بكركي تنتظر جبهة معارضة مسيحيّة للموافقة على إسقاط عون

مدة القراءة 5 د

بدأت بعض الأصوات ترتفع مطالبةً باستقالة رئيس الجمهورية ميشال عون استناداً إلى أنّ مشروعه مرتبط بمشروع حزب الله القائم على الانتقال من نظام الطائف إلى المثالثة. وتوجّهت هذه الأصوات إلى الصرح البطريركي مطالبةً إيّاه برفع الغطاء المسيحي عن الموقع الماروني الأول في البلد لإنقاذ ما تبقّى من مسيحيّين فيه على أن تكون بكركي في طليعة المطالبين باستقالة عون انطلاقاً من تمسّكها بالدستور والمناصفة. فهل يذهب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى المواجهة المسيحية المسيحية أم تختلف مقاربة الصرح عن مقاربة مَن يسعى إلى إسقاط عون في بعبدا؟

لا شكّ أنّ البطريركية المارونية، بما تمثّله من إرث تاريخي ديني وسياسي وثقافي واجتماعي، مقتنعة بأنّ لبنان مهدّد بكيانه عشيّة الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير. فالبطريرك الماروني لا ينفكّ يطالب بالمحافظة على الدستور انطلاقاً من قناعته بأنّ المسّ به يعني الذهاب إلى صيغة حكم لن تحكمها المناصفة بفعل المتغيّرات السياسية والاجتماعية في موازين القوى. ولهذه الغاية سارع البطريرك الراعي إلى قصر الصنوبر، منذ عام تحديداً، للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتأكيد له أنّ المشكلة في لبنان ليست بين المسيحيين والسُنّة، بل هناك مَن يحاول جعلها كذلك. وعليه، تتخوّف بكركي من استخدام الأزمة بين السُنّة والمسيحيّين، والانطلاق منها إلى نسف الدستور ومندرجاته. غير أنّ هذا الكلام مرّ عليه الزمن اليوم لأنّ لبنان سبق أن دخل في مشهد آخر. وهو المشهد الذي طالما حذّرت منه بكركي. ماذا عن كيفيّة معالجته اليوم بعدما ارتفعت متاريس النزاعات بين الموقع الماروني الأول والموقع السنّيّ الأول في البلاد؟ وكيف تردّ بكركي على اتّهامها بحماية رئيس الجمهورية الذي يقود مسار فريقه السياسي إلى إنهاء الطائف؟

مَن يريد جدّيّاً إسقاط عون عليه أن يشكّل جبهة معارضة مكوّنة من سنّة وشيعة ومسيحيّين بسبب حساسيّة هذه المطالبة، وكي لا يُقال إنّ المسلمين يريدون خلع الرئيس الماروني

كيف للبطريركية المارونية أن تضمن انتخاب رئيس آخر للجمهورية، وعدم الدخول في شغور رئاسي في حال سقط ميشال عون، ولا سيّما أنّ هناك مَن يسعى إلى عقد مؤتمر تأسيسي؟ سؤال تطرحه بكركي على كلّ مُطالِب لها بنزع الغطاء عن عون. إذ ينطلق تخوّفها هذا من وقائع تسردها بكركي عن محطّات رئاسية سابقة. مستشهدة بسوابق بدءاً من عهد الرئيس بشارة الخوري الذي لم تتدخل بكركي يوم أًسقط في الشارع بعد التجديد له. وحديثاً بدءاً من انتهاء عهد أمين الجميل عام 1988 حين تعذّر انتخاب رئيس آخر، مروراً بالتجديد “المخالف للدستور” للرئيس إلياس الهراوي، والتجديد للرئيس إميل لحود، والفراغ الرئاسي بعده، وصولاً إلى اتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس ميشال سليمان. عاش القصر الجمهوري أكثر من عامين من الفراغ بعد سليمان إلى أن اُنتُخِب الرئيس ميشال عون. مَن يضمن انتخاب رئيس للجمهورية إذا أُسقِط عون؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي تتخوّف منه بكركي.

