الدكتور فضلو خوري (2/2): انتفاضة 17 تشرين لم تكتمل ولجامعتنا دور

مدة القراءة 11 د

يشدّد رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري على أنّ الجامعة لا تركّز على تخريج زعماء على صعيد حزبي أو سياسي، بل تهتمّ بتخريج قياديين لهم رؤية وتصوّر شامل وبعيد الأمد، يؤسّسون لقيم التسامح والأمل، ويقلّصون الهوّة بين الفقراء والأغنياء، ويؤثّرون على ما هو أبعد من جدران الجامعة: على المجتمع اللبناني والوطن العربي.

في ظلّ شعار طالما ردّده، وهو: “نكون أكبر، وأفضل، وأكثر عدالة، وأكثر تأثيراً”، لا ينفي دور الجامعة في ما يطلق عليه “انتفاضة وليس ثورة 17 تشرين”، كما يقول لـ”أساس”: “لم ترتقِ انتفاضة 17 تشرين إلى مصافّ الثورة. بقيت انتفاضة لم تكتمل. توقّفت، لسوء الحظ، لأنّ السياسيين كانوا أشدّ ذكاء من المنتفضين، إذ أتوا بحكومة تكنوقراط فتوقّف الناس عن التظاهر. هكذا أعطوا فرصة لهذه الحكومة التي حاولت قليلاً أن تنجز أمراً ما، لكنّها لم تكن شجاعة”.

خوري لـ”أساس”: لا يوجد أيّ نقص على مستوى المعدّات والأدوية في مستشفى الجامعة الأميركية. لدينا أدوية. ونحن الوحيدون الذين لديهم مختبر يستقبل جميع المرضى من خارج المستشفى

نقول له: هي حكومة الدكتور حسان دياب خرّيج الجامعة؟

يجيب: “لا، ليس خرّيجنا، كان أحد نوّابي الستة. لا أريد وضع كلّ اللوم على حسان دياب، لكنّ الحكومة لم تستطِع تحقيق المهمة التي كان يتطلّع إليها الشعب. وقد توقّفت الانتفاضة لمنحها فرصة. وبين فشل هذه الحكومة وبداية الوباء و4 آب تعرقلت الانتفاضة”.

قيل الكثير عن الارتباط العضوي بين انتفاضة 17 تشرين والجامعة الأميركية في بيروت. يردّ على هذا الكلام: “بالطبع كان لها دور، هنالك جامعتان لديهما مسؤولية في هذا البلد، هما الأميركية واليسوعية، ولهما ثقل. طلاب هاتين الجامعتين يهزّون البلد. لو انتشر كلّ الطلاب الباقين في الساحات من دون طلاب هاتين الجامعتين الأساسيّتين لا يمكن أن تكون ثورة”.

عن خطابه الشهير للطلاب المنتفضين يقول: “أنا تحدّثت 10 دقائق، اُقتُطِع ثلاث منها فحسب، ووُزِّعت عبر “السوشيل ميديا”. ما قلته: أنا معكم وهذا حقّكم أن تحلموا بمستقبل أفضل في هذا البلد. لم يحظ جيلي بذلك، فأُرغِمنا على الهجرة، لكنّني ضدّ العنف. وأنا أنصحكم، لأنّكم بحسب ما قال المؤرّخ العظيم كمال الصليبي: “أنتم بيت بمنازل كثيرة”. مِنكم مَن هو مع الثورة، ومِنكم مَن هو ضدّها. منكم العلمانيون ومنكم المتديّنون. منكم المؤمنون ومنكم الملحدون. إبقوا معاً. إذا هجم عليكم أحد احتضنوه، لكن اتركوا الكاميرات محميّة دوماً لأنّه لا يمكن لأحد أن يضربكم بقسوة بوجود كاميرات. هذا ما قلته، على مدى 10 دقائق، وتحدّثت إليهم عن أمل بمستقبل أفضل”.

