سلّطت صحف العالم الضوء على الانقلاب الذي وقع في السودان، واستيلاء الجيش السوداني على السلطة التي كانت في يد الحكومة الانتقالية، وحلّ هذه الأخيرة، وإلقاء القبض على عدد من الوزراء، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وزوجته.
أشارت صحيفة “لو موند” الفرنسيّة إلى أنّ الانقلاب حدث على خلفيّة صراعات جيوسياسية وإقليمية على السلطة، موضحةً أنّ “استيلاء الجيش على السلطة يكرِّس نفوذ مصر بين الجنرالات، ويكشف ابتعاداً عن الولايات المتحدة ومسارها بشأن الانتقال الديموقراطي”.
وقرأت الصحيفة الانقلاب في السودان على أنّه “انتصار للإرادة المصريّة”، سائلةً: “ألم يذهب قائد الجيش السوداني اللواء عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة لإبلاغ الرئيس عبد الفتاح السيسي عن خططه أو لتلقّي أوامره، قبل الإطاحة بالسلطة الانتقالية”، واعتبرت أنّ ما حصل أخيراً هو “مجازفة في مواجهة الولايات المتحدة التي تعتبر السودان جزءاً مهمّاً في استراتيجية إعادة السيطرة على منطقة القرن الإفريقي، التي ترتبط الآن بشكل وثيق بدول الخليج”.
إذاً ما يجري في السودان ومحوريّة هذا البلد، وفقاً للصحيفة الفرنسيّة، يشملان طموحات أميركية لمواجهة الصين، وأهدافاً روسيّة لتوسيع النفوذ، إضافةً إلى أهداف دول الخليج وتركيا والجهات الفاعلة الأخرى.
وتأتي هذه التطوّرات فيما تواجه إثيوبيا حرباً، وتسعى إلى الحصول على دعم خارجي، ولا سيّما من تركيا. أمّا الصومال فتتراجع قوّته، ولهذا كان يُنظر إلى السودان، منذ ما يقارب عامين، على أنّه مكان للاستقرار في طور التكوين، ومساحة جديدة لعرض مبادئ الديموقراطية، لدرجة أنّه اكتسب اهتماماً دوليّاً غير مسبوق. لكنّ ما حصل الآن هو بدء مرحلة جديدة، علماً أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية تتابع عن كثب منذ أشهر الاستعدادات للانقلاب، الذي تمّ إعداد مسوّدة له، لكنّها أُلغيت في حزيران الماضي.
أمّا “روسيا فسعيدة بإيجاد فرصة استثنائية تفسد الخطط الأميركية في السودان الذي أصبح مسرحاً لتدخّل خارجي واسع”، بحسب الصحيفة.
من جهته، رأى أحد المراقبين الإقليميين أنّ الانقلاب لا يزال في منتصف الطريق، ولا بدّ من انتظار النتيجة النهائية.
على خطٍّ موازٍ، نبّهت صحيفة “ذا كونفرزيشن” إلى أنّ المخاطر كبرى هذه المرّة، وهي لا تتعلّق بسلام السودان وأمنه فحسب، بل تنسحب التداعيات على المنطقة.
أمّا الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” إيشان ثارور فتطرّق في مقاله إلى التطوّرات في السودان وتونس، وعلاقة الدول العربيّة، موضحاً أنّ كبير المسؤولين العسكريين السودانيين البرهان يضع تحرّكه في إطار الدفع نحو الاستقرار والتقدّم.
لكنّ انقلاب البرهان حدث بعد ساعات قليلة من مغادرة المبعوث الأميركي لشؤون القرن الإفريقي جيفري فيلتمان العاصمة السودانية الخرطوم، حيث عقد اجتماعات مع كبار القادة المدنيين والعسكريين في البلاد، بحسب الكاتب الذي لفت إلى أنّ الإدارة الأميركية استنكرت سلسلة الأحداث، ودعت “الانقلابيّين في السودان إلى إعادة السلطة إلى الحكومة المدنيّة”، وأنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أكّد أنّ واشنطن ستستمرّ بـ”الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفيّ”.
من جهة أخرى، علّقت الولايات المتحدة 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للسودان، التي كانت قد وعدت بها كجزء من خطة أميركية للمساهمة في التحوّل الديموقراطي في البلاد. لكنّ البرهان، الذي يحظى بدعم ضمنيّ من عدد من الدول العربيّة، في وضع قويّ. وفي هذا الإطار، قال المحلّل السوداني في معهد “ريفت فالي” مجدي الجزولي: “إنّ البرهان قد يتمكّن من المضيّ قُدُماً مع دعم الحلفاء مثل مصر والسعوديّة والإمارات، وهو ليس منبوذاً مثل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير”.
وفي مقال آخر في الصحيفة، لفتت “واشنطن بوست” إلى أنّ الانقلاب في السودان يشكّل تحدّياً مباشراً للولايات المتحدة، ولا سيّما أنّ التطوّرات وقعت بعد زيارة فيلتمان الذي حذّر القادة العسكريين في الخرطوم من أنّهم يخاطرون بالمساعدة والشرعيّة الدبلوماسيّة التي استعادها السودان خلال التغيير الديموقراطي. وذكرت الصحيفة أنّ إدارة ترامب كانت قد شطبت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأزالت عقبة رئيسيّة أمام المساعدات والقروض الدوليّة.
من جانبها، كشفت شبكة “بلومبيرغ” أنّ البيت الأبيض يأمل أن تتمكّن الإمارات العربية المتحدة من المساعدة في التوصّل إلى اتفاق لإعادة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الذي انقلب عليه العسكر.
وفي التفاصيل أنّ البيت الأبيض يعمل مع الإمارات العربية المتحدة للتوسّط من أجل التوصّل إلى اتفاق. ونقلت الشبكة عن دبلوماسيّين أميركيّين وعرب أنّ منسّق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي، بريت ماكغورك، يعمل عن كثب مع مستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات طحنون بن زايد آل نهيان، للتفاوض مع قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من أجل عودة حمدوك إلى السلطة”.