في الشكل، تبدو تركيبة مسودّة البيان المؤلف من 17 صفحة (هي النسخة النهائية على ما يبدو)، ركيكة وغير متجانسة. فيها خلط للمعطيات وعدم احترام للأولويات، والكثير من هواية الـ copy/paste للعديد من لبنود وأفكار سبق وتبنتها ولم تنفذها الحكومات المتعاقبة.
عناوين وتعابير مستعارة من الحكومات السابقة، تؤكد على الاستمرار بالنهج السابق نفسه. خذ مثلاً عنوان “حق المرأة في منح الجنسية لأولادها” و”حماية الأبنية والمواقع التراثية” و”المساواة بين الرجل والمرأة”، كلّها تحتلّ مواقع متقدّمة في البيان على بند استرداد الأموال المنهوبة الذي خرج آلاف المتظاهرين يطالبون به منذ 17 تشرين الأول الماضي (وعدت الحكومة بالبتّ فيه خلال أقل من سنة).
ناهيك عن الصعود والهبوط في طرح مواضيع تُقارب حدود التخبط والتناقض في بنود كثيرة، خصوصاً في الشأن الاقتصادي الذي يُفترض أن يكون العنوان الأساسي لحكومة شُكّلت على وقع وصخب “الثورة” التي لم يشِر إليها البيان سوى مرتين بخجل وتردّد، تحت مسمى “الحراك”.
في المضمون، ومن جملة ما يثير انتباه القارىء سريعاً، حجم التناقض في تشديد المسودّة ضمن الفقرة الخامسة الخاصة، على “تصحيح المالية العامة”، من خلال التشديد على ضرورة إجراء “الإصلاحات الضريبية لتحسين الجباية”. إذ يبدو أنّ الحكومة تنسى (أو تتناسى) أنّ الإيرادات انخفضت أكثر من 40 في المئة. قال ذلك وزير المال السابق علي حسن خليل صراحة في 11 كانون الأول الفائت: “لدينا أرقام مقلقة جداً عن تراجع الإيرادات. كنا نتوقع تأمين ٥٠٠٠ مليار ليرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، لكنّنا تراجعنا إلى حدود ٤٠ في المئة، ما سبّب عجزاً أكبر مما توقعنا في مشروع الموازنة. وبالتالي كلّ أرقام موازنة ٢٠٢٠ ستتغير”… واسمعوا جيّدا: هذه هي نفسها الموازنة التي أقرّتها الحكومة قبل أسبوع.
إنخفاض الإيرادات سببه الأزمة الاقتصادية التي تسببه بالإنتفاضة التي حفّزت الناس على الامتناع عن دفع الضرائب والرسوم، فكيف السبيل إلى تحسين الجباية؟
ثم يحدّثنا البيان عن “خفض معدلات الفائدة” على القروض والودائع لـ”إنعاش الاقتصاد”، وكأنّ مشكلتنا في لبنان محصورة بمزاج المستثمرين، الميّالين إلى ادّخار الأموال بدل ضخّها في السوق على شكل مشاريع واستثمارات.
لم تنسَ الحكومة في بيانها أيضاً، ذكر “ملء الشواغر” في مجالس إدارة المؤسسات والھيئات العامة والشركات المختلطة والعامة والھيئات الناظمة. وكأنّنا في حالة عطش لزيادة موظفي القطاع العام بأعبائهم المالية وليس العكس!
ومن دون أن ننسى طبعاً المعادلة الخشبية الخاصّة بـ”الشعب والجيش والمقاومة”، وهي “لازمة” البيانات الوزارية، ومُحرجة الدولة في هيبتها عند كل استحقاق.
منذ اتفاق الطائف إلى يومنا هذا، لم تلتزم أيّ حكومة بتفاصيل بيانها الوزاري. كلّ البيانات المتعاقبة كانت تقتصر على سردٍ إنشائي حول مشاريع وإجراءات وتدابير تذهب أدراج الرياح بعد جلسة نيل الثقة من المجلس النيابي، ولا يبدو أنّ بيان حكومة حسّان دياب، الذي سُرّبت مسودّته نهاية الأسبوع الفائت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، سيشذّ عن هذه القاعدة.
عدم التزام الحكومات ببيانتها الوزارية سببه الخلط بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وضياع مبدأ المحاسبة نتيجة “حمّى التوافق” التي قضت على المؤسسات ودمرتها. لكن بالعودة إلى البيان، فيمكن القول من دون ذنب بالاتهام أو التظلّم، أنه بعيد عن المطالب ولم يكن على قدر الآمال المعقودة على حكومة شُكّلت بعد نحو 100 يوم من التظاهر.