مثيراً للانتباه كان المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بداية الأسبوع. اختار عنوان “شائعة” مرضه التي أفرد لها موقع إلكتروني سويسري مساحة لا بأس بها، لكي يصوب على النائب جميل السيد. بنفسه قال إنّه ظهر خلال الأسبوع الأخير أقله ثلاث مرات عبر الإعلام، إذ التقى أكثر من 30 صحافياً، ما ينفي تلقائياً فرضية علاجه لمدّة ثلاث أيام في فرنسا. وبالنتيجة، فإنّ الوقائع التي شهدتها معراب خلال الفترة الأخيرة، بتوثيق أهل الصحافة والإعلام، كانت كفيلة بتكذيب تلك الشائعات. ومع ذلك، تقصّد جعجع الوقوف على منبر لنقض تلك الأقاويل، وتوجيه الأنظار نحو جميل السيد.
من يعرف جعجع جيداً، يدرك أنّ الرجل لا يتعاطى باستخفاف مع حركة النائب البقاعي وبقعة نفوذه. هو متيقّن أنّ هذه البقعة آخذة في الاتساع، خصوصاً مع الدور الذي لعبه السيد في إطار صداقته مع رئيس الحكومة حسّان دياب، ربطاً بقنوات التواصل التي يشبكها سواء مع قصر بعبدا أو مع “حزب الله” أو حتّى مع النظام السوري.
إقرأ أيضاً: الحريري وجعجع و”الدفّ مكسور”
ترفع هذه المشهدية من حاسة “النقزة” لدى معراب، وتزيد من منسوب الهاجس الأمني، ربطاً بالدور الذي تقول “القوات” إنّ السيد لعبه في ما خصّ قضية تفجير كنسية سيدة النجاة، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهدها البلاد والمنطقة، والتي هي أقرب إلى مرحلة تحوّلات كبيرة.
في السياسة، تتجنّب “القوات” الوقوف في صدارة الهجوم على الحكومة. تأخذ بعض المسافة من هذا الدور، مترقّبة التطورات الخارجية والداخلية لا سيما المواقف الدولية من الحكومة والتي تأخذ تدريجياً منحىً إيجابياً، تحت عنوان “منح الحكومة الفرصة”. ولهذا السلوك مخاوفه في معراب كما تفيد المعلومات.
تزداد المخاوف من تقدّم دور النائب جميل السيد في تركيبة قوى الثامن من آذار بشكل قد يزعج “القوات” أو يحاصرها سياسياً
ثمة خشية، وفق المواكبين لحركة “القوات”، من عزلها في السياسة، خصوصاً أنّ التفاهم مع رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري يشوبه الخلل، فيما وضع اليد بيد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يعتريه انعدام الثقة، خصوصاً أنّ الأخير يفضل إبقاء جسور العلاقة ثابتة مع “الثنائي الشيعي”، ما يضع “القوات” أمام خيارات صعبة في منظومة علاقاتها الداخلية. ولهذا لا يغريها كثيراً موقع الهجوم المباشر.
كذلك في الأمن، تزداد المخاوف من تقدّم دور النائب جميل السيد في تركيبة قوى الثامن من آذار بشكل قد يزعج “القوات” أو يحاصرها سياسياً. ولذا قرّر جعجع مواجهة هذا الدور قبل اضطراره إلى الدفاع عن دوره، خصوصاً في ضوء التسريبات التي تتحدّث عن إمكانية سحب بعض عناصر قوى الأمن الداخلي المولجة حماية مقرّ “القوات” في معراب، وهي تعدّ راهناً بالعشرات.
بالطبع لا تتكل القوات على هذه المجموعة، فلديها مجموعاتها الخاصة التي تعدّ بالمئات، لكنّ قراراً من هذا النوع له قراءته السياسية وفق “باروميتر” القوات.