لم يكن السوري “رامي كوسا” يكتب قصة متخيّلة لمسلسل درامي يعرض في شهر رمضان عندما أنجز كتابة حلقات مسلسل “أبناء آدم”، بل كان يكتب قصتنا جميعاً، قصة مجتمعنا بكلّ الأصناف التي تتعايش عن قرب أو عن بُعد فيه.
يصرخ غسان (يقوم بدوره الفنان مكسيم خليل) بزوجته في المسلسل، معالي وزيرة العدل ديما علم الدين (تقوم بدورها الفنانة ماغي أبو غصن) عندما تكتشف حقيقة ارتكاباته وخياناته لها، قائلاً: “بتعرفي ليش… لأنّو كلنا ولاد آدم”.
لقد روى علينا “كوسا” قصصنا التي نعرفها، والتي إن كانت لغيرنا، لا نتردّد بروايتها، وإن كانت لنا، سنعمل بالتأكيد على إخفائها، والعكس صحيح.
لقد أحسن رامي كوسا في جعلنا مُمَثلين بممثِّلين داخل المسلسل. فالمشاهد مع “أولاد آدم” أشبه بأهالي طلاب الروضات الذين يشاهدون حفلة نهاية العام الدراسي لأولادهم الصغار، كلّ ممثّل يعني عائلة يشبهها يحمل اسمها حضرت لتشاهده دون غيره ودون مبالاة بالحكاية
الشرطي بسام (طلال الجردي) وزميلته الشرطية “نجمة”، كثيرون من عناصر شرطة عالمنا العربي يشبهونهما، لا بل يتطابقون مع صفاتهما. فأجهزة الهاتف الخليوي المهرّبة منتشرة داخل السجون، وكذلك كلّ ما يطلب من الممنوعات وصولاً إلى قالب الحلوى.
استرزاق طبيعي لمجتمع غير طبيعي، يعمل دائماً على البديل قبل الأصيل، البديل عن الراتب في الوظيفة الرسمية، والبديل عن الزوج أو الزوجة في الحياة العاطفية، والبديل عن الأمن بوابة حديدية، والبديل عن الخدمات التي من المفترض أن تقدّمها الدولة..
الراقصة مايا (دانييلا رحمة) وزميلتها في “كار المصاحبة” تشبهان راقصات كثيرات وزميلات في هذا الكار أو ذاك، حيث لكلّ واحدة اسمان، واحد على الهوية، وآخر للاستعمال. ولكلٍّ منهنّ قصة عن ظالم أو ظالمة دفعها إلى هذا المسلك أو ذلك الخيار.
الوزيرة القاضية ديما (ماغي أبو غصن) أيضاً لدى مجتمعنا منها الكثير. ذاك النوع القادر على التطبّع، والتطبيع، والمكابرة، والتدليس حفاظاً على الصورة وعلى الموقع وخوفاً من الفضيحة .
أما الصحافي غسان (مكسيم خليل)، فهو نموذج المؤذي السادي الكامن في كلّ واحد منا. هو أصدقنا في التعبير عن حقائقنا عندما يجلس محادثاً عدسة كاميرته مصارحاً بما لا يصارح به المشاهدين على شاشة التلفزيون حيث يعمل.
فيما سعد، اللاجىء السوري في لبنان، (يقوم بدوره الفنان قيس الشيخ نجيب)، فهو ككلّ لاجئ في كلّ بلاد اللجوء شرقاً وغرباً، يستسهل اللجوء إلى الممنوع كي يكسب قوته، حين تسدّ في وجهه أبواب المسموح. هو إنسان. لكنّ اللجوء جعله في مكان ما أشبه بالشيطان، ينظر إلى الحياة بعين واحدة ليس كرهاً بها، بل لأنّ ما عايشه من مآسٍ وآلام أفقده جزءاً من ذاته ومن جسده. ومع قيس كانت عينه المفقودة، وكان الصغار يصفونه بالقرصان.
لقد أحسن رامي كوسا في جعلنا مُمَثلين بممثِّلين داخل المسلسل. فالمشاهد مع “أولاد آدم” أشبه بأهالي طلاب الروضات الذين يشاهدون حفلة نهاية العام الدراسي لأولادهم الصغار، كلّ ممثّل يعني عائلة يشبهها يحمل اسمها حضرت لتشاهده دون غيره ودون مبالاة بالحكاية.
وضعنا “رامي كوسا” جميعاً، سلطة وإدارة وشعباً، بكلّ أطيافه، فاسداً وغنياً وفقيراً وصاحب ضمير، في حفرة واحدة قائلاً لنا: ” كلٌّ في مكان ما لديه فيلمه الخاص وفضيحته الخاصة، لا بل أكثر: جريمته الخاصة”.
إبداع رامي كوسا التقى مع حرفية المخرج الليث حجو الذي عرف كيف يحرّك هذه المجموعة من المبدعين مستنداً على جنون مكسيم خليل في الأداء وأريحية قيس الشيخ نجيب في عيش الدور
هي محاولة ذكية لمعالجة العلاقة ما بين السلطة والناس، فطالما أنت عاجز عن تبرئة السلطة ما عليك سوى أن تتهم الناس. هو سعي لتجاوز جريمة عبر توريط الشهود بالجريمة. لا أمكنة مفتوحة في لعبة الكتابة. مع رامي كلّ الأمكنة مغلقة. السجن ومنازل الوزيرة والسارق ومكتب الوزيرة…، هو إمعان في التفصيل للوصول إلى ذروة التشبيه، وهي قاعدة نقدية يدركها التقنيون في علم كتابة الرواية.
إبداع رامي كوسا التقى مع حرفية المخرج الليث حجو الذي عرف كيف يحرّك هذه المجموعة من المبدعين مستنداً على جنون مكسيم خليل في الأداء وأريحية قيس الشيخ نجيب في عيش الدور، أضف إلى ذلك نجومية طلال الجردي التي لا تشبه أيّ نجومية. وما بينهم جميعاً تفاحة اسمها “دانييلا رحمة”، التي أبدعت بأدائها كما أبهرت بجمالها. والسؤال دائماً: من يمكنه مقاومة إغواء راقصة كهذه؟
ألم يقل عنّا رامي كوسا إنّنا “كلنا أولاد آدم”، أي “كلّنا مجرمون”.