأخذ عدداً من السنوات، إلاّ أنّ الأرقام اليوم تؤكد صحّة التوقعات التي خلُصت إلى 3 نقاط رئيسية نوردها مجدداً أدناه:
1. منذ بداية الحرب اللبنانية في عام 1975 وحتّى منتصف الثمانينات، كانت الهجرة أعلى بكثير بين السكان المسيحيين. ثم انقلب المشهد في الفترة الممتدة بين الأعوام 1984 إلى 2011. نتيجة لذلك، فقد بلغت نسبة المهاجرين منذ عام 1975 وحتى عام 2011: 46% لدى المسيحيين و54% لدى المسلمين.
2. إنخفضت معدلات الخصوبة لدى الطوائف المسيحية والإسلامية في الفترة الممتدة من 1971 إلى 2004. معدّل انخفاضها في المجتمعات المسلمة بقي أعلى بكثير من تلك المسيحية، لكن مع ذلك، تبيّن أنّ المعدلين متقاربان في 2004.
3. يقدّر عدد المسيحيين بنحو 34% من إجمالي عدد السكان المقيمين في لبنان، ويشكلون فعلياً نحو 38% من الناخبين المؤهلين. على عكس التصور الشائع، فإن الاتجاه السائد منذ 40 عاماً عن الاستمرار في تراجع أعداد المسيحيين بدأ يشهد تحولاً. لأنّ هذه الدراسة تسلّط الضوء على الأعداد المستقرّة للمسيحيين على مدار العامين الماضيين، مع زيادة أعدادهم (على التوالي، النسبة المئوية للمسيحيين من بين سائر اللبنانيين والمسيحيين المقيمين من بين الناخبين المؤهلين) إلى نحو 38% و40% على مدى السنوات الـ 19 المقبلة، وإلى نحو 39% و41% في السنوات الـ34 المقبلة.
إقرأ أيضاً: مسيحيو لبنان ليسوا في خطر (2/2): من 34% إلى 41%