الإمارات – مصر – السعوديّة حتميّة تنافُس الأشقّاء

مدة القراءة 9 د

سمة القرن العربيّ الآتي هي حالة “تنافس الأشقّاء” أو “صراع الحلفاء” على مراكز قوّة تثبِّت أركان حكمهم في الداخل، وتجعل منهم قوّة “سوبر إقليميّة”، وتحصِّنهم ضدّ تقلّبات مزاج ورهانات الكبار.

تنافُس الحلفاء أو الأشقّاء هو سياسة الضرورة التي بدأت تفرض نفسها على 3 لاعبين عرب هم: مصر، الإمارات والسعوديّة، و3 آخرين غير عرب هم: تركيا، إيران وإسرائيل.

تنافُس الحلفاء أو الأشقّاء هو سياسة الضرورة التي بدأت تفرض نفسها على 3 لاعبين عرب هم: مصر، الإمارات والسعوديّة، و3 آخرين غير عرب هم: تركيا، إيران وإسرائيل

ماذا يعني تنافس الأشقّاء؟ وما هي ضروراته؟

تنافس الأشقّاء هو قيام كلّ نظام داخل كلّ دولة بتعظيم وتفعيل الاستفادة من موارده الذاتيّة بهدف تقليل الاعتمادية على الغير، وتحقيق معدّلات تنمية وطنيّة تحقّق فوائض يتمكّن بها مجتمعه الوطنيّ من تحقيق معدّلات أفضل من الخدمات العامّة والرعاية الاجتماعية للوصول إلى درجات أفضل من الكفاية ثمّ الرفاهية.

أهمّ مجالات التنافس الإقليمي هي 6:

1- الاستفادة المثلى من الموارد والثروات الطبيعية: طاقة، غاز، كهرباء، مياه ومعادن.

2- جلب أكبر قدر من الاستثمارات المباشرة من الخارج.

3- جعل كلّ بلد نقطة جاذبة متميّزة في السياحة وتقديم الخدمات والمنتجات المميّزة.

4- التوسّع في توطين الصناعات الرئيسيّة وتقليل الاعتمادية على الاستيراد، وبدء فتح أسواق خارجية.

5- إنشاء بنية تحتيّة من طرق وجسور وخدمات لوجستية جاذبة للمواطنين والسيّاح على حدٍّ سواء.

6- توطين صناعات الدواء والسلاح والغذاء محليّاً بحيث لا تكون مصائر البلاد والعباد تحت رحمة أيّ قوى إقليمية أو دولية.

إنّ ملفّ الطاقة هو من أهمّ الملفّات بين الدول الثلاث، ومنه يمكن أن يصبح التعاون قوّة استراتيجيّة أو أن يشكّل التنافس السلبيّ خسائر للجميع

تفرض مجالات التنافسيّة هذه نفسها بقوّة على اقتصادات مصر، السعودية والإمارات.

لجوء قادة هذه الدول إلى تعظيم قدراتهم الذاتيّة هو “قرار ضرورة” فرضته حقيقة استراتيجيّة هي “الفهم الجديد والصحيح للقوّة” التي أصبحت تتعدّى الصوت العالي، والسياسات الصوتيّة، والرهان على الغير.

أصبح واضحاً لكلّ صاحب عقل وحكمة أنّ مفهوم القوّة الصحيح يقوم على مشروع متماسك لدولة وطنيّة تحظى برضاء غالبيّة مواطنيها، ولديها قدرة عسكريّة على الحفاظ على أمنها القومي من خلال اقتصاد صحّيّ قابل للصعود والنهوض.

بالطبع لا بدّ أن يصاحب ذلك فهم عميق وصحيح لقواعد النظام الدولي، وحرص شديد على عدم التورّط في استنزاف الموارد الوطنية في صراعات إقليمية عقيمة.

ومنذ سنوات معدودة بتنا أمام سباق وطنيّ بين كلّ من الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، ووليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، ووليّ عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، لبناء مشروعات إصلاحيّة شديدة الطموح، لتحقيق القصد النبيل من المفهوم العصري للقوّة الذاتيّة الخادمة للمصالح العليا لشعوبهم.

3 مشروعات وطنيّة إصلاحيّة

كلّ من الزعامات الثلاث لديهم حلم وطني لبلادهم وشعوبهم في تحقيق الكفاية الدفاعية لشعوبهم، واحتلال مكانة إقليميّة ودولية بشكل مميّز ومؤثّر.

في حالة مصر: المشروع لدى الرئيس السيسي هو أوّلاً مشروع إنقاذيّ بامتياز بدأ بالحفاظ على الدولة الوطنيّة من الانهيار، وسار بخطى غير مسبوقة في إنجاز إصلاحات جذريّة ضخمة لتحسين أحوال المواطنين المهمّشين أكثر من نصف قرن.

في حالة السعوديّة: يقوم مشروع الملك سلمان، الذي يريده بكفاءة وصرامة شديدة الأمير محمد بن سلمان، على التحديث الشامل بكل معنى الكلمة للمجتمع السعودي. وكان هذا التحديث يحتاج إلى 4 إجراءات واضحة:

1- تركيز مركز الحكم في أيدي الملك ووليّ عهده.

