يخصّص الممثل والكوميديان البريطاني المعروف ريكي جيرفيز احد سكيتشاته على المسرح للسخرية من تعليمات السلامة العامة التي تتلوها شركات الطيران على المسافرين. فكرة جيرفيز أن هذه التعليمات لا تقدّم ولا تؤخر في حال وقوع حادث خطير. فأن تهوي الطائرة بسرعة خمسمئة كيلومتر على سفح جبل، لن يكون معها ممكناً النجاة اذا اتخذ المسافر وضعية الحماية المعمول بها في كتيّب السلامة العامة. كذلك الأمر في الارتطام القوي بسطح المياه في حال سقوط الطائرة في البحر أو المحيط. ويذهب جيرفيز ابعد في سخريته حينما يفترض نجاتك فيما لو كنت مسافراً، بعد سقوط طائرتك في المحيط، وانتقلتَ إلى مرحلة أخرى من التعليمات: سترة النجاة تحت المقعد، والسترة مجهزة بصفّارة. وانت في وسط المحيط، تعوم مع القروش والحيتان، وما عليك إلا استخدام الصفارة. فهل يمكن أن يسمعك أحد؟ ثم يسأل جيرفيز: هل كنت يوماً ما على متن مروحية؟ الضجيج داخل المروحية لا يمكن احتماله ويلجأ الطاقم والركاب إلى وضع سمّاعات head set على الأذنين لتحمل الضجيج. فتخيل أن طائرة انقاذ مروحية تحاول أن تعثر عليك في المحيط وأنت، ومعك تعليمات السلامة العامة، تعوّلان على صوت الصفارة!
ثم ينتهي جيرفيز إلى النتيجة الحاسمة برأيه: إذا تحطمت طائرتك، تموت.
الخطير والمحزن في الموضوع أن هذا السيناريو ليس متخيلاً. معظم الركاب فعلاً يتلقّون اعلان الانهيار بكثير من الرضا والتسليم بمشيئة حاكم مصرف لبنان وباقي الطاقم السياسي الذي يقود الطائرة إلى التحطم
في قرار الميديل إيست الأخير عدم قبول الدفع إلا بالدولار الأميركي شيء من كل هذا. فشركة الطيران اللبنانية، المملوكة من مصرف لبنان، كأنها بقرارها هذا المخالف لقانون النقد والتسليف، والمنسّق حكماً مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، فيما غرّد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بأنّ الرئيس عون طلب توحيد تسعير بطاقات السفر بالليرة اللبنانية استناداً إلى القوانين المرعية الاجراء، تقول إن الإرتطام بسطح الماء بات وشيكاً جداً، وأن الطائرة فقدت الإتصال بالمدرج واختفت عن الرادار. والآن إلى تعليمات السلامة العامة: سترة نجاة تحت المقعد، وهي مزوّدة بصفارة. طبعاً الشركة غير مسؤولة عن عمليات الإنقاذ التي تحدث بعد عملية التحطم، فلا نعلم اذا كانت مروحية سوف تأتي لإنقاذ من سينجو من حادث التحطم، هذا على افتراض وجود ناجين.
القرار إعلان رسمي للانهيار الشامل بطريقة لطيفة: “اهلا بكم على متن خطوطنا الجوية. يؤسفنا أن نعلمكم بأننا فقدنا السيطرة على الطائرة وأنها تهوي بكل ثقلها إلى البحر. حرارة المياه 13 درجة مئوية وسرعة الرياح ثلاثون كيلومتراً في الساعة. شكراً لاختياركم طيران الشرق الأوسط”. ويراد بعد هذا الإعلان أن لا يصاب الركاب بالهلع. أن يبقوا في مقاعدهم بثبات واسترخاء، يضعون أحزمة الأمان وينتظرون الإرتطام بمزيد من الرضا والتسليم.
الخطير والمحزن في الموضوع أن هذا السيناريو ليس متخيلاً. معظم الركاب فعلاً يتلقّون اعلان الانهيار بكثير من الرضا والتسليم بمشيئة حاكم مصرف لبنان وباقي الطاقم السياسي الذي يقود الطائرة إلى التحطم. الأنكى: الركاب الذين انتفضوا وتحركت لديهم غريزة النجاة، لجأوا إلى سترة النجاة تحت المقعد، فلم يجدوها. لا سترات نجاة تحت المقاعد، ولا صفّارات. ولا صندوق أسود في الطائرة التي يسبح حطامها مع جثث الركّاب، من الدرجة الاقتصادية ودرجة رجال الأعمال سواسية، في اعماق البحر، وهي مملوكة من شركة، رئيس مجلس إدارتها… حوت!