قد يمثّل الكلام المنقول عن مسؤول في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي قاله لموقع “أكسيوس” تعليقاً على الزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد للعاصمة الإيرانية، واللقاءات التي عقدها مع القيادات الإيرانية، جزءاً أساسياً في رسم المشهد الذي مهّد الطريق لهذه الزيارة وشكَّل الدوافع لهذه الخطوة التي تؤسّس لقراءة مختلفة للتطوّرات التي تشهدها وستشهدها منطقة الشرق الأوسط في ظلّ ازدحام الملفّات وتصاعد التوتّرات التي تهدّد بانفجار كبير في حال لم يصل الحراك الدبلوماسي الدولي إلى نتائج تنزع فتيل الانفجار.
قال المسؤول الإماراتي إنّ الأسباب الحقيقية التي شكّلت المحرّك لاعتماد خيار تخفيف التوتّر مع إيران وتركيا وقطر، وتعتبر أساس الجهود الإماراتية لإحداث تغيير في سياساتها الإقليمية، يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
ما من شكّ أنّ العلاقة بين الطرفين لن تذهب إلى حالة من المصالحة الكاملة والشاملة، وإنّما ستكون محكومة بالجوار والجغرافيا والمصالح
1 – الآثار السلبية الماليّة والدبلوماسية والأخلاقية الناتجة عن التدخّل في معارك اليمن وليبيا.
2 – تعرُّض الاقتصاد الإماراتي لضربة حادة نتيجة جائحة كورونا.
3 – الشكوك في الدور الأميركي في المنطقة، وإحساس الإمارات بالتخلّي عنها وعن الدول الأخرى. وقد تزايد هذا الشعور بعد امتناع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن القيام بأيّ تحرّك ضدّ إيران بعد الاعتداءات التي تعرّضت لها شركة أرامكو في السعودية والموانئ والسفن التجارية وناقلات النفط في المياه الإماراتية.
يمكن القول إنّ الخطوة الإماراتية باتجاه طهران، وإن كانت نتيجة تراكم مسار من الحوارات بدأت منذ عام 2018، واستمرار العلاقات التجارية بين البلدين على الرغم من العقوبات الأميركية، إذ شكّلت الإمارات الشريك التجاري الثاني لطهران بميزان تجاري دائم لمصلحة الإمارات، فإنّ الطرفين استطاعا فصل هذا المسار التقاربيّ عن المسار الإماراتي في بناء علاقات متقدّمة مع إسرائيل، انطلاقاً من قدرة قيادة أبو ظبي على بناء توازن في هذه العلاقة في إطار مصالحها القومية والاستراتيجية، وبعدما استطاعت طمأنة الجانب الإيراني إلى عدم تحويل هذه العلاقة إلى مصدر تهديد لأمنه الداخلي أو أن تكون قاعدة متقدّمة للنشاطات الإسرائيلية ضدّه.
ما من شكّ أنّ العلاقة بين الطرفين لن تذهب إلى حالة من المصالحة الكاملة والشاملة، وإنّما ستكون محكومة بالجوار والجغرافيا والمصالح. وهو مبدأ يمكن توسيع دائرته ليشمل جهود تحسين وتطوير العلاقات بين الإمارات والحكومتين القطرية والتركية، أي التقارب الحذر وتفكيك مصادر التهديد واستيعاب التحوّلات الدولية، خاصة مع عودة الحوار النووي بين إيران والخماسية الدولية وأميركا، الذي سيفتح الباب في حال نجاحه ووصوله إلى نتائج إيجابية تُرضي المشاركين في هذه المفاوضات والحوارات بالحدّ الأدنى، أمام الجهود الساعية إلى وضع أزمات المنطقة على طاولة البحث عن حلول جديّة، أو على الأقلّ التأسيس لمسارات حلول لهذه الأزمات تفرض على جميع الأطراف في الإقليم والعواصم المعنيّة ببعض الساحات فيه أن لا تكون خارج الحسابات وأن تسعى إلى حجز مكان لها حول طاولة التفاوض في المرحلة المقبلة، وهو ما يستدعي تفكيك العوائق التي قد تعيق هذه الجهود. هذا إذا توصلت المفاوضات إلى نتيجة إيجابية.
