“القنبلة النّوويّة الشّيعيّة” تُسابق طاولة فيينا

2021-12-23

“القنبلة النّوويّة الشّيعيّة” تُسابق طاولة فيينا

“سؤال مُهمّ جدّاً، عليّ أن أُناقشه مع الرّئيس، ننتقل إلى السّؤال الثّاني”. هكذا أجابت الأسبوع الماضي المُتحدّثة باسم البيت الأبيض جاين بساكي، بعدما فكّرت لثوانٍ، على سؤال: “ما هي إنجازات إدارة الرّئيس بايدن في السّياسة الخارجيّة خلال السّنة المُنصرمة؟”.

مَن شاهدَ بساكي والحيرة التي اعترتها قبل تهرُّبِها من الإجابة، يُدرِك أنّ إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن في وضعٍ لا تُحسَد عليه بسبب سياستها الخارجيّة.

في ما يعنينا في منطقة الشّرق الأوسط، يُعتبر الملفّ النّوويّ الإيرانيّ أولويّة الإدارة الدّيموقراطيّة، والمُسلّم به من جواب بساكي أنّ إدارتها مُتخبّطة في هذا الشأن أيضاً، إذ تُريد اتفاقاً بأسرع وقتٍ لتتفرّغ لروسيا والصّين والاستحقاقات الدّاخليّة، وأبرزها الانتخابات النّصفيّة.

أمّا إسرائيل، المُفاوض السّابع على طاولة المُحادثات النّوويّة في فيينا إلى جانب مجموعة الـ4+1 وأميركا، فكانت تستقبل مُستشار الأمن القوميّ الأميركيّ جايك سوليفان الذي وصلَ إلى تل أبيب صباح الأربعاء.

مَن شاهدَ بساكي والحيرة التي اعترتها قبل تهرُّبِها من الإجابة، يُدرِك أنّ إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن في وضعٍ لا تُحسَد عليه بسبب سياستها الخارجيّة

مصادر البيت الأبيض

وعلمَ “أساس” من مصدرٍ في البيت الأبيض أنّ سوليفان، المبعوث من الرّئيس جو بايدن، ناقشَ 3 سيناريوهات مُحتملة للملفّ النّووي الإيراني في الفترة المُقبلة خلال لقاءاته مع الرّئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، ورئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الدّفاع بيني غانتس ووزير الخارجيّة يائير لابيد.

وفي التّفاصيل أنّ مُستشار الأمن القوميّ الأميركي شكّكَ أمام الإسرائيليين في إمكانيّة العودة إلى اتفاق 2015، إلّا أنّه اعتبره سيناريوهاً وارداً “على الرُّغم من عدم إمكانية حصوله في الظّروف الرّاهنة”.

السّيناريو الثّاني الذي كان يُردّد سوليفان أمام الإسرائيليين رغبة إدارته ورغبته الشّخصيّة في حصوله، هو أن تقبل إيران بمبدأ “خطوة مُقابل خطوة” على اعتبار أنّ هذا المبدأ يدفع إلى وقف الاندفاع الإيرانيّ النّوويّ.

أمّا السّيناريو الثّالث، الذي اعتبره سوليفان ” worst case scenario”، أي أسوأ سيناريو ممكن، فهو “أن لا تنجح مساعي الدّبلوماسيّة وتفشل المفاوضات”. وهنا أكّد المسؤول الأميركي للإسرائيليين أنّ إدارته ستعود “بقوّة إلى سياسة فرض العقوبات على إيران”. وقالَ أمام بينيت وغانتس أنّ واشنطن “وضعت على الطّاولة الحلّ العسكريّ، إلّا أنّها لن تلجأ إليه إلّا في حال وصلت الإدارة الأميركيّة إلى استنتاجٍ واضح أنّ إيران لا ترغب في تجميد نشاطاتها النّوويّة المُقلقة”.

وقالَ المصدر لـ”أساس” إنّ المسؤولين الإسرائيليين قدّروا زيارة سوليفان في فترة الأعياد، باعتبارها إشارة واضحة على اهتمام إدارة بايدن بـ”أمن إسرائيل”. وقال بينيت لضيفه الأميركيّ: “باتَ واضحاً أنّ موقف الإدارة الأميركيّة تجاه إيران أفضل بكثير مِمّا كُنّا نعتقد، نحن نشعر بالاطمئنان أكثر من أيّ وقتٍ مضى”.

لكنّ وزيريْ الدّفاع والخارجيّة غانتس ولابيد كرّرا أمام سوليفان “خطورة إبرام اتفاقٍ مؤقّت مع إيران” إذ اعتبراه “يوفّر شريان حياة للاقتصاد الإيراني، وعليه فإنّ الأموال ستتدفّق على الميليشيات الإيرانيّة في لبنان وسوريا والعراق وغزّة على وجه التّحديد”.

وقبيل مُغادرته تل أبيب، كان سوليفان واضحاً: ” نبحث مع شركائنا أطراً زمنيّة للدبلوماسيّة النووية مع إيران. الجهود الحالية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد قد تُستنفد خلال أسابيع”. والفترة التي قصدها سوليفان هي أواخر شهر كانون الثّاني 2022، بحسب ما ذكرَ مصدرٌ مُقرّب من المبعوث الأميركيّ إلى إيران روبرت مالي في حديث لـ”أساس”.