من جهتهم، يُرجِع مقرّبون من الصرح البطريركي السؤال الموجّه إليه إلى الأحزاب السياسية. فمَن يريد جدّيّاً إسقاط عون عليه أن يشكّل جبهة معارضة مكوّنة من سنّة وشيعة ومسيحيّين بسبب حساسيّة هذه المطالبة، وكي لا يُقال إنّ المسلمين يريدون خلع الرئيس الماروني. فأين هي الأحزاب المسيحية المعارضة للعهد من هذا الطرح؟ وما هي الضمانات التي تُقدَّم لبكركي من أجل الدخول في هذه المواجهة؟ فبكركي “ليست حزباً سياسياً، بل هي صرح ديني، وما يجب عليها تقوم به حتى آخر نفس”. غير أنّ استكمال طروحاتها يعود إلى الأحزاب السياسية التي تملك كتلاً نيابية ووزارية. وما يظهر حتى اليوم أن لا متابعة لطروحات بكركي، وذلك تتحمّل مسؤوليّته الأحزاب المسيحية أوّلاً.

في مقابل جوّ بكركي هذا ردّاً على المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، يرفض الصرح البطريركي أيّ مسّ بالدستور حتى في ما يتعلّق بالتحقيقات في  تفجير مرفأ بيروت. إذ يعتبر أن لا حاجة إلى توقيع عريضة تيار المستقبل وتعديل الدستور ليطول رفع الحصانات رئيس الجمهورية ما دام عون سبق أن أبدى استعداده للخضوع للتحقيق. ليس هذا الموقف للدفاع عن رئيس الجمهورية، بل هو موقف مبدئي تتمسّك به بكركي حفاظاً على الدستور وعدم الدخول في ورشة تعديلات قد تطيح به.

إقرأ أيضاً: الدستور وبكركي: قبّة رئيس الجمهورية الحديدية

اليوم في الخامس من أيلول تُحيي القوات اللبنانية ذكرى شهدائها على أن يُلقي رئيسها سمير جعجع كلمة يقدِّر متابعوها أن تكون عالية السقف في أكثر من اتجاه، على أن يشن جعجع هجوماً عنيفاً على حزب الله وعلى رئيس الجمهورية وتحديداً باتجاه قصر بعبدا. فهل يلاقي جعجع الدعوات إلى إسقاط ميشال عون في بعبدا؟ تستبعد المصادر المتابعة لمعراب أن يذهب جعجع إلى هذا الحدّ في خطابه. إلا أنّه سيتناول حتماً المسار السياسي للقصر الجمهوري، وسيلاقي بيان المطارنة الموارنة الأخير بخطاب “عالي السقف وعنيف” قد يصل إلى تأكيد وجوب رفع الحصانات عن الجميع. غير أنّه من المرجح لن يصل إلى حدود المطالبة بإسقاط ميشال عون في الشارع لألف سبب وسبب تبدأ بتخوّف القوات من ارتدادات هذه المطالبة على الساحة المسيحية، ولا تنتهي عند حدود المنافسة الشرسة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، إن حصلت.

مواضيع ذات صلة

اختبار اليوم الأوّل: الرّئاسة تضغط!

لم يعد مضمون اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الـ13 و”ألغامه” مُهمّاً بقدر الحاضنة الميدانية – السياسية التي ستواكب تنفيذه منذ دخوله حيّز التطبيق فجر الأربعاء،…

هدنة الـ60 يوماً: الحرب انتهت… لم تنتهِ!

بعد عام ونحو شهرين من حرب إسناد غزة، و66 يوماً من بدء العدوّ الإسرائيلي عدوانه الجوّي على لبنان، واغتياله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله،…

ألغام سياسيّة أمام الجيش في الجنوب!

بعدما أصبح وقف إطلاق النار مسألة ساعات أو أيام، لا بدّ من التوقّف عند العنوان الأوّل الذي سيحضر بقوّة على أجندة “اليوم التالي” في لبنان:…

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…