حراك السويداء: هل يتّجه دروز سوريا لحكم ذاتيّ؟

مدة القراءة 7 د

منذ بداية شهر تموز الماضي، تشهد محافظة السويداء الواقعة جنوبي سوريا وذات الغالبية الدرزية تسارعاً في الأحداث الأمنيّة. وبالتزامن مع ذلك، شهدت المدينة ولادة حزب سياسي جديد عَقَد مؤتمره الأول في الثاني والعشرين من شهر آب الماضي، وقد ضمّ هيئات سياسية من أبناء المحافظة.

نظّم هذا المؤتمرَ، الذي عُقِد داخل الأراضي السورية وسط محافظة السويداء، ما يُسمّى “حزب اللواء السوري” الذي تمّ تأسيسه منذ بداية شهر نيسان الماضي. وقد طالب المشاركون في المؤتمر بتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة لضمان انتقال سلمي ودوري للسلطة، وإقامة دولة ديموقراطية تحت ظلّ الدستور.?

وفي السياق نفسه، ظهر كيان عسكري مسلّح وجديد في محافظة السويداء أُطلِق عليه “قوة مكافحة الإرهاب”، يقوده سامر الحكيم في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة السويداء، ويضمّ مسلّحين من المدينة. وقد أعلن الحكيم عزمه إنشاء معسكر تدريب في المحافظة.

وأكّد “حزب اللواء السوري”، في بيان له، أنّه حزب سياسي غير مسلّح، ويعتمد على العمل المدني في دعم قضيته وأهدافه. وخوفاً من تعرّض أفراده للقمع والاعتقال، نسّق الحزب مع “قوة مكافحة الإرهاب”.

دفعت ولادة الكيان العسكري المسلّح في محافظة السويداء ميليشيا قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري إلى الإعلان أنّها تنوي استهداف “حزب اللواء السوري”، المُنشَأ حديثاً في المدينة على أيدي معارضين، بالتزامن مع شائعات عن وجود نيّة لاقتتال داخلي بين أبناء السويداء.

وصدر بيان عن الرئاسة الروحية لطائفة الموحّدين الدروز في السويداء، على لسان شيخ العقل حكمت الهجري، يوضح موقف أبناء الطائفة من تطوّرات الأحداث في مدينة السويداء التي تشهد توتّراً أمنيّاً بين عصابات تتبع للنظام السوري وأبناء المحافظة.

وقال الهجري إنّه “من المخجل أن يكون أبناء السويداء قتلة لبعضهم. فأمامنا أعداء واضحون، وأخطاء كبيرة يجب علاجها”.

 

عصابات النظام: خطف وقتل

إضافة إلى التطوّرات الأخيرة المتمثّلة في ظهور تشكيلات عسكرية وسياسية في المحافظة، تشهد محافظة السويداء، منذ تموز الماضي، تسارعاً في الأحداث تزامن مع مواجهات مسلّحة بين مجموعات تمتهن الخطف وتجارة المخدِّرات في المنطقة وبين فصائل محلّية. وسقط في الاشتباكات قتلى وجرحى من سكان بعض القرى التابعة للمحافظة.

يشير المحامي أيمن شيب الدين، الذي ينحدر من السويداء، إلى أنّ هذه المجموعات، التي تنشط في المنطقة وترتكب الانتهاكات، هي عصابات أمنيّة، تعمل بالوكالة عن أجهزة أمن النظام السوري في أمور شتّى.

ويؤكّد عضو في “الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني”، وهي تيار مدني معارض في السويداء، أنّ الحلّ في السويداء هو “الحلّ السياسي للمسألة السورية وفق القرار 2254 المتوافَق عليه دولياً، وتشكيل هيئة حكم انتقالي في البلاد”.

ولاستيضاح حقيقة المشهد في المحافظة، يؤكّد رئيس كلّية الإعلام في جامعة دمشق سابقاً، الدكتور يحيى العريضي، ابن مدينة السويداء، في حديث مع أساس“، أنّ النظام السوري حاول منذ بداية الثورة السورية تصدير رواية أنّه حامي الأقليّات الدينية في سوريا، وخاصة في السويداء، إلا أنّ هدف النظام الحقيقي هو اللعب على الوتر الطائفي في المنطقة.

ويضيف العريضي: “بعد فشل النظام في تصدير هذه الرواية، عمل على تشكيل أدواته الأمنيّة المكوّنة من عصابات ولجان أمنيّة، ونشرها في المحافظة“.

ويتّهم أهالي السويداء جميع المجموعات التي تمتهن القتل والخطف بتبعيّتها للنظام السوري، والسعي إلى تصفية حسابات قديمة ومتجدّدة مع دروز السويداء الذين رفضوا الانخراط مع النظام السوري في قمع الثورة السورية، محافظين بذلك على حالة من “الحياد” طوال سنوات الثورة.

يؤكّد رئيس كلّية الإعلام في جامعة دمشق سابقاً، الدكتور يحيى العريضي لـ”أساس” أنّ النظام السوري حاول منذ بداية الثورة السورية تصدير رواية أنّه حامي الأقليّات الدينية في سوريا، وخاصة في السويداء، إلا أنّ هدف النظام الحقيقي هو اللعب على الوتر الطائفي في المنطقة

يصل عدد أفراد الطائفة الدرزية في سوريا إلى نحو 600 ألف نسمة يقطن معظمهم في محافظة السويداء، وهاجرت أعداد كبيرة منهم بعد اندلاع الثورة، كما حصل مع الكثير من أبناء الشعب السوري.

