صعبة كانت مهمّة الحصول على المعلومات الرسمية اللازمة عن السيدة لينا الزعيم وعن جمعية “أجيالنا”، بهدف كتابة هذا التقرير. فالجمعية لا ترغب بتسليط الضوء على أعمالها، ولا تهتم لكتابة موضوع صحافي عنها، على عكس زملائها في “العطاء” الذين يلاحقون الضوء حيثما كان وكيفما كانت الوسيلة، ولو كانت على حساب حرمان المحتاجين من العطاء لشراء بعض هذا الضوء.
قبل 25 سنة بدأت مسيرة العطاء بعدد قليل من المتطوّعات “بهدف خدمة المجتمع اللبناني بشكل عام بكافة فئاته”. وسعت الجمعية منذ تأسيسها في العام 1995 إلى خدمة المجتمع المحلّي اللبناني لتحسين المستوى المعيشي على مختلف الأصعدة الاجتماعية، والصحية، والخدماتية، والثقافية والتعليمية، بالإضافة إلى تأمين عمل للفئات المحتاجة.
إقرأ أيضاً: عبد الله العلايلي: صديق الجميع… “حتّى الملاحدة”
اليوم كبر الفريق وكبر العطاء، إذ يشرف على سياسة الجمعية مجلس الأمناء وتديرها الهيئة الإدارية بمساندة الهيئة العليا للتخطيط و109 متطوّعات من مختلف القطاعات كالطبابة، والصيدلة، والهندسة، والتعليم، والإدارة وغيرها، بمساعدة 28 موظفة. وعملت سيدات “أجيالنا” طوال السنوات الماضية على دعم نشاطات الجمعية لتضمّ 6 أقسام: القسم الصحي، وقسم التوعية الصحية، والقسم الاجتماعي، ومركز تمكين المرأة، وقسم البرامج التربوية والتوعية الصحية، وقسم النشاطات التمويلية، في مركزين لها في بيروت وطرابلس.
تؤمن “أجيالنا” بحقّ جميع الناس في الحصول على فرص متساوية في الصحة السليمة والضمان الاجتماعي والتعليم، وتستهدف الفئات المحرومة في المجتمع مثل الأرامل والأيتام والعائلات الفقيرة وكبار السنّ والنساء المهمّشات. فكان التركيز ولا يزال على تمكين المرأة والطفل والمسنّ. وتوزّعت نشاطات المتطوّعات على برامج الصحة المدرسية، وبرامج تعليم الأطفال المحتاجين، وتمكين المرأة، وبرامج التعليم المهنية للمرأة. وتستمرّ رغم التحدّيات الاقتصادية بتقديم المساعدات الصحية والاستشفائية لاسيما للأطفال المصابين بالسرطان، والمسنّين الذين يحتاجون لأدوية مزمنة، والمساعدات المادية عبر كفالات شهرية للأيتام، والأرامل والمسنّين.
ومع تسيير كلّ المهمات سابقة الذكر، جاءت الأزمة الاقتصادية الشرسة لترفع منسوب التحدّي. و”أجيالنا” كانت من أولى الجمعيات التي تفاعلت مع الأزمة المعيشية الأخيرة، والتي وصلت إلى ذروتها ما بعد كورونا. وبدأت الجمعية منذ تشرين الأول من العام الماضي برنامجها التضامني لمساندة أكثر من 132 عائلة إضافية في بيروت وطرابلس وصيدا ممن خسروا وظائفهم عبر مساعدات شهرية مادية وغذائية ، كما نفذت زيارات ميدانية للعائلات التي بات من الصعب عليها تأمين إيجارات منازلها، وتوكلت هي بالمهمة عنهم شهرياً، وقامت بترميم بعض المنازل. وهي تقدّم مساعدات غذائية شهرية لـ 220 عائلة. وفي زمن الكورونا استجابت “أجيالنا” أيضاً للأزمة الجديدة عبر تجهيز المباني بوسائل التعقيم والأجهزة اللازمة، حماية للعاملين والمتطوّعين، وقامت بتأمين أكثر من 16 ألف حصّة مونة لعائلات محتاجة في كافة المناطق اللبنانية خلال شهرَي أذار ونيسان.
ورغم التحدّيات، كان للشهر الفضيل حصته من نشاط “أجيالنا”، فإلى جانب الاستمرار بتوزيع الحصص الغذائية، بادرت إلى تنفيذ برنامج الإفطارات اليومية الذي يتضمّن 430 إفطاراً يومياً، تُحضّر وجباتها في مركز تمكين المرأة داخل مقرّ “أجيالنا”، ويتمّ إيصالها إلى المنازل المحتاجة.
