تنعقدُ قمة المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية وستستمر محادثاتها حتى 14 تشرين الثاني الجاري، بحضور أكثر من 120 مسؤولًا من حول العالم. وبينما حضر الرئيس الأميركي جو بايدن افتتاح القمّة، تغّيب الرئيسان الصيني والروسي، ما طرحَ تساؤلات عن التنافس السياسي والمشكلات العالقة بين الدول والتي لن يتوقّف عندها المناخ، كون الطبيعة الجارفة والمتغيّرة لا تعرف حدودًا للدول.
في هذا السياق، تساءل الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان عن قضايا المناخ وتغيّره التي تؤثّر على العالم، وعمّا إذا كان من الممكن أن يحصل تعاون بين القوى العظمى، مشيرًا إلى مقال عرضَ التنافس بين القوى العظمى إضافةً إلى مسألة تغير المناخ، كتبه روب ليتواك وهو خبير متخصص بمجال الأسلحة في مركز “ويلسون”، إذ ذكّر فيه بسؤال طرحه الرئيس الأميركي رونالد ريغان على ميخائيل غورباتشوف الذي شغلَ منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفييتي السابق، خلال تواجدهما في جنيف بالعام 1985. وكشف الزعيم السوفييتي لاحقًا أنّ الرئيس الأميركي قال له آنذاك: “ماذا ستفعل إذا تعرّضت الولايات المتحدة فجأة لهجوم من قبل شخص من الفضاء الخارجي؟ هل تساعدنا؟”، فردّ بالقول: “طبعًا”، فقال ريغان: “نحن أيضًا”.
تنعقدُ قمة المناخ في مدينة غلاسكو الاسكتلندية وستستمر محادثاتها حتى 14 تشرين الثاني الجاري، بحضور أكثر من 120 مسؤولًا من حول العالم. وبينما حضر الرئيس الأميركي جو بايدن افتتاح القمّة، تغّيب الرئيسان الصيني والروسي
لكنّ وتيرة المنافسة تزداد بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، ما يطرح تساؤلات عمّا إذا كان من الممكن أن تتساعد هذه القوى في مواجهة غزو الفضائيين، بحسب فريدمان الذي أوضح أنّ ليتواك أعاد سرد القصة بين الرئيسين “لأننا نواجه تهديدًا عالميًا مشابهًا، ليس من الفضائيين في الفضاء بل من قوّة الطبيعة أو المناخ”.
ولفت إلى أنّ “الإحترار العالمي يشكّل تحديًا لجميع الدول، بسبب الطقس القاسي وزيادة حرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح المياه والعواصف الشديدة”، مضيفًا أنّه “لا توجد إمكانية للتفاوض مع الطبيعة، على عكس الكائنات الفضائيّة، فالطبيعة تتحرّك بحسب العناصر المحرّكة لها، وليس لديها فكرة أو مصلحة في الحدود والأمكنة بين الدول، بل تسيطر على العالم بأسره، وكانت تجربة تفشي كوفيد 19 خير مثال على ذلك”.
إذًا، لم يشارك الرئيس الصيني شي جين بينغ ولا نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة المناخ المنعقدة في غلاسكو. وهنا ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ بعض المسؤولين الصينيين لا يرغبون بحصول أي تعاون جوهري مع واشنطن بشأن قضايا المناخ، إلى أن تخفّف الولايات المتحدة ضغطها على الصين “بشأن حقوق الإنسان وهونغ كونغ وتايوان والتجارة وعدد من القضايا الأخرى”. ويعلّق فريدمان متسائلًا كيف أنّ بكين تقول إنّها مستعدّة لتنظيف هواءها لكن بشروط.
كذلك ينقل فريدمان عن مسؤول أميركي وجود تباين في الآراء داخل الصين بما يتعلّق بالإستراتيجية الخاصّة بالمناخ التي يدفع بها وزير الخارجية وانغ يي، فيما يرغب بعض المسؤولين في بكين بأن يتعاونوا مع واشنطن، وهم يُدركون أنّه “فيما يتعلق بالمناخ، نغرق أو نسبح معًا”. وأضاف أنّه من المقلق أن تتمثّل استراتيجية بأخذ كوكب الأرض رهينة.
يرى فريدمان أنّه لا يوجد وقت للصراعات بين الدول العظمى، وقد أثبتت تجربة “كوفيد 19” ذلك، وتتزايد مخاطر الطبيعة، بينما تستمرّ الصين والولايات المتحدة بالتنازع حول تايوان وغيرها من القضايا، أو بين الناتو وروسيا حول أوكرانيا
تضاؤل فرصة المواجهة
في مقاله في مركز “ويلسون”، يقول ليتواك: “تتضاءل فرصة البشر لتجنّب تغيّر المناخ الذي لا يمكن السيطرة عليه. وتعتبر الصين والولايات المتحدة وروسيا، أول وثاني ورابع أكبر مصدّر لانبعاثات الكربون. وعلى الرغم من أنّ المرحلة التاريخيّة دقيقة وتتطلّب التضامن والتعاون في العالم لتجنّب حدوث كارثة، تقف الدول على حافة المنافسة الجيوستراتيجية، كما أنّ العلاقات الأميركية الروسية الصينية هي الأسوأ منذ نهاية الحرب الباردة”.
ويرى فريدمان أنّه لا يوجد وقت للصراعات بين الدول العظمى، وقد أثبتت تجربة “كوفيد 19” ذلك، وتتزايد مخاطر الطبيعة، بينما تستمرّ الصين والولايات المتحدة بالتنازع حول تايوان وغيرها من القضايا، أو بين الناتو وروسيا حول أوكرانيا. ويضيف: “بدلاً من السباق إلى التسلّح أو إلى الفضاء، نحتاج سباقًا على الأرض، وتنافسًا بين القوى العظمى حول الوصول إلى عالم خالٍ من انبعاثات الكربون”.
يمكن أن يتوجّه بايدن إلى الرئيسين الروسي والصيني بالقول: “أدرك أنّ تغيّر المناخ باتت مشكلة عالمية، ولا طريقة لحلّها في حال قام جانبٌ واحد بتنظيف الهواء دون غيره، لكن لن نتذرّع بذلك أو نسمح لصناعات النفط والفحم أن تستخدم هذه الحجة. يوجد 7.9 مليار شخص على كوكب الأرض اليوم وبحلول العام 2030، سيُضاف 600 مليون آخرين، وهذا يعني حاجة متزايدة للطاقة النظيفة والمياه النظيفة، وإلا فإنّنا جميعًا سنختنق بالتلوث. إذًا، في حال أردتم مواصلة حرق الفحم وغير ذلك، سأعلن عن نية أميركا بالفوز في سباق الأرض وسنقوم باختراع ونشر أكثر تقنيات الطاقة النظيفة بشكل يمكن لأي شخص في العالم تحمّل تكاليفها”.
إقرأ أيضاً: فريدمان: هذا الشتاء سيموت الناس من البرد
واعتبر فريدمان أنّ تحدي أميركا للصين وروسيا حول من يمكنه إنتاج الأدوات اللازمة للصمود العالمي، وليس فقط مواجهة التغيّر المناخي، هو وسيلة تساعد الولايات المتحدة باستعادة القيادة على الساحة العالمية وتركيز الإقتصاد على أهم الصناعات في المستقبل، التي تعني شبكات خالية من الكربون، ومبانٍ نظيفة، وتصنيع بدون نفايات.