يعتبر العريضي أنّ هذه الميليشيات والمجموعات تتبع للنظام السوري، وكُلِّفت بتنفيذ مهمّات معيّنة، مثل تجارة المخدّرات وخطف وقتل المدنيين، واغتيال وجهاء من المحافظة، مثل الشيخ وحيد البلعوس. وقد ساعدتها في ذلك ميليشيا إيران في المنطقة.

في سياق حديثه، يلفت الدكتور العريضي إلى أنّه مع الغياب الفعلي لمفهوم الدولة في محافظة السويداء تنشط الكثير من المجموعات التي تمارس كل أشكال الانتهاكات، ومن بينها التشكيل الجديد أو ما يسمّى “قوة مكافحة الإرهاب” التي لا تُعرَف تبعيّتها وخلفيّاتها، ولا يُستبعد أن تكون تابعة لاستخبارات النظام السوري، على حدّ وصفه.

وينفي “حزب اللواء السوري”، الذي أُسِّس حديثاً في محافظة السويداء، علاقته المباشرة بـ”قوة مكافحة الإرهاب”. بل يكشف أحد مؤسّسي الحزب الجديد في تصريحات إعلامية عن وجود تنسيق مع هذه القوة الحديثة في المحافظة للحماية من الاعتقالات المحتملة لأعضاء الحزب.

فُسِّرت التطوّرات السياسية والعسكرية والأمنيّة في الأشهر الأخيرة على أنّها خطوة أولى في توجّه محافظة السويداء إلى حكم ذاتي في الجنوب السوري، بعيداً عن سلطة النظام السوري في العاصمة دمشق.

 

مَن يحكم السويداء؟

حُكِمت محافظة السويداء قبل اندلاع الثورة السورية عبر نفوذ الوجهاء، وذلك بتحالف واضح بين السلطات القائمة وبين الزعامات التقليدية. وبعد اندلاع الثورة، شارك أهالي محافظة السويداء في الحراك الثوري، وعمّت التظاهرات كلّ أرجاء المحافظة. وإلى جانب ذلك يرفض شبّانها الخدمة الإلزامية في قوات النظام السوري، منذ مطلع أحداث الثورة السورية عام 2011.

في منتصف عام 2013، شكّل أهالي المدينة ما وُصِف بحركة “رجال الكرامة”، وهم مجموعة من الفعّاليات في محافظة السويداء رفضوا القتال في صفوف النظام السوري.

وردّ النظام بالتحريض عليهم، وانتهى الأمر باغتيال أبرز قادة المجموعة الشيخ وحيد البلعوس في تفجير عام 2015، الذي يؤكّد المعارضون أنّ النظام مسؤول عنه. شكّلت حادثة الاغتيال نقطة تحوّل في المدينة، حيث لم يعد للأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام السوري هيمنة في المحافظة، أو تحكّم في مفاصل مؤسّسات الدولة.

وبيّنت مصادر مقرّبة من تجمّع “رجال الكرامة”، الذي كان يتزعّمه الشيخ البلعوس، في حديث مع ” أساس”، أنّه مع غياب أو تغيّب النظام السوري في محافظة السويداء، لجأ نظام الأسد إلى تشكيل أدوات أمنيّة مكوّنة من عصابات ولجان أمنيّة، وعمل على تكثيف عمل هذه العصابات التي كُلِّفت بمهمّات معيّنة من خطف وقتل وإدارة تجارة المخدّرات.

ولفتت المصادر إلى أنّه خلال الأشهر الأخيرة حرّك النظام هذه المجموعات، وعلى رأسها ما يُسمّى “ميليشيا الدفاع الوطني”، من أجل خلق صراعات داخلية تحول دون خروج المحافظة عن السيطرة بشكل كامل من قبضة النظام السوري، والسعي إلى الهيمنة على المحافظة الواقعة أقصى جنوب سوريا.

 

هل تتّجه السويداء للحكم الذاتيّ؟

لا يتوقّع الدكتور يحيى العريضي أن تتحوّل هذه التحرّكات السياسية أو العسكرية في المدينة إلى معطيات جديدة على أرض الواقع، مستبعداً الوصول إلى صيغة “حكم ذاتي”.

بل يؤكّد أنّ الغياب الفعلي والتغيّب المقصود لمفهوم الدولة في المحافظة يعطيان للمتابع ملامح حكم ذاتي، “إلا أنّ إقامة حكم ذاتي تحتاج إلى أدوات وجوانب قانونية وسياسية واقتصادية، ونظام متكامل، وهذا غير موجود”، بحسب تعبيره.

وبخصوص مستقبل المحافظة، يشدّد العريضي على أنّه مرتبط باحتمال سقوط النظام السوري: “كلّ ما تشهده المدينة من قتل وخطف وفلتان أمني يديره النظام السوري في عبر الأجهزة الأمنيّة أو المجموعات التي تتبع له في مسعى إلى خلق مزيد من الفوضى في المحافظة”.

لكنّ السويداء لا تزال تقول “لا”. ويبدو أنّها لن تتراجع.

 

صحافي سوري استقصائي حاصل على ثلاث جوائز من BBC و”مؤسسة سمير قصير” و”الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية-GIJN“.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…