عاصفة ثلاثية تضرب اتحاد العائلات.. فوزي زيدان يكشف المستور: كل ما جرى احتيال باحتيال (2/1)

مدة القراءة 9 د


عاصفة ثلاثية ضربت اتحاد العائلات البيروتية، ثلاث من العائلات الرئيسية أعلنت تعليق عضويتها قبيل الانتخابات وبعد أشهر معدودة عليها، وهي التي شهدت تجاذباً وتدخّلات وانتهت الى تجديد ولاية محمد عفيف يموت في رئاسة الاتحاد.

رئيس الاتحاد السابق الدكتور فوزي زيدان كان أول المبادرين إلى تعليق عضوية عائلته، بعد الانتخابات، ثم عائلة حاسبيني. وكانت عائلة المصري قد علّقت عضويتها قبيل الانتخابات بموجب كتاب وجّهه رئيسها إلى الاتحاد وإلى رؤساء جمعيات العائلات البيروتية..

أن ينكفئ فوزي زيدان عن الضوء معلّقاً عضويته كممثّل لعائلته في اتحاد العائلات البيروتية، غائباً عن بيت الوسط واللقاءات مع سيّد البيت الذي ما عاد يدعوه كالعادة الى اللقاء، كما ما عاد زيدان نفسه يطلب اللقاء، فذلك يعني انّ في بيروت وأهلها خطباً كبيراً.

فوزي زيدان، الطبيب المختصّ في جراحة العظام، هو ميزان الحالة البيروتية. منه نعرف إذا كانت معافاة أو مريضة. هو ابن المدينة وزوج أميرة من أميراتها من بني شهاب، و”أبو البنات”، تيمنّاً بالرسول محمد (ص)، كما يقول البيارتة عمن لا يرزقه الله بالذكور من الأبناء.

الحوار مع فوزي زيدان لا يمكنه أن يُشبه الحوارات الصحافية، فالرجل صندوق من الأسرار والأخبار، منها ما يذكرها ويتمنّى عليك أن لا تذكرها، ومنها ما يكشفها وتخشى أن تكشفها.

إقرأ أيضاً: العائلات البيروتية.. ثلاثة أرقام للتغيير

لقد كان “اتحاد العائلات البيروتية” بالنسبة إلى زيدان حُلماً يمهّد لإقامة مؤسّسة سياسية. فهو المتوقّد الدائم لولادة حزب بيروتي حاول تأسيسه مع رفيق الحريري، فسقطت المحاولة، التي تحمّس رفيق الحريري لها، ثم تراجع عنها تحت ضغوط الأشقاء والشركاء.

ثم حاول مع سعد الحريري فكانت الخيبة خيبتين: فشل المحاولة أوّلاً وإحراجه وإخراجه من “اتحاد العائلات البيروتية” ثانياً. وهو يروي لـ”أساس” كيف شغل منصب رئاسة الاتحاد من العام 2014 حتى العام 2017. وقبل نهاية الولاية ببضعة أشهر: “طلب مني الرئيس سعد الحريري الاستمرار في الموقع من خلال تجديد الولاية، طالما أنّ النظام الداخلي للاتحاد لا يمنع ذلك. فأعلمته أنّني من مؤيّدي تداول السلطة وإفساح المجال أمام كلّ العائلات كي تتولّى مهام الرئاسة، فأصرّ على التجديد طالباً مني عدم التدخل تاركاً الأمر له”.