2- إنهاء سيطرة قوى التشدّد الديني على منظومة القيم ومفاصل المجتمع.

3- محاربة علاقة الفساد بمراكز السلطة على كلّ المستويات العليا والوسطى والدنيا في نظام الحكم.

4- تحقيق انفتاح اجتماعي غير مسبوق في المجتمع يبدأ من تمكين المرأة، والرهان على الشباب وعددهم أكثر من ثلثيْ التركيبة السكانيّة، وفتح حدود وأسواق وإجراءات البلاد أمام السيّاح والاستثمارات والثقافات ورؤوس الأموال.

تمّ هذا كلّه بمنهجيّة واضحة ومفصليّة ومحدّدة بسقف زمنيّ تُعرَف بـ”رؤية 2030″.

أحدث هذا كلّه تغييراً هائلاً في إيقاع التغيير وحركة الإصلاح المتسارع بشدّة داخل المجتمع السعودي، حتى إنّ البعض يتخوّف من سرعة التغيير، فيما يرى الأمير محمد أنّ “التباطؤ في الإصلاح جريمة”، وأنّ “سيف الوقت هو التحدّي الكبير”.

في حالة الإمارات: مشروع الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد هو تحديث الدولة بحيث تصبح نموذجاً رائداً للانفتاح والحريّة الاقتصادية والتطوّر العمراني والجذب السياحي بالمقاييس العالمية.

شعر أهل الإمارات والمقيمون فيها بأنّ هذا البلد هو “دولة رعاية حقيقية تضع الاعتبارات الإنسانية فوق كلّ اعتبار”، وذلك حينما وقف الشيخ محمد بن زايد قبل عامين يُطمئن المواطنين والمقيمين إلى توفير الرعاية الكاملة وكفالتها لهم جميعاً، المقيم قبل المواطن، في مواجهة جائحة “كورونا”.

وأصبحت عبارته الشهيرة “لا تشلون هم” (باللهجة الإماراتية) وعداً قطعه على نفسه، ووفى به الشهر الماضي.

فالمشروع الإماراتي عملاق بكلّ المقاييس.

إنّه مشروع طموح يريد من خلاله الشيخ محمد بن زايد أن يجعل من بلاده دولة “سوبر إقليمية” لها مكانتها وتأثيرها الفعليّ في المنطقة والعالم.

في هذا المجال، وصل الصندوق السياديّ الإماراتي إلى المركز الثاني عالمياً في ترتيب الصناديق السيادية العالمية، والثالث في صناديق الاستثمار (جهاز أبو ظبي للاستثمار) بعد صندوق التقاعد الحكومي النرويجي وشركة الصين للاستثمار، باستثمارات تبلغ 649 مليار دولار.

وتهدف الإمارات من خلال مشروع طموح تقوده “شركة إدنوك” إلى خلق بورصة طاقة خاصّة بها، والتحوّل الممنهج نحو طاقة الهيدروجين الخضراء، وتنويع مصادر الدخل غير النفطية.

وتعمل إمارة دبي على تطوير كلّ منشآتها الحالية الخاصّة بالجذب السياحي للتعامل مع الصعود القويّ لمشروعيْ “نيوم” و”البحر الأحمر” في السعودية اللذين سيقومان بتوطين السيّاح السعوديين في الخارج وسيجذبان الأجانب.

حتّى الآن هذا أمر عظيم يعطي طاقة إيجابية وحالة أمل لانهائية بمستقبل هذه الأمّة.

ولكن…

هناك إشكاليّة تفرضها الضرورة يمكن توصيفها على النحو التالي:

“إنّ في سعي كلّ من هذه الدول إلى تحقيق عناصر القوّة سباقاً تنافسيّاً يصل إلى حالة الصراع، بالضرورة، على المجالات والمناطق نفسها”.

“مثلاً: كلّ من مصر والسعوديّة والإمارات تقوم بأعظم استثمار جاذب للسياحة الوطنية داخل بلدها”.

– السعوديّة لديها استثمارات عظمى في مشروعات “نيوم” و”البحر الأحمر” تبدأ باستثمار أوّليّ يصل إلى نصف تريليون دولار.

– الإمارات تُعدّ نفسها لمرحلة ما بعد “إكسبو 2021″، وذلك بإنشاء مناطق جذب سياحيّ بحريّ من خلال مشروعات منتجعات سياحية، وجزر ومشروعات ترفيهية عملاقة، وتطوير باهر للبنية التحتيّة تبلغ تكاليفها قرابة 300 مليار دولار على مدى سنوات.

– مصر باشرت إقامة 12 محافظة جديدة، منها ما هو امتداد لمدينتيْ الأقصر وأسوان، وتطوير سواحل البحر الأحمر، ومدن العلمين الجديدة والجلالة، وتطوير ضفّتيْ نهر النيل السياحي في القاهرة، مع افتتاح أكبر متحف أثري (متحف الحضارة) في العالم، وتبقى العاصمة الإدارية الجديدة نقطة جذب مذهلة.

