وصلت أصابع الاتهام “الصديقة” أخيراً إلى حارة حريك في ملفّ “الفيول المغشوش”. فوزير حزب الله محمد فنيش تولّى حقيبة الطاقة في العام 2005، وهو الذي وقّع عقد لبنان مع شركة “سوناطراك” المتّهمة بالهدر والفساد والسرقة والسمسرة، من أموال اللبنانيين.
فماذا يقول فنيش عن عقد الـ15 سنة، وماذا يكشف لـ”أساس” عن قضية الفيول المغشوش؟
يدافع فنيش عن العقد، مؤكّداً أنّ “مضمونه إيجابي، وحقق وِفراً على الدولة في ذلك الوقت قارب 40 مليون دولار في السنة، وحقّق نقلة نوعية في استجرار المشتقات النفطية في لبنان، بعدما كان هذا الملف مشوباً بالصفقات المشبوهة، وانقطاع متكرّر للكهرباء بسبب تأخر إدخال الفيول وإدخاله باخرة تلو باخرة إلى لبنان، مع وجود إشارات استفهام كبيرة حول التوقيع الاستثنائي للوزير على إدخالها”.
إقرأ أيضاً: الفيول المغشوش: التياّر الوطني الحرّ يقبض على نفسه ..
يومها فاوض وفد وزاري لبناني مع دولة الكويت، لتزويد مؤسسة كهرباء لبنان بالمشتقات النفطية “ديزل” عبر شركة نفط الكويت، ووُقّع العقد نفسه مع شركة “سوناطراك” التي تملكها الدولة الجزائرية، لاستيراد الفيول، على اعتبار أنّ الكويت لا تملك الفيول، وكان العقد يتضمّن كافة الضوابط حول الكمية والمواصفات والجدول الزمني، مع شركات مراقبة اختيرت ودُفعت كلفتها عبر الطرفين: “وخلال ولايتي في وزارة الطاقة لم يحصل أيّ خلل إلا مرّة واحدة في الكمية التي سُلّمت لنا، وبموجب العقود دفعت سوناطراك يومها الفارق، وكلّ ذلك موثّق في ملفات الوزارة”.
لم يكن ممكناً إلزام لبنان بشحنة غير مطابقة. وثلاثة مختبرات كانت تعاين الفيول، وكان يجب أن تكون تقارير اثنين منها إيجابية حول الشحنة قبل إدخالها إلى لبنان. وتمّت تسمية هذه العقود تحت خانة “من دولة لدولة” كونها وُقّعت بين شركات تملكها دول، وبين الدولة اللبنانية التي تشرف على هذه العقود بدلاً من شركة كهرباء لبنان غير القادرة على تمويل عقودها. وهي عقود غير سرية إلا بمعنى متطلّبات عقود البيع، وهي فعلياً معروفة بكافة تفاصيلها لدى وزارة المالية ووزارة الطاقة ومجلس الوزراء مجتمعاً، وحاكم مصرف لبنان ومديرية الجمارك. ويؤكد فنيش أنّه لو عاد به الزمن إلى الوراء مع ظروف انقطاع التيار الكهربائي التي كانت سائدة حينها، فإنّه سيوقّع على العقد نفسه “لكن ما يحصل اليوم هو قنابل دخانية لتغطّي على ارتكابٍ ما”.
فالمعامل الجديدة التي وقعت فيها المشكلة، وفق فنيش، لا بدّ أنها تحتاج لأنواع فيول مختلفة، والوزراء قاموا بالتعديلات اللازمة بناءً على استشارات اختصاصيي مؤسسة كهرباء لبنان: “لدينا 6 عقود و6 وزراء، وأنا واحد منهم، وكلّ وزير مدّد هذا العقد هو مسؤول عنه، علماً أنه كان لدينا الحق بالتفاوض السنوي قبل 90 يوماً من نهاية كلّ سنة وصولاً لإنهاء العقد”.
ويشير فنيش إلى أنّه خلال حكومة تمام سلام لم يتمّ الحديث عن إلغاء العقد، بل عن مناقصة أخرى: “يومها رفضنا ذلك منعاً للعودة إلى الحالة السابقة واستجرار مشتقات نفطية باخرة تلو باخرة، وكون هذه الشركات تملكها دول وليست شركات تجارية لا نعرف موثوقيتها. وتقدّمنا بطرح الذهاب إلى مناقصة جديدة حول الحاجات الإضافية، وإذا أثبتت نجاحها يصار إلى تغيير العقد”.
