اتصالات الساعات الأخيرة: ماذا جرى بين برّي وميقاتي؟

2021-12-20

اتصالات الساعات الأخيرة: ماذا جرى بين برّي وميقاتي؟

إشكاليّتان تحولان، برأي بعض المواكبين، دون إجراء “التسوية الكبرى” التي يُراد منها ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

أوّل تلك العصافير حصرُ الناخبين غير المقيمين في “قفص” الدائرة الـ16 التي يُفترض أن تضمّ ستّة نوّاب يمثّلون الاغتراب اللبناني، وفق ما يريد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يخشى انفلاش المغتربين على الدوائر الـ15، بما فيها دوائر الصراع المسيحي – المسيحي، بشكل يحدّ من قدرة تيّاره التنافسيّة، المتراجعة أصلاً، ويزيد من فرص خصومه، وتحديداً “القوات”، ولا سيّما أنّ الدراسات الحديثة تنذر بأنّ “نَفَس” المغتربين اعتراضيّ بامتياز.

ثاني تلك العصافير هو “التخلّص” من المحقّق العدلي طارق البيطار الذي يشكو المعترضون من أدائه الاستنسابي على أكثر من مستوى، ومنها مثلاً “تحييده” المؤسسة العكسرية عن مرمى تصويبه الاتّهامي، بدليل مرور أكثر من أسبوع على استعادته نشاطه القضائي من دون أن يعيد الاستماع إلى الضبّاط المعنيين، فيما كان يُنتظر أن يُقدّم قائد الجيش السابق جان قهوجي مستندات تثبت عدم مسؤوليّته، وقد مرّ حوالي ثلاثة أشهر على هذه الواقعة. فقد استمع إليه في 13 أيلول وحدّد جلسة ثانية في 28 أيلول، لكنّها لم تحصل بسبب تبلّغ البيطار بتقديم طلب لردّه عن متابعة النظر في الملفّ. وهو مطلب الثنائي الشيعي، وتحديداً “حزب الله” الذي تنتابه الشكوك في محاولات يقودها المحقّق العدلي لإقحامه في انفجار المرفأ.

تفيد معلومات قريبين من ميقاتي أنّ الرئيس برّي سرد أمام ميقاتي كل مراحل خارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها، بما فيها كيفية إجراء “النفضة” في السلك القضائي

ثالثها هو إزاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي صار بنظر الفريق العوني مرشّحاً جدّيّاً لرئاسة الجمهورية بدعم فرنسي واضح جعل منه “ورقة صعبة” وغير قابلة للعزل، أقلّه في الوقت الراهن. وهذا مطلب آخر للفريق العوني.

رابعها هو تحرير الحكومة من قبضة الصراع الحاصل حول التحقيقات مع السياسيين في قضية المرفأ. وهذا مطلب العونيين، قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غير المنزعج كثيراً من حيثيّته الحالية لأنّه يدير وزراءه من دون أن يضطرّ إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، فيما باسيل يريد لتلك الطاولة أن تستعيد نشاطها لتمرير سلّة تعيينات ضخمة. إذ إنّه يخشى من أن يقفل العهد على آخر أيّامه من دون أن يتمكّن من “زرع” أزلامه في الإدارة العامة والسلكين القضائي والدبلوماسي. وهو مطلب يفضّل رئيس مجلس النواب عدم تلبيته إطلاقاً.

أمّا بالنسبة إلى الإشكاليّتين اللتين تمنعان تلك التسوية، فهما:

1- الحصانة الفرنسية التي تحيط برئيس مجلس القضاء الأعلى ومعه المحقّق العدلي، والتي قد تجعل من خطوة إزاحتهما موضع غضب فرنسي قد يفتح الباب على مزيد من العقوبات.

2- حرب المزايدات المسيحية – المسيحية التي تجعل جبران باسيل أمام خطرين، أحلاهما مرّ. إذ إنّ التفاهم مع الثنائي الشيعي يجعله عرضة للتصويب المباشر من جانب “القوات”، وهو أمر يخشاه جدّاً ما دام الانخراط في الوحول الانتخابية قد يكون قريباً. ولذا يتمّ رمي الإعلام بوابل من “السلوغونات” حول رفض العونيين الإقدام على تسوية قد تطيح بالمحقّق العدلي، فيما قنواتهم “شغّالة” مع حلفائهم لمعالجة هذه القضية. وفي حال قرّر باسيل المضيّ في مشروع التمايز عن الثنائي الشيعي في ما خصّ ملفّ المرفأ، فقد يعرّضه ذلك لخسارة استراتيجية لحليف أساسيّ، وهو أمر قد يرتدّ عليه سلباً على المدى البعيد، خصوصاً أنّه يعرف أنّ قضية التحقيقات العدلية لم تعُد خلافاً بسيطاً في وجهات النظر فحسب يمكن له أن “يشطح” فيه لإقناع المسيحيين بخصوصيّته وبأنّ ثمّة مسافة فاصلة بينه وبين حليفه الشيعي.