تعتقد طهران ومؤسسة السلطة فيها بأنّ زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي تكشف عن أفق إيجابي للعلاقات الثنائية مستقبلاً لتكون أكثر ثباتاً
تعتقد طهران ومؤسسة السلطة فيها بأنّ زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي تكشف عن أفق إيجابي للعلاقات الثنائية مستقبلاً لتكون أكثر ثباتاً، خاصة أنّ هذه الزيارة تزامنت مع زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لطهران. وتأتي هاتان الزيارتان بعد التطوّر الذي حدث في العلاقة بين دمشق وأبو ظبي نتيجة زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زياد للعاصمة السورية ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، وما تبعها من تواصل بينه وبين نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي رحّب بهذه الزيارة ونتائجها المتوقّعة، وهو ما يعني من وجهة نظر السلطة الإيرانية أنّ المرحلة المقبلة ستشهد نوعاً من التعاون الإيراني الإماراتي حول العديد من أزمات المنطقة وملفّاتها، خاصة أنّ التعاون الإيجابي بينهما سبق أن بدأ من الساحة اليمنية.
لذلك ترى دوائر القرار الإيراني أنّ الزيارة الإماراتية تأتي تتويجاً لمسار طويل من الحوارات التي كانت تجري تحت عناوين مختلفة، وقد أدّت إلى توصّلهما إلى قراءة مشتركة لأسباب الأزمات بينهما، وجاءت الزيارة لتنهي عقداً من العلاقات الرسمية الباردة بين البلدين. ومن المفترض أن تؤدّي في المرحلة الأولى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، وفي المرحلة الثانية التوافق على رؤية مشتركة حول بعض الملفّات الإقليمية، خاصة المسألة السورية، تساعد على تسهيل الحلّ السياسي وإعادة البناء وفتح الطريق أمام عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
الانفتاح على إيران، أو عودة الحرارة على خط العلاقات بين البلدين، يتزامنان مع الزيارة التي قام بها وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لتركيا، واللقاء مع رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان. وهي الزيارة التي تجد ترجمة لبعض جوانبها في زيارة شقيقه مستشار الأمن القومي لطهران، والتي تنسجم مع ما جاء في “جزرة” بيان قمّة الرياض التي جمعت دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر ومساعدي وزراء خارجية الترويكا الأوروبية والمندوب الأميركي للمسألة الإيرانية روبرت مالي الذي تحدّث عن مغريات اقتصادية واستثمارات عربية وخليجية في إيران بعد نجاح مفاوضات فيينا النووية، وتحديداً في مشروع الخط التجاري البرّيّ الذي يربط أبو ظبي وموانئ الإمارات بتركيا عبر الأراضي الإيرانية بما يعيد تعزيز دور وموقع إيران على خريطة خطوط المواصلات الدولية التجارية بين الشمال والجنوب، فضلاً عن الشرق والغرب. وهو مشروع تزامن مع الاختبار الذي جرى لخطّ المواصلات البرّيّ الذي يربط بين باكستان وتركيا عبر الأراضي الإيرانية.
إقرأ أيضاً: توائم النظام العربيّ الإقليميّ
تعني الخطوة الإماراتية باتجاه تركيا ثمّ إيران أنّ الإمارات انتقلت إلى استراتيجية التوازن الإيجابي مع الدول، التي كانت تعتبرها منافسة لها وشكّلت مساحة اشتباك سياسي ومصلحي معها في العقد الأخير، بما يخدم إعادة تنظيم موقفها السياسي والأمني. وهي استراتيجية قد لا تعني التراجع أو تقليص دورها في مناطق الأزمات، بل خطوة باتجاه الانتقال إلى تكريس هذا النفوذ والدور وتثبيتهما في إطار رؤيتها لمصالحها الاستراتيجيّة التي تطمح إليها لكي تكون جزءاً من مستقبل التجارة العالمية والاقتصاد الدولي.