وعن مسار القضية، يؤكد فنيش في حديثه لـ”أساس” أنّه حتّى الآن “لا أملك المعطيات التي تسمح لي بأن أحدّد المسؤول عن الخطأ أو الجرم الحاصل. والملف اليوم في عهدة القضاء وهو الجهة المخوّلة بتحديد مكامن الخلل، وآليات المراقبة حسب شروط العقد صحيحة وسليمة ودقيقة وواضحة، ولا اختلاف عليها”.
لكن بالنسبة إلى الوزير السابق فإنّ “هذا الملف لا يُقارب بالسياسة، بل هو ملف تقني بحت. أحدهم ارتكب خطأً، أو ارتشى، أو زوّر، ربما يكون الناقل من المصدر، أو ربما تكون المشكلة في الرقابة”.
وتعليقاً على “الشوشرة” و”همروجة” المناظرات الحاصلة بالملف، يدعو فنيش إلى “تحديد المسؤوليات وحصرها حيثما ارتُكب الخطأ أو التقصير، بدل الذهاب إلى السياسة حيث تضيع الحقائق والمسؤوليات وكلّ واحد يحتمي بقطيعه ويستنفر عصبيته، ويكون وحده المرتكب مستفيداً من محافل هذه الشوشرة”. ويخلص إلى أن “لا أحد يمكنه إخفاء الحقائق مهما حاول الإعلام أو القوى السياسية ذلك، فالزبد يذهب جفاءً. أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
يختم فنيش بأنّ “كلّ القوى خاسرة إذا استمرّت بالتعاطي مع بعضها البعض بهذه الطريقة”، وكلّ من يدخل بهذه “المعمعة” يصاب برذاذ الفضيحة لأن ّالناس “تفقد الثقة بالقوى السياسية أكثر وأكثر”
يرفض فنيش تحميل حلفائه في “التيار الوطني الحر” مسؤولية ما يحصل، ويؤكد أنّ كلامه غير موجّه لوزراء التيار الذين تولّوا وزارة الطاقة خلال المرحلة الأخيرة: “فالقصة ليست قصة حلفاء. وعندما تدخل السياسة تضيع المسؤوليات. والموضوع متعلّق بعقد لا نعرف حتّى الآن ماذا طرأ عليه من تغييرات. وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك شركات متضرّرة تصدّينا لها قبل 15 سنة، وربما وجدت اليوم فرصة لإحداث خطأ ما”.
ويستغرب فنيش توجيه السهام على العقد بدلاً من تحديد المسؤوليات، ويؤكد أنّه ليس مرتاحاً للحديث في الإعلام للدفاع عن خطوة “كانت إنجازاً كبيراً على مستوى البلد في وقتها، لولا هذه الشوشرة. علماً أنّني أتحدّث بكلّ افتخار وشفافية عن مرحلتي التي أسّست لآليات تفاوض سنوي وآليات مراقبة وفق أعلى المعايير الدولية. ولعلّ التدقيق بها بدلاً من رمي الاتهامات سيساعد بكشف مكامن الخلل أكثر”.
ويختم فنيش بأنّ “كلّ القوى خاسرة إذا استمرّت بالتعاطي مع بعضها البعض بهذه الطريقة”، وكلّ من يدخل بهذه “المعمعة” يصاب برذاذ الفضيحة لأن ّالناس “تفقد الثقة بالقوى السياسية أكثر وأكثر”.
إذاً، العقود موجودة، وآلياتها واضحة، كلّ ما نحتاج إليه هو نقل المعركة من الإعلام والسياسة إلى التدقيق وتحديد المسؤوليات. حتّى لو كانت شركة “سوناطراك” هي المتورّطة بنقل الفيول المغشوش إلى لبنان، فهذا لا يعني إعفاء الجهات الرسمية اللبنانية من مسؤولياتها في المراقبة والتدقيق، لأنّه وعلى “قول” المثل الشعبي: “المال السائب يعلّم الناس الحرام”.