فيما كانت الحكومة تؤجل جولة التراخيص الثانية إلى نهاية نيسان 2020، وفيما نحن بانتظار الحفارة التي ستبدأ بالعمل في البلوك 4 في شمال بيروت، بدأت الشركات العاملة في إسرائيل بنقل أولى كميات الغاز إلى مصر بناءً على عقد مدّته 15 سنة وبقيمة 19.5 مليار دولار.
تأتي هذه الخطوة من ضمن الإتّفاق الذي وُقّع بين مسثمري حَقْلي ليفياتان وتمار في إسرائيل، وشركة دولفينوس القابضة المصرية. وكانت الحكومة الإسرائيلية تعمل جاهدة على إيجاد الأسواق الخارجية للغاز المكتشف في مياهها وهي اعتمدت على 3 خيارات: الطريق نحو تركيا، أنبوب شرقي المتوسط (من إسرائيل عبر قبرص إلى اليونان وإيطاليا)، والطريق عبر مصر.
فشلت المحاولات مع تركيا في 2016 فركّزت الحكومة الإسرائيلية جهودها على بناء “الأنبوب – الحلم”، لكن سريعاً توضّحت الصورة بأنّ الحلّ الأفضل إقتصادياً ومادّياً وسياسياً هو الممرّ المصري، حيث البنى التحتية موجودة والطريق إلى الأسواق الخارجية مجهّزة. وبالتالي مهّدت الحكومتان المصرية والإسرائيلية الطريق للشركات المصرية والإسرائيلو-أميركية لتوقيع العقود.
وإضافة إلى هذا التطوّر الأساسي شهدنا هذا الأسبوع تطوّراً مهماً على صعيد “منتدى غاز شرق المتوسط”، حيث اجتمع المؤسسون السبعة (مصر- إسرائيل- الأردن- فلسطين- قبرص -اليونان- إيطاليا) في القاهرة، وأعلنوا مأسسة المنتدى ليصبح منظمة دولية مثل “أوبك”، لكن في منطقتنا
لا شكّ أنّ لعنة السياسة تلاحق هذا القطاع في لبنان. فهذه التطوّرات المهمّة تجعل مَهَمّة لبنان أصعب، وقد تجذبه أكثر إلى التطلّع نحو المحورالتركي الروسي ليتمكّن من الإستفادة من غاز، طبعًا في حال الاكتشاف التجاري.
السؤال الكبير اليوم: هل لبنان جاهز لينحاز إلى هذا المحور ضد المحور الأميركي – الأوروبي من أجل الغاز؟
مأسسة المنتدى وتحوّل إسرائيل إلى مُصدّر للغاز في المنطقة وللمنطقة، يخلق تساؤلات كبيرة في لبنان عن إمكانات التصدير إلى الخارج. لدى لبنان ثلاث خيارات:
الخيار الأوّل هو استعمال الأنبوب العربي للغاز، الذي بدأ إنشاؤه في 2003، ويمتدّ من مصر إلى الأردن وسوريا، وصولاً إلى تركيا (علماً أنّ الجزء السوري – التركي غير منجز).
الخيار الثاني هو أنبوب متفرّع من هذا الأنبوب، يمتدّ من حمص إلى شمال لبنان. كان منذ البداية التدفّق من هذا الأنبوب باتجاه واحد من مصر إلى تركيا، وفي 2015 تمّ تجديده ليكون باتجاهين (من الأردن إلى مصر). اليوم هذا الأنبوب متوقف في جزئه الأكبر وبحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل ليكون صالحاً للاستعمال. وإذا أراد لبنان أن يستعمل هذا الأنبوب عليه التفاوض مع السوريين لاستعمال الجزء السوري لإيصال الغاز إلى المنطقة وإلى مصر لاستعمالها كممرّ للغاز.
الخيار الثالث هو اللجوء إلى ما يعرف بـ “Floating Liquified Natural Gas-FLNG”، وهي بواخر عائمة تكون بمثابة معمل عائم يقوم بتسييل الغاز الطبيعي ونقله إلى الأسواق من دون اللجوء إلى الأنابيب و”بلا مشاكل سياسية”. لكنّ هذا الأسلوب يعتبر عالي الكلفة. وقد يكون أحد الخيارات هو العمل مع الروس لتوفير الغاز عبر مدّ أنابيب من سوريا إلى تركيا للأسواق الداخلية ومن تركيا التشبيك بالأنابيب الموجودة للوصول إلى أسواق إوروبية. ولكن هذا يتطلب جهداً سياسياً كبيراً من قبل الدولة اللبنانية للتوافق على إعادة العلاقات مع النظام السوري والموافقة على مطالب السوريين السياسية والأمنية. وقد يشكّل ذلك مأزقاً في الداخل اللبناني. وبالإضافة إلى تعقيدات الثنائية بين لبنان وسوريا، الانحياز إلى هذا المحور يعني معاداة الأميركيين والأوروبيين الذين يدعمون بقوّة “منتدى غاز شرق المتوسط” والدول المنضمّة إليه.
من حسن حظ لبنان أنّه اليوم خارج المنافسة على الأسواق الإقليمية أو العالمية.
لأنّ السؤال الكبير اليوم: هل لبنان جاهز لينحاز إلى هذا المحور ضد المحور الأميركي – الأوروبي من أجل الغاز؟
بالطبع لا، لكن هذا حديث آخر.