وقبل أن تحطّ طائرة سوليفان في مطار بن غوريون، كان مالي يقول إنّ المحادثات حول الملف النوويّ في فيينا ستتوقف إذا واصلت إيران التقدم في برنامجها. وأوضح أنّ استراتيجية طهران ستأتي بنتائج عكسية إذا واصلت التقدم النووي. وأكّد أنّه “في مرحلة ما قد نضطر للتفاوض حول صفقة جديدة ومختلفة تماماً”. وهذا ما كان أساس قد كشفه في أيلول الماضي.

 وحذّر المفاوض الأميركي من أنّ الهامش الزّمني المتاح لإنقاذ الاتفاق النووي بات يقتصر على “بضعة أسابيع” إذا ما واصلت إيران تطوير أنشطتها الذرية بالوتيرة الحالية، مشيرا إلى خطر اندلاع “أزمة” إذا فشلت الجهود الدبلوماسيّة.

لم يعُد خافياً أنّ “أميركا بايدن” تسعى إلى إتمام الصّفقة النّوويّة بأيّ ثمن، وبأقلّ خسائر مُمكنة. وفي أعماق الإدارة أنّ مخاوف إسرائيل يُمكن تبديدُها باتفاقيّاتٍ وضمَان تفوّقها العسكريّ في المنطقة وإطلاق يدها للقيام بعمليّات نوعيّة ذات طابع أمنيّ في إيران وسوريا والعراق ولبنان

الجولة الثامنة؟

بعد جولة سابعة من المُفاوضات القائمة في العاصمة النّمساويّة فيينا بين إيران والمجموعة الدّوليّة والولايات المُتّحدة، حزَمَ المُفاوضون حقائبهم وعادَ كُلٌّ منهم إلى بلده، على أمل استكمال المُباحثات بعد عطلة عيد الميلاد، في 27 الجاري موعداً مُحتملاً.

أمّا الوفدُ الإيراني، الذي طلب فجأة تجميد المُفاوضات لمزيد من التّشاور، فقد عادَ لقضاء العطلة الشّتويّة في طهران. وهي عُطلة يُريدُ منها الإيرانيون اللعب على عامِلِ الوقت. ومع الخروج من فيينا، قالَ رئيس الوفد الإيراني علي باقري كنّي: “على الطّرف الآخر تفهُّم وجهة النّظر الإيرانيّة”. بالطّبع لم يقصد باقري كنّي بعبارة “الطّرف الآخر” سوى أميركا. أمّا وجهة النّظر الإيرانيّة فصارت معلومة، وهي “العودة إلى الاتفاق مع رفع كامل العقوبات”.

من جهته، خرج الوفدُ الأوروبي “بتشاؤل”، أي بين التفاؤل والتشاؤم. هذا التّشاؤل عبّر عنه مُنسّق المُفاوضات النّوويّة لدى الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا: “تمّ اعتماد 80% من مسوّدة الاتفاق. أمّا التوافق فيحتاج إلى قرارٍ سياسيّ. والمُحادثات لها سقفٌ زمنيّ مُحدّد بأسابيع”.

في العاصمة الأميركيّة واشنطن، كان التّشاؤم سيّد الموقف في كلام مُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان الذي قال: “المُفاوضات مع إيران لا تسير على ما يُرام. واشنطن ليسَ أمامها مسارٌ للعودة إلى اتفاق 2015”.

بعدَ سوليفان، أطلّت وزارة الخارجيّة الأميركيّة لتُعلن أنّ الجولة السّابعة من مُحادثات فيينا “أحرزت بعض التّقدّم”، لكنّه غير كافٍ، ولُتعيدَ معزوفة “نبحث خيارات أخرى في حال فشلت الدّبلوماسيّة مع طهران”. وتعليقاً على البيان، قال مصدرٌ في وزارة الخارجيّة لـ”أساس” إنّ “الدّبلوماسيّة لا تزال هي الخيار المُفضّل لدى إدارة الرّئيس بايدن، لكنّها لن تستمرّ إلى الأبد، إذ إنّه واضحٌ أنّ الإيرانيين يُريدون اللعب على عامل الوقت”.

لم يعُد خافياً أنّ “أميركا بايدن” تسعى إلى إتمام الصّفقة النّوويّة بأيّ ثمن، وبأقلّ خسائر مُمكنة. وفي أعماق الإدارة أنّ مخاوف إسرائيل يُمكن تبديدُها باتفاقيّاتٍ وضمَان تفوّقها العسكريّ في المنطقة وإطلاق يدها للقيام بعمليّات نوعيّة ذات طابع أمنيّ في إيران وسوريا والعراق ولبنان إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

أمّا النّظام الإيرانيّ فيُريدُ أن تنجح المُفاوضات النّوويّة، لكن ليسَ من دون ثمن، بل بثمنٍ يُقرّره عليّ خامنئي، وهو ليْسَ على عجلةٍ من أمره. فبرنامجه النّوويّ يعمل بطاقاته القُصوى، وطريقه نحو امتلاك تكنولوجيا تصنيع القُنبلة النّوويّة سالكةٌ ومُعبّدةٌ حتّى السّاعة.

