على الرغم من حلبة الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، والتنافس في قضايا ومناطق متعدّدة، إلا أنّ “الجليد قد يذوب بين الجانبين”، وفقاً لِما قاله الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس (وهو وثيق الصلة بالمخابرات الأميركية CIA) الذي لفت إلى أنّ العلاقة بين موسكو وواشنطن بدأت تتحسّن، وتجلّى ذلك من خلال جهودهما المشتركة في ملفّ الأمن السيبراني في الأمم المتّحدة.
ونقل الكاتب عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، لم يُحدّد هويّته، أنّ “العلاقات بين البلدين لا تزال غير واضحة، وتعتريها خلافات وشكوك في مواضيع متنوّعة، لكنّ الإدارة الأميركية تعتبر أنّها أحرزت تقدّماً بطيئاً في بعض أجزاء الأجندة الأمنيّة التي حدّدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في قمّتهما التاريخية التي عُقدت في جنيف في حزيران الماضي”.
قبل عام واحد، سعت واشنطن إلى تنفيذ خطّتها الخاصّة بالأمن السيبراني من خلال تقرير صادر عن مجموعة خبراء تابعة للأمم المتحدة، فيما كانت روسيا تؤيّد توصيات منتدى منافس يُعرف باسم “مجموعة العمل المفتوحة العضويّة”. أمّا الآن فتمّ إبرام قرار روسي أميركي مشترك
وأوضح الكاتب أنّ الجانبين وضعا مبادرة مشتركة للأمن السيبراني، عبر قرار تمّ تقديمه إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، تغلب عليه الدبلوماسيّة، وينصّ على ضرورة التزام البلدين بدعم مسعيَيْن متعلّقين بالأمن السيبراني تقودهما الأمم المتحدة، الأول يحظى بدعم موسكو والآخر مدعوم من واشنطن، وذلك بعدما كانا متواجهَين قبل عام. ولفت إغناتيوس إلى أنّ هذا القرار المُشترك حاز موافقة 55 دولة، ومن المُحتمل أن يجري إقراره قبل نهاية العام الجاري.
للتوضيح، فإنّه قبل عام واحد، سعت واشنطن إلى تنفيذ خطّتها الخاصّة بالأمن السيبراني من خلال تقرير صادر عن مجموعة خبراء تابعة للأمم المتحدة، فيما كانت روسيا تؤيّد توصيات منتدى منافس يُعرف باسم “مجموعة العمل المفتوحة العضويّة”. أمّا الآن فتمّ إبرام قرار روسي أميركي مشترك.
في هذا الإطار، يوضح المسؤول الأميركي أنّ “الهدف هو وضع معايير وقواعد ومسار واضح للفضاء السيبراني من خلال الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى”.
وفي التفاصيل أنّ روسيا والولايات المتحدة اتّفقتا مبدئيّاً على بذل جهود للتوصّل إلى مجموعة “قواعد” أو “خريطة طريق” للحؤول دون حدوث هجمات إلكترونية وحماية الأمن الرقمي، لكنّهما لم تُحدّدا المعايير الموحّدة بعد.
على الرغم من حلبة الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، والتنافس في قضايا ومناطق متعدّدة، إلا أنّ “الجليد قد يذوب بين الجانبين”، وفقاً لِما قاله الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس
وقد أشاد أندريه كروتسكيخ، وهو أحد مستشاري بوتين لشؤون الأمن السيبراني، بالقرار المشترك، ووصفه بـ”اللحظة التاريخية”، فيما اعتبرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أنّ القرار يعدّ “خرقاً” على المستوى الدبلوماسي.
يوضح إغناتيوس أنّ روسيا لم تنفّذ حتى الآن إجراءات الحدّ من هجمات “برامج الفدية”، التي يشنّها مهاجمون يعملون من أراضيها. وقد ناقش الرئيسان الروسيّ والأميركي هذه المسألة عبر مكالمة هاتفية. فقبلت موسكو بتشكيل فريق يضمّ خبراء لتقويم التهديد، لكنّ المسؤول الأميركي، الذي تحدّث لإغناتيوس، أوضح أن لا إجراءات صارمة قد اُتُّخِذت ضدّ أولئك المهاجمين: “لقد أوضحنا أنّهم إذا لم يتحرّكوا، فسنتولّى نحن هذه المهمّة”.
هكذا تمضي مبادرة بايدن – بوتين قُدُماً في جنيف لإجراء محادثات جديدة تتّصل بالاستقرار الاستراتيجي، لكن بوتيرة بطيئة. وقد التقت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان نظيرها الروسي سيرغي ريابكوف في جنيف بتاريخ 30 أيلول لإجراء جولة ثانية من المناقشات للمتابعة، واتّفقا على إنشاء مجموعتيْ عمل، تتخصّص الأولى بأهداف محادثات الحدّ من التسلّح، والثانية بقدرات استراتيجية جديدة. وتأتي هذه التطوّرات فيما تساهم التكنولوجيا في تغيير مستقبل الحرب.
وقد حثّ وزير الخارجية أنطوني بلينكين نظيره سيرغي لافروف على الضغط على إيران من أجل العودة إلى المحادثات النووية، وهذا ما فعله لافروف فوراً. وعلى الرغم من أنّ موسكو تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في أفغانستان، إلا أنّها عملت أيضاً مع الولايات المتحدة بشأن بعض القضايا بعد انسحاب القوات الأميركية من ذلك البلد بعد عقدين.
إقرأ أيضاً: ديفيد أغناتيوس: إتفاق أمني أميركي – إماراتي يلوح بالأفق
أمّا القضية الأكثر خطورة، بحسب إغناتيوس، فهي الغموض الذي يحيط بـ”متلازمة هافانا”، وهي مرض غامض أصاب دبلوماسيين أميركيين وضبّاط استخبارات في الخارج، وصل عددهم إلى مئتَيْ شخص. وتحوم الشكوك حول روسيا في كونها المتسبّبة بهذه المتلازمة، التي توصف بأنّها تشبه “الطنين” و”الصرير الثاقب للأذن”. وعلى الرغم من نفي المسؤولين الروس لانخراطهم أو تسبّبهم بالهجمات باستخدام أنظمة طاقة موجّهة تؤدّي إلى الإصابة بهذه المتلازمة، لكن إذا اتّضح أنّ لروسيا أيّ دور في هذه القضية، فسيعود الجليد إلى التجمّد أكثر، وستنشب أزمة كبيرة بين البلدين.