بعنوان “هل يتمتع الديمقراطيون بشجاعة ليز تشيني؟”، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالًا للكاتب توماس فريدمان، وقصد بتشيني النائبة عن ولاية وايومنغ، وابنة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، التي خسرت منصبها كثالث أبرز الجمهوريين بمجلس النواب، بعد انتقاداتها المتكررة للرئيس السابق دونالد ترامب.
ولفت الكاتب إلى أنّ الفرصة كانت سانحة له منذ أشهر للقائه تشيني، حيث تباينت آراؤه معها حول الكثير من القضايا السياسية، إلا أنّه أعرب عن إعجابه بقناعتها الثابتة بأنّ “ترامب يمثل تهديدًا غير مسبوق للديمقراطية في الولايات المتحدة”. وقد اندهش الكاتب، على حدّ تعبيره، بأنّ تشيني تُمارس قناعاتها غير آبهة للمخاطرة بإعادة انتخابها مجددًا، كما أنّها متمسّكة بعدد من القضايا التي تقتنع بها بغض النظر عن تداعيات ذلك، بما فيه الضرر الجسدي الذي قد تتعرّض له.
ولم تكتفِ تشيني برفض الموافقة على أن الانتخابات “سُرقت” من الرئيس ترامب، وأنّها كانت واحدة من بين عشر نواب جمهوريين صوتوا لصالح “عزل” ترامب، إلا أنّها مستعدّة للمساعدة في قيادة التحقيق الذي يجريه مجلس النواب في التمرّد الذي حصل في أعقاب الإنتخابات الأخيرة، وما سُمّي بـ”غزوة الكونغرس” التي وقعت أحداثها في 6 كانون الثاني.
في ختام حديث فريدمان مع تشيني، هزّ رأسه وتوجّه إليها سائلًا “كيف يُمكن أن تكون هي وحيدة بما تقوم به”، فاكتفت بهزّ رأسها أيضًا.
ويستند الكاتب إلى الأخبار وما نُشر في وسائل الإعلام، ليُشير إلى أنّ ترامب كان يحاول الإستعانة بنائب الرئيس ووزارة العدل والنواب الجمهوريين الموالين له، للقيام بانقلاب يبقيه في البيت الأبيض، مستعينًا بحجة تزوير الانتخابات.
واللافت بحسب فريدمان، فإنّ معظم النواب الجمهوريين، باستثناء البعض كتشيني والنائب آدم كينزينجر، الذي يخاطر بكل ما لديه كي ينضمّ إلى التحقيق الجاري حول ملابسات السادس من كانون الثاني، وعدد ضئيل من الجمهوريين تحدوا ترامب بشأن المساءلة، قد تماشوا بلا خجل مع ما فعلته إرادة ترامب أو ابتعدوا بهدوء. وبرأي الكاتب فهؤلاء جميعهم “متواطئون في أكبر خطيئة سياسية يمكن أن تحصل وتتمثّل بالقضاء على عمليّة يؤمن بها الأميركيون وهي التداول السلمي والشرعي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة”. وقال الكاتب: “إنّ التجربة الديمقراطية والـ245 عامًا التي قضتها أميركا تواجه خطرًا حقيقيًا، ويتضح ذلك عند مراقبة الطريقة التي يعمل بها ترامب لإرساء آرائه والقوانين الجديدة التي يدفع بها وعمليات التدقيق المزيفة والإدعاء بالاحتيال وتنصيب مسؤولين في الإنتخابات لضمان الفوز في الإنتخابات التي ستجري عام 2024”. وينبّه فريدمان قائلًا: “قد تكون انتخاباتنا الرئاسية المقبلة آخر انتخابات لنا كمثال واضح للديمقراطية”.
وتابع أنّه أصغى إلى كلام تشيني خلال مخاطبتها زملائها الجمهوريين في برنامج “60 دقيقة” يوم الأحد، عندما اتهمتهم بتشجيع ترامب في نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة “في مواجهة الأحكام التي أصدرتها المحاكم وبمعارضة عمليات إعادة فرز الأصوات وغير ذلك”، مضيفةً: “نحن نساهم في تقويض نظامنا وهذه حقًا لحظة خطيرة”.