اللبناني الأميركي

تمّت مراسم تنصيب الدكتور فضلو خوري رئيساً للجامعة في 25 كانون الثاني 2016، وواجه تحدّيات ضاعفتها جنسيّته المزدوجة: “كلّ إنسان يتولّى هذا المنصب يتمّ التعامل معه كأميركي حتى لو كان يتكلّم العربيّة وغير العربية، وبعض الناس لا يحبّون الجامعة الأميركية أو يهابونها أو يعتقدون أنّها تمثّل حضارة تهدّدهم. والأمر لا يقتصر على لبنان، بل يتعدّاه إلى بعض البلدان العربية. وهذه الجامعة هي الأهمّ ضمن الجامعات الأميركية خارج الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأقدم”.

أمام الدكتور فضلو خوري تحدٍّ إضافيّ، فهو لبناني الأصل، وليس أميركياً من أصل لبناني، ولديه الهويّتان. يعلّق: “أنا أميركي، وأحاسب كأميركي، لكنّ هنالك حساباً جديداً يكمن في أنني لبناني”.

يضيف: “المحاسبة والتقويم، اللذان يحصلان هنا، يمرّان عبر السؤال التقليدي الذي يُطرح دوماً لسوء الحظ: ما هي طائفتك، مع مين ضد مين؟ وهذا ما ينقّز الناس لأنّني بروتستانتي. وما يزيد الأمر سوءاً أنّني نشأت في هذا البلد وأعرف الكثير من السياسيين. فإذا اُلتُقطت لي صورة مع أحدهم يبدأ القيل والقال. لكنّني أقول إنّ الجميع يعرفونني، لكن لا يحاولون التوسّط معي طائفياً. وبالعموم، تعلّموا الدرس منذ السنة الأولى التي تولّيت فيها منصبي”.

لا تزال الجامعة تستقطب طلّاباً عرباً. في آخر إحصاء يعود إلى عام مضى، كانت النسبة 76 في المئة لبنانيين، و24 في المئة من الطلاب العرب والأجانب. اليوم انخفضت النسبة، لكنّها لم تنزل عن 20 في المئة، وهي النسبة العليا عربيّاً، باستثناء جامعة قطر

تستمرّ الجامعة الأميركية في بيروت صامدة وسط انهيار اقتصادي شامل، ولعلّها تمرّ بأصعب حقبة في تاريخ لبنان: انهيار للدولة والاقتصاد والعملة، وانفجار 4 آب 2020، ووباء كوفيد-19، و”انهيار الأمل لدى كثر”، بحسب الدكتور خوري.

قال يوماً: “باتت الجامعة تواجه صعوبة أكبر بكثير في توفير تعليم عالمي المستوى لأفضل الطلاب وألمعهم، وبغضِّ النظر عن قدرتهم على دفع الرسوم، يجب أن نعالج هذه المشكلة التي تقوّض صميم هويّتنا كجامعة غير ربحيّة تسعى إلى إحداث فارق في مجال التعليم العالي”.

انخفضت قيمة الأقساط في غضون عامين من 220 مليون دولار سنوياً إلى 30 مليوناً، أي بنسبة 84 في المئة، بحسب الأرقام التي قدّمها الدكتور خوري. أمّا عدد طلّابها فيبلغ اليوم 8400 بانخفاض بلغ 1000، وذلك “بسبب انفجار 4 آب وانهيار الوضع الاقتصادي والأمني والاجتماعي”.