أمّا في الوقائع فتقول المعلومات إنّه بمعزل عن التشاطر الإعلامي الذي يمارسه العونيون على المنابر، ثمّة قنوات اتصالات فُتِحت خلال الساعات الأخيرة للمضيّ في التسوية الكبيرة. وتؤكّد المعلومات أنّ هذه الاتصالات انطلقت من طرح سبق للعونيين أن قدّموه قبل فترة ويقضي بإجراء نفضة قضائية رباعية (رئيس مجلس القضاء الأعلى، المحقّق العدلي، رئيس التفتيش القضائي والمدّعي العامّ المالي)، مقابل أن يصوّت المجلس الدستوري لمصلحة إنشاء الدائرة الـ16 الاغترابية.

وتشير المعلومات إلى أنّ العونيين عادوا خلال الساعات الأخيرة وأبدوا استعدادهم للسير بتلك الصفقة التي يُفترض أن تكون أولى خطواتها قرار المجلس الدستوري الذي لا يزال حتى هذه الساعة عالقاً في عنق الخلاف بين مكوّناته (خمسة مقابل خمسة)، وهو ما يعني أنّ هناك حاجة إلى أن يقبل الثنائي الشيعي بتلك المقايضة لكي تنقلب الدفّة لمصلحة أكثريّة مؤيّدة للطعن.

تشير المعلومات إلى أنّ العونيين عادوا خلال الساعات الأخيرة وأبدوا استعدادهم للسير بتلك الصفقة التي يُفترض أن تكون أولى خطواتها قرار المجلس الدستوري الذي لا يزال حتى هذه الساعة عالقاً في عنق الخلاف

وتؤكّد المعلومات أنّ انعدام الثقة بين بعبدا وعين التينة هو الذي يمنع حتى اللحظة قيام تلك التسوية. ذلك لأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يخشى منح “بركته” للمجلس الدستوري فيصوّت العضوان الشيعيان لمصلحة استحداث الدائرة الـ16، فيعود باسيل عن “وعده”، ويرفض السير بقرار إقالة القضاة الأربعة، وهي الخطوة الثانية المرسومة في خارطة طريق التسوية، قبل أن يلتئم مجلس النواب ويؤلّف لجنة تحقيق برلمانية، وهي الخطوة الثالثة في التسوية… وهذا ما بيّنته ساعات بعد الظهر، التي شهدت تزخيماً من جانب القواتيّين الذين راحوا يصبّون الزيت على نار المزايدة.

إلى حين حصل اللقاء العاصف بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي خرج منه وقد بدا الغضب واضحاً على صوته وكلامه مع الصحافيين.

وتفيد معلومات قريبين من ميقاتي أنّ الرئيس برّي سرد أمام ميقاتي كل مراحل خارطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها، بما فيها كيفية إجراء “النفضة” في السلك القضائي (يتردّد أنّ تغيير المدعي العام المالي لم يرد في رواية برّي)، وصولاً إلى تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية في تفجير المرفأ. وقد أشهر رئيس المجلس موافقته أمام ميقاتي على بنود “المقايضة” التي تبدأ من قرار المجلس الدستوري. إلا أنّ المفاجىء كان في ردّة فعل ميقاتي الذي خرج مغتاظاً وموحياً كأنّه غير موافق على الطريقة التي أديرت بها التسوية، باعتبارها أتت على حساب السلطة القضائية. الأمر الذي دفعه إلى الخروج مستعجلاً، مع أنّه سبق أن قاد مبادرة توافقية تقضي بفصل مسارات التحقيق، لكنها لم تمسّ وفق المطلعين على موقفه، بالسلطة القضائية.

لكن في المقابل، ثمة رواية ثانية تفنّد أسباب خروج ميقاتي عن طوره، وهو المعروف بهدوئه وبشطارته في تدوير الزوايا والخلافات، بدليل قدرته على ضبط أعصابه في تلك الجلسة الشهيرة التي جمعته بالرئيس سعد الحريري في العام 2011، على أثر تكليف ميقاتي، فيما لم يتوانى الأوّل عن التصرّف بطريقة غاضبة.

وتفيد الرواية أنّ بري سارع إلى تسجيل ملاحظتين قاسيتين على مسمع ضيفه، أوّلها من خلال استعادة شريط جلسة مجلس الوزراء الأخيرة حين عمد رئيس الجمهورية إلى رفع الجلسة من دون اعتراض ميقاتي، فيما هي مهمة رئيس الحكومة الذي التزم بتعليمات رئيس الجمهورية.

إقرأ أيضاً: برّي عن تحقيق المرفأ: العونيون هم المشكلة

أما الملاحظة الثانية فتتصل بالمبادرة التي سبق لرئيس الحكومة أن قادها في ذكرى الاستقلال، حيث تقصّد بري تذكير ضيفه كيف تراجع رئيس الجمهورية عن موافقته على المبادرة بعد ساعات من اللقاء الثلاثي الذي جمعهم في السيارة وصولاً إلى قصر بعبدا… ويُحكى عن كلام “أكبر” سمعه ميقاتي من برّي. وهذا ما حمله على مغادرة عين التينة فيما نبرة صوته وطريقة خروجه تفيضان غضباً.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…