وتابع زيدان قائلاً: قبل أيام من العملية الانتخابية، حصل اجتماع عند الشيخ سعد الحريري وكان من الظاهر أنه تمّ اقناعه بفكرة “إذا فوزي موجود والكابتن عماد حاسبيني موجود فسيسقط محمد عفيف يموت”. وقبلها حصل اجتماع في السراي الحكومي حضرته أنا ومحمد أمين عيتاني ومحمد عفيف يموت، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في ذلك الوقت، بالإضافة إلى وجود 3 أو 4 أشخاص. وخلال هذا الاجتماع قال محمد أمين عيتاني شهادة حّق: “أكثر رئيس نجح برئاسة الاتحاد هو فوزي زيدان وقدّم للاتحاد ما لم يقدّمه أيّ أحد قبله، وإنجازاته لم يفعل أحد مثلها ولكن تداول السلطة هو الأهم”. عندها قال لي الشيخ سعد الحريري: “أتمنى منك يا فوزي أن تنسحب”. وهنا سحبتُ ترشيحي. وبعدها تمّ انتخاب محمد عفيف يموت الذي خاض معركة تداول السلطة. ثمّ بعد نهاية ولايته تنكّر لفكرة تداول السلطة وجُدّد له بالرئاسة. ذهبت حينها إلى الشيخ سعد الحريري للنقاش بموضوع التجديد ومبدأ تداول السلطة وقال لي في وقتها: “ًغداً ذكرى والدي الشهيد رفيق الحريري، وأنا مخّي مشوّش، نجلس سوياً الاثنين ونتناقش بالموضوع”.

ويكمل الدكتور البيروتي: للأسف الشديد هناك من وضع صورة وفكرة في رأس الشيخ سعد الحريري مفادها أنّ عماد حاسبيني تابع للنائب فؤاد المخزومي، والمخزومي يريد الدخول إلى الاتحاد. ووقتها قلت للشيخ سعد الحريري: “هذا الكلام غير صحيح. الاتحاد ليس لأمين عيتاني. الاتحاد لسعد الحريري. الذي يريد أن يصوّت لسعد يصوّت لأمين عيتاني. لا تَدَعهم “يبيعونك سمك بالبحر”، ومن قال لك إن الكابتن حاسبيني ضدك؟ كنت أتمنّى على الرئيس الحريري أن يسمع أكثر وينتبه أكثر، ويتقيّد بمبدأ تداول السلطة ويطلب منهم ذلك مثلما كان يحصل في الماضي، يختم زيدان. 

على خلفية كلّ ذلك جاء قراره بتعليق عضوية عائلته في الاتحاد، هو تعليق أشبه بفعل الندامة أو الحسرة. فالرجل الذي صنع الوجه السياسي للاتحاد وحوّله إلى ما يشبه الحزب للحريرية السياسية، وجد نفسه مطعوناً بالظهر: “كلّ ما جرى احتيال باحتيال”. بغضب قال تلك الكلمات مسترسلاً: “نعم، لقد حوّلت الاتحاد إلى كيان سياسي، وهم يريدونه جمعية خيرية لا تملك سوى الندب والنحيب. ولست نادماً على ذلك. ولكن للأسف ليس هناك سوى رفيق الحريري من يستحقّ أن أفعل ذلك لأجله. الوجه السياسي، هو وجه بيروت. بيروت دائماً لها خطّ سياسي. بيروت عربية وقومية. وفي ذلك الوقت سعد الحريري كان الوجه الأكثر تمثيلاً لأهل بيروت لغاية توقيع التسوية الرئاسية التي عاتبته عليها”.

ويضيف: “كنت أنا أوّل من عرف بالتسوية الرئاسية نهار الأحد عند الساعة 12 ظهراً. ذهبت الى بيت الوسط كالعادة والتقيت الشيخ سعد وصارحني بموضوع التسوية. بغضب قلت له: ماذا تفعل؟ لا أنصحك مطلقاً. ألم تسمع ما قاله العماد عون عنك وعن والدك وعن السُنّة. فقال لي: “دخلك مين أصعب ميشال عون أم حزب الله؟ مش حزب الله قتل أبويّ”. قلت له: “أنت تتعامل مع ميشال عون الرجل الحقود المتقلّب”. فقال لي: “لا، كلّ شي مرتب”. فقلت له: “ماذا ستقول للعالم؟” قال لي: “ما يهمك العالم بقدر أقنعهم أنا بيهمني النواب”. فقلت له: “ليست سهلة”. فقال لي: “فوزي بتمنّى عليك لا صورة السيلفي أنا وإيّاك تنتشر ولا تخبر أحداً”.