إذن في السياحة تنافس تفرضه الضرورة لدى القاهرة وأبو ظبي والرياض.

مثلاً في مجال تصدير الطاقة نشأ صراع على الحصص والإنتاج بين أبو ظبي والرياض. وأمّا الغاز فيوجد في شرق البحر المتوسط، ويُتوقَّع أن يكون في الإمارات، وبدأ البحث عنه في  الصحراء السعودية بعدما تمّت الموافقة عليه في العام الماضي.

وفي مجال التكرير والمصافي، لدى كلّ من مصر والإمارات والسعوديّة بنيات تقنيّة عالية تتنافس في مجالات مختلفة.

وفي مجال الطاقة الشمسيّة، تعدّت استثمارات البلدان الثلاثة في هذا المجال 30 مليار دولار.

وفي مجال طاقة الكهرباء، ستوقّع مصر اتّفاقاً مع الرياض لمدّ شبكة كهرباء عبر البحر الأحمر، بالإضافة إلى مدّ كابل بحري إلى قبرص واليونان بطول 1700 كيلومتر، ومدّ شبكة من مصر إلى الأردن فسوريا ثمّ لبنان.

إنّ ملفّ الطاقة هو من أهمّ الملفّات بين الدول الثلاث، ومنه يمكن أن يصبح التعاون قوّة استراتيجيّة أو أن يشكّل التنافس السلبيّ خسائر للجميع.

على سبيل المثال، وفي ما يتعلّق بالاستثمار المباشر في مجال الترفيه، نرى أنّ مصر هي قاعدة الفنّ منذ أكثر من مئة عام، ومصنع الطاقات الفنّيّة، ولديها قاعدة من الاستديوهات، أهمّها مدينة الإنتاج الإعلامي، فيما تسعى دبي منذ سنوات من خلال مدينة الإعلام ومدينة الاستديوهات إلى أن تكون مركزاً للمحطّات الإقليمية والدولية، وتسعى أبوظبي أيضاً من خلال شبكة 2454 إلى تنمية المواهب والمشاركة في الإنتاج العالمي للأفلام، وتدخل الآن الرياض لكي تصبح منطقة جذب لمحطات واستديوهات التلفزيون من خلال تشغيل مدينة إعلامية في الرياض يمكن أن تؤثّر على بقاء مشروعات ذات استثمار سعوديّ في دبي.

كلّ هذه الملفّات مطروحة في رحلة الرئيس المصري القريبة إلى السعوديّة والإمارات، وسوف تُناقَش بصراحة وإيجابية.

كلّ ذلك هو صورة واقع اليوم، لكن تعالوا نتخيّل صورة المستقبل؟

تخيّلوا في 2030 قوّة هذه الدول الثلاث:

1- قوة عسكرية من 900 ألف مقاتل محترف.

2- سلاح طيران (ناقلات، قاذفات، هليوكوبتر، نقل) يتعدّى 2000 طائرة.

3- سلاح بحريّ يسيطر على البحرين الأحمر والمتوسّط بأكثر من 800 قطعة بحرية (مدمّرات، غوّاصات، حاملات طائرات، فرقاطات، قوارب حراسة ومطاردة).

4- سلاح مدرّعات يصل إلى 15 ألف مركبة مدرّعة حديثة.

5- نظام صاروخي دفاعي، وآخر باليستي يغطّي ما بعد منطقة الشرق الأوسط.

تخيّلوا صناديق سياديّة تتعدّى تريليون ونصف تريليون دولار.

تخيّلوا تعداداً سكّانيّاً يصل إلى 180 مليوناً، أكثر من 65 في المئة منهم تحت 30 عاماً من المتعلّمين، الدارسين، المؤهّلين بعناصر التكنولوجيا والذكاء الصناعي المتقدّم.

هذا الحلم هو الطاقة الإيجابية التي يُحتاج إليها بشدّة الآن في عالم مرتبك مأزوم يعاني من أخطر الفيروسات، وهو فيروس الإحباط الوطني.

إقرأ أيضاً: دخلنا عصر “شبه التسوية”

مصر، السعوديّة والإمارات، مثلهم مثل 3 أشقّاء أحياء كتبت عليهم التحدّيات أن يتسابقوا رأساً برأس في سباق “ماراثون رياضي”.

هؤلاء مع محبّتهم بعضهم للبعض الآخر، مضطرّون إلى التنافس للفوز بالسباق.

كان تنافُس الأشقّاء ولا يزال وسيستمرّ، لكنّ المهمّ تنظيمه بينهم حتى لا ينقلب عليهم.

مواضيع ذات صلة

لماذا أعلنت إسرائيل الحرب على البابا فرنسيس؟

أطلقت إسرائيل حملة إعلامية على نطاق عالمي ضدّ البابا فرنسيس. تقوم الحملة على اتّهام البابا باللاساميّة وبالخروج عن المبادئ التي أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني في…

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…