إذَا لقد وصلنا إلى الخطّ الأحمر، يقول فريدمان، ويتوجّه إلى الديمقراطيين في الكونغرس طرحًا سؤالًا وهو “هل أنتم مستعدون للمخاطرة بأقل بكثير مما فعلته تشيني لفعل والقيام بما يلزم لإنقاذ ديمقراطيتنا؟”. وقال: “عندما تُصبح جهة في نظامنا المؤلّف من حزبين غير جيدة، يقع على عاتق الطرف الآخر التصرف. وهنا أجد أنه على الديمقراطيين القيام بثلاثة أمور في وقتٍ واحد وهي الدفع بجدول أعمالهم، حماية نزاهة الإنتخابات الأميركية ومواجهة ما يقوم به الحزب الجمهوري عبر انتهاج سياسة غير مبدئية للحؤول دون سيطرتهم على السلطة مجددًا”.
وعلى الرغم من أنّ هذه المهمة شاقة وتمثّل عبئًا من نواح عدّة، على حدّ وصف فريدمان، إلا أنّه بالنظر إلى ما فعلته تشيني ومخاطرتها بكلّ شيء لإيقاف ترامب، فيجب أن يرتقي الديمقراطيون – المعتدلون والتقدميون معًا – ويشكّلوا الأغلبية اللازمة في مجلسي الشيوخ والنواب من أجل تمرير مشروع قانون البنية التحتية، والمزمع التصويت عليه يوم الخميس في مجلس النواب. أمّا بحال تشتت القوانين الرئيسية واتجهت رئاسة بايدن نحو الإنهيار، واستعاد الجمهوريون الموالون لترامب مجلسي النواب والشيوخ وبعدها تمكّن ترامب من العودة إلى سدّة الرئاسة، فتكون الفرصة قد ضاعت ويفوت الأوان على أميركا التي يعرفها المواطنون.
وأضاف فريدمان: “هنا أكرّر السؤال عمّا إذا كان بإمكان جوش غوتهايمر، النائب عن الحزب الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي وزعيمة التجمع التقدمي في الكونغرس النائبة براميلا جايابال التحلّي بالشجاعة والقيام بمهمّة صعبة؟ وهل يُخاطر السيناتوران الديمقراطيان جو مانشين وكيرستن سينيما بعدم إعادة انتخابهما كما فعلت ليز تشيني من خلال التوصل إلى تسوية لضمان حماية نزاهة الانتخابات وإقرار مشروع البنية التحتية واتخاذ إجراءات أفضل؟ أم أنهم يشبهان أولئك الذين ساعدوا ترامب أو أنّ هناك أشخاصًا متعلّقون برواتبهم البالغة 174 ألف دولار ومواقف السيارات المجانية في مطار ريغان، لدرجة أنهم لن يخاطروا بأي شيء؟”.
وسأل أيضًا إذا كانت إدارة بايدن مستعدة للتوصل إلى تسوية؟ لافتًا إلى أنّ الناس قد يكتفون بالإشارة إلى الإصلاحات على أنها رعاية صحية شاملة للمرضى وكبار السن وتقليص أسعار الأدوية وتذكير بأوباما كير والطاقة النظيفة والوظائف وسهولة الوصول إلى التعليم الجامعي.
يعتقد الكاتب أنّ التقدميين بحاجة إلى الشجاعة ليقبلوا بأقل مما يرغبون تحقيقه ويمكنهم التواضع والاعتراف بأنه يمكن أن تكون هناك بعض الآثار الجانبية لفاتورة الإنفاق الكبيرة، ويرى أنه بحال تقدّمت رئاسة بايدن إلى الأمام وتمّ النظر إليها على أنها نجاح للأميركيين العاديين، يمكن حينها للديمقراطيين الإحتفاظ بمجلسي الشيوخ والنواب وتحقيق المزيد لاحقًا.
ويرى فريدمان أنّ المعتدلين أيضًا يجب أن يتحلوا بالشجاعة لإعطاء التقدميين أكثر بكثير مما يفضله المعتدلون، لا سيما وأنّ التفاوت بالدخل والفرص في أميركا قد ساعد ترامب، وإذا بقيت هذه الفجوات فسيستمرّ التراجع.
وفي الختام، يشدد فريدمان على أنّ النواب الديمقراطيين لن يخاطروا بحياتهم المهنية من خلال مثل هذه التسوية، وشبهها بـ”لعبة أطفال” مقارنة بما وصفته تشيني أنّ ترامب يشكل تهديدًا للديمقراطية، لا سيما إذا عاد إلى المشهد الرئاسي. وخشي الكاتب ألا يسود المنطق السليم، مستشهدًا بما قاله له النائب الديمقراطي في ولاية مينيسوتا دين فيليبس بعد التجمع الحزبي للديمقراطيين في مجلس النواب يوم الثلاثاء عن أنّ “غياب البراغماتية بين الديمقراطيين هو أمر مقلق مثل غياب المبدأ بين الجمهوريين”.