التسوية الرئاسية التي رفضها زيدان لم تفسد علاقته بسعد الحريري، لكنّ الاعتراض توسّع إلى قانون الانتخابات: “قلت للشيح سعد: قانون الانتخابات ما بيسوى”. فقال لي: “لاء، منيح”. وهذا ما قاله له بعض المستشارين. إنّما الحقيقة أنّ قانون الانتخاب كان ضدنا، والشيخ سعد لأنّه شخص طيب القلب، وهناك بعض الأشخاص حوله خدعوه أو أغروه… للأسف بيروت اليوم تفتقد إلى قيادة مرجعية مع احترامنا للشيخ سعد الذي يتقدّم على غيره بالقيادة السياسية، لكن هذا لا يكفي”.

يصمت زيدان قليلاً ثم يتابع: “نحن السُنّة أصبحنا أيتاماً، مرّتين، الأولى عندما اغتيل المفتي الشهيد حسن خالد والثانية عندما اغتيل الرئيس رفيق”

حبّ فوزي زيدان لبيروت يوازي الغضب في داخله من أداء البيارتة مع الشأن العام: “مشكلة البيارتة أنّهم  يجلسون في بيوتهم ويقولون: “نحن معك عمال يلي بدّك ايّاه”. البيروتي سلبي، البيروتي فقط يجلس وينتظر الفرصة. أعطيكَ مثالاً على ذلك تجربة حصلت معي حين كنت عضواً لعدة لجان فاحصة لمجلس الخدمة المدنية. لم أكن أجد بيارتة يتقدّمون للاختبارات. كنتُ أجد من كافة المناطق إلا من بيروت. هم يريدون أن تأتي الوظيفة إليهم. مشكلة مؤسساتنا أنّ معظمها يعيش على ما يقدّمه شخص واحد، على المدير العام أو الرئيس. لكن مؤسّسات خيرية اجتماعية كهذه تحتاج إلى دعم واسع. سماحة المفتي دريان عند انتخابه قام بجولة خليجية لطلب الدعم المادي، فكان الجواب: عندك في لبنان وفي بيروت سُنّة أغنياء جداً جداً فالأجدر بك أن تطلب الدعم منهم”.

يصمت زيدان قليلاً ثم يتابع: “نحن السُنّة أصبحنا أيتاماً، مرّتين، الأولى عندما اغتيل المفتي الشهيد حسن خالد والثانية عندما اغتيل الرئيس رفيق”.