من بيتها، من مهنتها، من مجتمعها الصغير… تعلّمت أن السعادة الحقيقية تكمن بمساعدة الآخرين، وبرسم ابتسامة الأمل على وجوه من يحتاجها
محطات عديدة مرت بها الجمعية، كان أبرزها: إنشاء البطاقة الصحية لتلامذة المدرسة الرسمية للمرة الأولى في تاريخ المدرسة الرسمية، إنشاء خط ساخن لمساعدة المرضى المحتاجين للحالات الطارئة من جميع المناطق، دخول كتاب غينيس من خلال تنظيم أطول إفطار للأيتام، وتعيين الدكتورة لينا رئيسة “أجيالنا” ومؤسستها، سفيرة لشبكة التنمية المستدامة للأمم المتحدة في لبنان عن برنامج Zero hunger الشهير.
ومن أكثر المحطات التي أثّرت بالدكتورة لينا الزعيم الدادا، تحويل الجمعية من عمل تطوّعي خيري محلي إلى مؤسسة عالمية تواكب مواصفات IZO العالمية من ناحية التنظيم المالي الإداري. وكذلك من خلال مركز تمكين المرأة (المطبخ Coeor de Miel) وحصوله على شهادة الطعام الصحي.
ولعلّ سطور نجاحات الجمعية تظهر جلية بالشهادات والأوسمة التي حصلت عليها مؤسستها، من وسام رئيس الجمهورية، إلى درع أمير الشارقة، إلى المركز الثقافي العربي وغيرها من محطات الشرف التي تجاوزت معها حدود الوطن “عبر العمل الدؤوب والمثابرة في قيادة أجيالنا بتوفيق من الله” كما تؤكد الدكتورة لينا لـ”أساس”، وهي تعتبر “أجيالنا” جزءاً من برنامج حياتها ولم تعطها يوماً وقتاً أقل من وقت اهتمامها بتربية أولادها: “طموحي أن تصبح أجيالنا جمعية تواكب الأجيال القادمة وتتحوّل نشاطاتها إلى الدعم الثقافي والتوعية على أمل ألّا يبقى محتاج في لبنان”.
إلى ذلك الوقت، سيبقى العطاء كما تراه الدكتورة لينا “إيماناً وقناعةً لا يعرفها إلا من يؤمن بها، وعلاقة صافية ما بين الإنسان وربه، وأجنحة يرتفع بها مانحو العطاء ليؤكدوا لنا أن الارتقاء الحقيقي بأنفسنا لا يكون إلا بالوفاء لإنسانيتنا، وأن السعادة الحقيقية لا يمكن أن ندركها إلا بمساعدة الآخرين وفي ابتسامة أملٍ وتحدٍّ تواجه الأزمات العابرة”.
من بيتها، من مهنتها، من مجتمعها الصغير… تعلّمت أن السعادة الحقيقية تكمن بمساعدة الآخرين، وبرسم ابتسامة الأمل على وجوه من يحتاجها. طبيبة الأسنان لينا الزعيم الددا، خبرت الإنسانية عبر مهنتها التي تمارسها منذ 30 سنة، ومن عائلتها التي لها تاريخ عريق في العمل الإنساني في الدول العربية، منها مساجد ومراكز خيرية واستشفائية في سوريا والسعودية. عملت كناشطة اجتماعية من بعد تخرّجها حاملةً لإجازة طب الأسنان من مصر، وكانت ناشطة في مجلس أمناء جمعية العناية بالطفل والأم. وتابعت مسيرة التطوّع من بعد حصولها على شهادة الدبلوم في طب الأسنان من الولايات المتحدة الأميركية. فلم تضيّع الوقت بل توجّهت مباشرة للعمل كناشطة اجتماعية، ولم تتوقّف حتى خلال دراستها التخصّصية في الولايات المتحدة الأميركية حيث نالت شهادة الدبلوم. إذ لمست عن قرب وجود نقص في تقديم خدمات معيّنة في العمل الاجتماعي التطوّعي، يكمن في تأمين الصحة المدرسية. ومن هنا كانت البداية عبر ولادة فكرة، تأسيس جمعية “أجيالنا” من 11 متطوعة، و9 سيدات في مجلس الأمناء.
بين لينا الزعيم الدادا و”جمعية أجيالنا” تكتب قصة نجاح، لم تختبر لينا الزعيم تجربة العمل الإنساني والاجتماعي حديثاً، بل وجدت نفسها تكبر وتنشأ وسط عائلة احترفت هذا العمل. ولبنان اليوم بحاجة إلى من هم مثلها، إلى قصص نجاح خيري من هذا النوع، وسط الانهيار الكبير الذي يعانيه اللبنانيون.