مستقبل الحزب: ميليشيا طالبان.. أو دولة الكاظمي؟

مدة القراءة 5 د

زحمة الأحداث في الشرق الأوسط الكبير توفّر للبنان نماذج يختار منها لمستقبله. بالتحديد تضع على طاولة حزب الله، بوصفه الحزب الحاكم للمنظومة، خيارات سأختصرها باثنين:

1- نموذج سيطرة طالبان على كابول.

2- ونموذج قمّة بغداد بقيادة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

أيّهما أقرب إلى عقل حزب الله؟ نموذج الميليشيا الباحثة عن اعتراف بها كميليشيا؟ أم نموذج الدولة التي تتصرّف كدولة وفق منظومة مصالح خاصّة وعامّة؟

لا شيء أكثر إغراءً لميليشيا كحزب الله من رؤية ميليشيا أخرى، إسلامية، تُهين الأميركيين على النحو الذي تفعله طالبان في أفغانستان. عشرون سنة من عزل طالبان انتهت باعتراف الأميركيين بهم حكّاماً لبلدهم. فيما راح المسؤولون الأميركيون يكيلون المديح لهم ولقادتهم ولأدائهم السياسي والأمني والاجتماعي، ويتعاونون معهم في حماية مطار حامد كرزاي الدولي، بل ويبذلون الدم معاً في الهجوم الأخير الذي نفّذته داعش – خرسان. وذهب الرئيس الأميركي جو بايدن بعيداً في تبرئة طالبان من شبهة التواطؤ مع منفّذي الهجوم الانتحاري، الذي أدانته طالبان نفسها!

ثمّة سرديّة شعبية في أوساط جمهور وأنصار حزب الله تعكس هذا المناخ وتفيد أنّ الأميركيين الذين أقرّوا بحاكميّة طالبان على أفغانستان، على الرغم من غزوتيْ 11 أيلول، والحرب الطويلة جدّاً وأكلافها البشرية والمالية الفلكية، لا بدّ أن يقرّروا لاحقاً بحاكميّة حزب الله على لبنان. فهو كما طالبان في أفغانستان، ابن الأرض وسيّد البلاد، والميليشيا التي لم تنجح واشنطن في عزلها أو إقصائها أو القضاء عليها. فالأميركي البراغماتي في أفغانستان لا بدّ أن يكون براغماتيّاً في لبنان.. والأميركي المنسحب من الشرق الأوسط سيسلّم للأقوى!

هي سرديّة عامّة، أقرب إلى شعور عارم بالنشوة لا يأخذ بعين الاعتبار الكثير من الحسابات التي أقلّها أنّ أفغانستان بلاد مقفلة، محاطة بخصوم واشنطن لا بحلفائها، كإسرائيل التي تجاور لبنان.. لكنّه شعور غلّاب وفانتازيا انتصارية وتعبويّة تسهّل انزلاق حزب الله نحو الاعتقاد أنّ السير في ركب طالبان هو التطوّر المنطقي لموقعه وقوّته وحضوره وعلاقات الآخرين به، ولا سيّما واشنطن.

النموذج الثاني هو الكاظمي في العراق، الذي نجح بجهود، ليست بسيطة، في أن يستعيد مشهدية ريادية لبغداد، من خلال قمّة جمعت سيلاً من المتنافرين خليجياً وعربياً وإقليمياً. الكاظمي هو الوجه الأحدث لنظام الحكم في العراق ذي الأرجحية الشيعية. بيد أنّ شيعيّته لم تمنع العرب من الالتفاف حوله، ومدّ يد العون له، وإبداء كلّ استعداد لتحصين تجربته الطريّة، وتوسيع المساحات المشتركة معه سياسياً واقتصادياً وتنموياً…

هو ببساطة ليس مستهدفاً بصفته الشيعيّة كي يبحث عن أغطية مذهبية ممزّقة أو تحالف أقلّيات تتناقص شعبيّة أطرافه السياسية. يفكّر الرجل بلغة أرقام النموّ، ومعدّلات الإنتاج الكهربائي، وأحجام التبادل التجاري، والمسافات الفاصلة بين نقاط عبور يتخيّل ربط بعضها بالبعض الآخر.

نموذج الكاظمي ممكنٌ إذا فكّر حزب الله كما فكّر الكاظمي. البداية تكون بالإقلاع عن وهم الحماية التي يوفّرها ميشال عون و”عهد جهنّم”، وتحرير رئاسة الحكومة من أسر شهوات الانتخابات الرئاسية المقبلة. قمّة بيروت، نظير قمّة بغداد، تصبح ممكنة، وهي الغطاء الحقيقي لمجتمع يتنقّل من انهيار إلى انهيار.

المشكلة أنّ حزب الله لن يكون طالبان ولن يكون الكاظمي.

[VIDEO]

طالبان، في التحليل الأخير، بصرف النظر عن كونها مشروعاً متخلّفاً، هي مشروع إسلامي أفغاني قومي ذو قاعدة قبلية بشتونية، ولا تملك مشروعاً جهادياً عابراً للحدود. طالبان اُستعملها الجميع في مواجهة السوفيات، ثمّ خسرت نظامها بسبب “القاعدة” ومشروعها الجهادي. ثمّ استعادت حكمها بلا جميل أو منّة من الجهاديين.

هذا درس في صميم الوعي الطالباني الراهن.

والكاظمي مشروع وطني عراقي. هو الآخر لا طموحات لديه خارج حدوده، إلا الوصل المنطقي والطبيعي بين دول جوار، أيّ جوار. قمّة بغداد كانت في صميمها رسالة عراقية للعالم، أن “ساعدونا كي لا نكون منصّة عدوان على أحد أو مسرح حروب بديلة”. و”ساعدونا لنكون ملتقى حوار بين متنافرين، ومتعهِّد تنظيم خلافات وإنتاج توافقات، ولو بالحدود الدنيا”.

طالبان مشدودة إلى داخلٍ ستزيده تعفّناً. الكاظمي مشدود إلى داخل يحاول أن يستعيد فيه المكانة المرموقة للعراق والعراقيين، والتي لفت إليها بنبلٍ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في الحالتين الداخل هو الأولوية.

أمّا حزب الله فلا هو طالبان ولا هو الكاظمي…

إقرأ أيضاً: تفاهمات سليماني مع طالبان فتحت الطريق إلى كابول

الحزب يرى الداخل اللبناني مجرّد ذريعة أو ممرّ نحو خارج ما، الخارج السوري أو اليمني أو السعودي… إنّه مشروع خارجي بالكامل يقيم في داخل لبناني يتعفّن بلا رحمة. قوّة احتلال أجنبية، صدف أنّ مكان إقامتها وغرفة عمليّاتها في الجمهورية اللبنانية، لا أكثر ولا أقلّ.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…