أبعد من إقامة تمثال لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني” في الجنوب، هناك إصرار على تأكيد الهوية الجديدة للبنان. لبنان مستعمرة إيرانية لا أكثر. الحكومة فيه “حكومة حزب الله” والعهد فيه هو “عهد حزب الله”. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان ذلك الصمت الرسمي عن إقامة مثل هذا التمثال لشخص تولت الإدارة الاميركية تصفيته بعيد مغادرته مطار بغداد ووصفته بـ”الإرهابي”. أين يقف لبنان؟ هذا هو السؤال الكبير. لا مصلحة له في أن يكون معزولاً عربياً ولا مصلحة له في أن يكون على عداء مع القوّة العظمى الوحيدة في العالم التي اسمها الدولار. سيترتّب على بلد مثل لبنان يعزل نفسه عن محيطه العربي ويضع نفسه في مواجهة مع أميركا، تحمّل نتيجة غياب الخط الذي يفرّق بين مؤسساته الرسمية، في مقدّمها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من جهة و “حزب الله” من جهة أخرى… حتّى لو كان هذا الخط في الماضي مجرّد خط وهمي…
الغريب في الأمر سلسلة التصرّفات المستوحاة من إيران التي تلت اغتيال سليماني مع أبو مهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” في العراق. الأكيد أنّه لا ينفع قول الأمين لـ”حزب الله” أن حكومة حسّان دياب ليست “حكومة حزب الله” وأنّه مطلوب إعطاء فرصة للحكومة اللبنانية الجديدة. من يريد إعطاء فرصة لهذه الحكومة لا يقيم تمثالاً لقائد “فيلق القدس” في مارون الراس على تلة مطلّة على الأرض الفلسطينية. من يريد إعطاء فرصة “معقولة” لحكومة حسّان دياب لا يسدّ مسبقاً في وجهها الأبواب العربيّة ولا يتحدّث عن “مقاومة شاملة لأميركا”. من يهاجم البحرين، إنّما يهاجم كلّ دولة عربية.هناك انهيار لبناني على كلّ صعيد. ليس في استطاعة حكومة مثل الحكومة الحالية معالجة هذا الانهيار الذي بات واقعاً لا مفرّ منه. الأكيد أنّ استخدام المنطق يشكّل الطريق الأقصر من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد خراب البصرة. لعلّ السؤال البديهي الذي يفرض نفسه في مثل هذه الأيّام ماذا جاء يفعل في بيغروت، في هذا التوقيت بالذات، شخص مثل علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى (مجلس النوّاب) في إيران؟ ثمة ملاحظة لا مفرّ منها يلخصّها سؤال صغير: ماذا لدى إيران تقدّمه للبنان؟ هل لدى السلطة في إيران أصلاً ما تقدّمه إلى الإيرانيين؟
تنطبق عبارة خراب البصرة على الوضع اللبناني بعد تحوّل البلد الى “ساحة” إيرانية من جهة وبعد انهيار النظام المصرفي من جهة أخرى. واضح أنّ “حزب الله” لا يريد أخذ العلم بذلك، وأنّه لم تعد أمام لبنان خيارات تذكر باستثناء الاستعانة بصندوق النقد الدولي الذي لا يُقدم على أي خطوة أساسية من دون مباركة مباشرة أو غير مباشرة من الولايات المتحدة. من هذا المنطلق، يبدو مفيداً أكثر من أيّ وقت تفادي العنتريات التي لا طائل منها. بدل العنتريات، يبدو التواضع أكثر من ضروري. يبدأ التواضع بمحاولة معرفة ما هي أميركا بحسناتها وسيئاتها. أن تحاول معرفة ما هي أميركا بداية جيّدة تغني عن نكات من نوع مقاطعة البضائع الأميركية. نكات من هذا النوع هي الطريق الأقصر إلى تكريس حال الانهيار التي بدأت بكذبة كبيرة اسمها انتصار “حزب الله” على إسرائيل في حرب صيف 2006. هذا الانتصار كان انتصاراً إيرانياً على لبنان وليس على إسرائيل. ما يزال لبنان يدفع ثمن هذا الانتصار الذي توّجه تحوّل “حزب الله” إلى الجهة التي تختار للبنانيين رئيس جمهوريتهم الماروني في العام 2016، ورئيس الحكومة السنّي ووزرائه في السنة 2020…
في ضوء وصول لبنان إلى ما وصل اليه، لم يعد سبب لسؤال لماذا حصل الانهيار في لبنان، ولماذا لبنان مجرّد مستعمرة إيرانية!