ويضيف: “كنت شاهداً على قصة جمعت الرجلين الكبيرين. واجه طلاب الليسيه الفرنسية الكبرى (الكائنة شرق بيروت) مشكلة مع تدهور الأوضاع الأمنية عام 1984 وابنتاي طالبتان في المدرسة، فشكّلت مع الأهالي لجنة لمتابعة أوضاعهم كي لا يضيع العام الدراسي عليهم مع توجّه فرنسي بعدم تسجيل 175 تلميذاً وتلميذة من كلّ الطوائف في ليسيه فردان وليسيه عبد القادر في غرب بيروت، بذريعة عدم وجود أماكن لهم، فيما نقلوا مدرسة الليسيه الفرنسية الكبرى إلى عمق المنطقة الشرقية للتلاميذ الساكنين هناك. ذهبت إلى الدكتور سليم الحص، وكان وزيراً للتربية، وقلت له ما يحصل معنا وقدتُ المعركة وطلبت منه أن يتحدّث مع السفير الفرنسي، وعدنا بعد أيّام وسألنا الرئيس الدكتور سليم ماذا حصل معك، فقال لي: “السفير لم يجاوبني”. لم تنحلّ معي القصة إلا عندما ذهبت عند الشيخ حسن خالد ورويت له القصة، وكنت أنا وقتها في المجلس الاستشاري معه في دار الفتوى. وبينما كنت أروي تفاصيل مشكلتي أمامه حمل عمامته ووضعها على رأسي وقال لي: “أنت مفتي الجمهورية يمكنك التحدث مع المستشار الفرنسي على أنّك المفتي وأنا أدعمك بكلّ ما تقوله”. وبعد مرور أسبوع واقتراب العام الدراسي من الانتهاء اتّصلت بالمفتي حسن، وقلت له ماذا حصل معي فرفع سماعة هاتفه وأجرى اتصالاً بالسفير الفرنسي. وقال له بنبرة صوت فيها الكثير من الغضب: “بكرا إذا ما بتنحلّ المشكلة أنا سأقود انقلاب المسلمين ضدّ الفرنسيين”. في اليوم الثاني جاء المستشار الفرنسي “كلافيه” إلى سماحة المفتي فأبلغه المفتي أني مستشاره، وكلّ ما أطلبه منه يعتبر صادراً عن سماحته. وسألني ماذا أريد، قلت له: يوجد 175 تلميذاً وأريد 3 صفوف، فقبِل الفرنسيون تسجيل التلاميذ في ليسه فردان وليسيه عبد القادر مقابل التوقيع على ورقة كفالة تقضي بتقديم ثلاثة صفوف جاهزة. وبعدها توجّهت عند الدكتور سليم ورويت له التطوّرات. على الفور أجرى اتصالاً بالشيخ رفيق الحريري وروى له الحكاية. في اليوم التالي اتصل الشيخ رفيق الحريري بالدكتور سليم الحص وقال له: “أنا سأرسل هذه الصفوف (prefabricated)” وما زالت موجودة في مدرسة الليسيه عبد القادر حتى اليوم. اكتشفنا أنّ ليسيه عبد القادر كانت معروضة للبيع في العام 1984 وسيتمّ تسليمها في العام 1985. عندها اتصل بي سليم الحص وقال: فوزي، الليسيه تمّ شراؤها، لماذا كلّ هذه المعركة؟”.

وبعدها اتصل سليم الحصّ بالشيخ رفيق وكنت موجوداً، وأخبره الحصّ عن حكاية بيع الليسيه. فطلب الشيخ رفيق من الدكتور الحصّ أن يعرف تفاصيل عملية الشراء، فاكتشفنا أنّ الذي اشتراها كان لبنانياً من بلدة بيت الشعار في المتن، وحصلنا على اسمه، لكن لم نكن نعرف مكانه. وبعد 3 أيام عند الساعة 6 صباحاً اتصل بي الدكتور الحصّ وقال: “مبروك الشيخ رفيق اشترى الليسيه. الشيخ رفيق حصل على معلومات عن هذا الشخص وكان يقيم في لندن. وكان قد اشتراه من الفرنسيين بـ80 مليون ليرة. لكنّ الحريري اشتراه بـ120 مليون ليرة وتمّت العملية في باريس. وقال الشيخ رفيق للفرنسيين: “أيّ مدرسة سوف تعرض للبيع في بيروت الغربية أنا مستعدّ لشرائها”. وبعدها اشترى مدرسة “كارمل سان جوزف” في فردان (مجمع ABC اليوم) بقيمة 160 مليون ليرة. وأبقى ليسيه عبد القادر وليسيه كارمل سان جوزف تحت إدارتيهما السابقتين. كان الشيخ رفيق صاحب الأيادي البيضاء والأهم أنّه صاحب قرار”.

هكذا يختم الدكتور فوزي زيدان حديثه. الطبيب البيروتي الطيّب، يريد لبيروت أن يكون فيها “صاحب قرار”.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…