حذّر المفاوض الأميركي من أنّ الهامش الزّمني المتاح لإنقاذ الاتفاق النووي بات يقتصر على “بضعة أسابيع” إذا ما واصلت إيران تطوير أنشطتها الذرية بالوتيرة الحالية، مشيرا إلى خطر اندلاع “أزمة” إذا فشلت الجهود الدبلوماسيّة

فصل فيينا عن المنطقة

 

المُهمّ أنّ برنامج طهران النّوويّ يسير أسرع مِن مُحادثات فيينا. وإيران تقتربُ أكثر وأكثر من امتلاك ما يلزم لتصنيع أوّل “قنبلة نوويّة شيعيّة” تنضمّ إلى نظيرتها “اليهوديّة” في إسرائيل و”السنّيّة” في باكستان. وهذا ليسَ تفصيلاً وليسَ مُستحيلاً. إذ كشفَت صحيفة “واشنطن بوست”، نقلاً عن مصادر، أنّ هناك “شُبهات بأنّ إيران تمتلك 4 مواقع نوويّة لم تُعلن عنها سابقاً، يحتوي بعضها على موادّ انشطاريّة وجُزيئات من مادّة اليورانيوم”.

ونقَلَ الكاتب ديفيد أغناتيوس عن المصادر أنّ “3 من المواقع الـ4 المُكتشفة تتضمّن جُزيئات يورانيوم، لم تُعلن إيران أنّها مُنشآت نوويّة، وهي: تركوز آباد، وفارامين، وماريفا، في حين يحتوي الموقع الرّابع، الذي لم يُحدّد اسمه على موادّ انشطاريّة وأنشطة أُخرى”.

وأضاف أنّ “تلك المواقع تتطلّب من مجلس مُحافظي إدارة الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة التّحقيق في الأبعاد العسكريّة المُحتملة لتلك النّشاطات الإيرانية”.

إقرأ أيضاً: فيينّا – بغداد – دمشق: لبنان “تحت” الطّاولات.. لا فوقها (1)

يُدرِكُ ملالي طهران أنّ واشنطن على عجلة من أمرها، ولذلك يتوقّعون من الإدارة الأميركيّة أن تتنازَل لهم. ويسود اعتقادٌ في بلاد فارس، بحسب مصادر مُقرّبة من الإيرانيين، أنّ التّهديدات الإسرائيليّة والزّيارات المُتبادلة بين المسؤولين العسكريين والأمنيين الأميركيين والإسرائيليين، ليسَت سوى أوراق ضغطٍ تُحاولُ إدارة بايدن لعبها على طاولة فيينا. وبحسب المصادر، فإنّ واشنطن التي لم تتحرّك اتجاه إيران يومَ أعلن رئيس الوزراء السّابق بنيامين نتانياهو أنّ جهاز الموساد استولى على أرشيف البرنامج النّوويّ، وادّعى أنّ إيران على مسافة أسابيع من إنتاج القنبلة، فهي لن تتحرّك اليوم.

وبالطّبع فإنّ نتانياهو لم يكشف ما لا تعلمه واشنطن المُتخبّطة في سياستها الخارجيّة من شرق آسيا حيث التّنّين الصّيني إلى حدود أوروبا الشّرقيّة حيث الدّب الرّوسيّ، مروراً بالشّرق الأوسط حيث كسرى الفارسيّ وطموحاته النّوويّة – الإمبراطوريّة.

مواضيع ذات صلة

كواليس نيويورك: التسوية عالقة عند “ربط المسارَيْن”

لا شي بعد إعلان البيان الفرنسي الأميركي المشترك يوحي بأيّ تطوّر باتجاه وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. فبعد ساعات من الاجتماعات المكثّفة في أروقة…

“أساس” في أروقة المستشفيات: قطاع التّمريض يَئِنّ.. ويتطوّع

60% من ممرّضي وممرّضات لبنان تركوا المهنة في الأعوام الأخيرة، بسبب انعدام الأمن الوظيفي، وعدم تحسين الرواتب بعد انهيار الليرة اللبنانية. 60% من أصل 20…

الحزب يدفع ثمن تدخّلات سوريا.. وانقلابات لبنان

في غضون أيام معدودة، تلقّى الحزب ضربتين قاسيتين جداً: “إعصار البيجر”، والغارة التي أودت بحياة عدد من أبرز نخبه العسكرية. وعلى الرغم من إقراره بقساوة…

“طوفان” من النّازحين والضحايا… ماذا عن الحزب؟

سقطت كلّ المحاذير في حرب يريد منها العدوّ الإسرائيلي، ضمن “فرصة” قد لا تتكرّر، رأس الحزب وسلاحه الاستراتيجي وليس فقط إرجاعه بالقوّة عشرة كيلومترات شمال الليطاني ودفعه إلى…