وضعت الجامعة الأميركية إعلاناً في صحيفة “نيويورك تايمز” تطلب دعماً ماليّاً ومعنويّاً من خرّيجيها وأصدقائها حول العالم. اُتّخذ هذا القرار منذ أشهر على مستوى لجنة المستشارين العالميين للجامعة، ومنهم مَن نالوا جائزة نوبل، فـ”هؤلاء يحبّون الجامعة، ويقدّمون النصح لي ولمجلس أمناء الجامعة”. يقول خوري، ويتابع: “رحم الله فارتان غراغوريان. لقد كان رئيس مجلس إدارة مؤسسة كارنيغي الإنسانية. وهو أرمني جاء من إيران إلى لبنان، وأمضى أعواماً في فلك الجامعة الأميركية في بيروت. وقد وصفها بأنّها الأهمّ عالميّاً. وقال إنّه يجب وضع هذا الإعلان لكي نذكّر الناس في الولايات المتحدة الأميركية بأهمّية هذه الجامعة لها وللعالم أجمع. ولذا وُضِع هذا الإعلان. وقد نلنا تضامناً لا بأس به”. ويتابع: “نحن صامدون، ولدينا خطة ماليّة واقتصادية أقلّه لثلاثة أعوام”.

الانتقال إلى الخليج؟

شاعت أخبار منذ مدّة بأنّ الجامعة ستنتقل إلى أحد البلدان الخليجية، وكانت ردّة فعل عاصفة من الطاقم الأكاديمي والطلابي للجامعة، فما حقيقة هذا الأمر؟

يجيب الدكتور فضلو خوري: “لم يجرِ أيّ حديث بيني وبين مجلس الأمناء، ولا في مجلس الأمناء، ولا بيني وبين إدارة الجامعة، بأن نترك لبنان. لن نترك لبنان. كلّ ما نفكر فيه هو إنشاء ما يُعرف بـ”توأم الحرم الجامعي” أو “حرم مزدوج” خارج لبنان، يعمل بالتنسيق مع الجامعة الأميركية في بيروت، سواء في الطب أو في التعليم العالي. لا أعرف حتى اليوم مَن أشاع تلك الأخبار، ولا مصدرها. كلّ ما أستطيع تأكيده أنّنا لسنا مصدرها لأنّنا لم نفكر في ذلك يوماً”.

لا تزال الجامعة تستقطب طلّاباً عرباً. في آخر إحصاء يعود إلى عام مضى، كانت النسبة 76 في المئة لبنانيين، و24 في المئة من الطلاب العرب والأجانب. اليوم انخفضت النسبة، لكنّها لم تنزل عن 20 في المئة، وهي النسبة العليا عربيّاً، باستثناء جامعة قطر.

يحرص الدكتور خوري عند كلّ حفل تخرُّج على بثّ روح الأمل والإيجابيّة في الطلاب: “قلت لدورة المتخرّجين في التمريض والطب أخيراً إنّ التاريخ يعلّمنا عبراً عدّة، وثمّة شخصيّات تغيِّر التاريخ، والناس تحبّ الأخبار السيِّئة، لكن يجب أن تتذكّروا “أوتو فان بسمارك”، مؤسّس دولة ألمانيا في القرن التاسع عشر، وأوّل مستشار لألمانيا. بسمارك لم يوحِّد ألمانيا وحده، فدائماً ما يوجد أشخاص يكونون على هامش الصورة. وهؤلاء يغيِّرون العالم نحو الأفضل. وأنا رسالتي لكم أن تكونوا أنتم الأخبار الفضلى وأمل الغد”.

الجامعة لا تركّز على تخريج زعماء على صعيد حزبي أو سياسي، بل تهتمّ بتخريج قياديين لهم رؤية وتصوّر شامل وبعيد الأمد، يؤسّسون لقيم التسامح والأمل، ويقلّصون الهوّة بين الفقراء والأغنياء

في العام الفائت، اتّخذت إدارة الجامعة الأميركية قراراً بتسريح 600 موظف وعدم تجديد الاتفاقات مع 244 موظفاً آخرين، وبلغ العدد الإجمالي لهذا “القرار الصعب” 850 موظفاً. أمّا الذين غادروا المستشفى بقرار شخصيّ منهم فكانت الأسباب تراوح بين إفلاس البلد وانفجار 4 آب وانعدام الحل السياسي والاقتصادي والماليّ وطول أمد الأزمة.

يؤكّد الدكتور خوري لـ”أساس” أنّه “لا يوجد أيّ نقص على مستوى المعدّات والأدوية في مستشفى الجامعة الأميركية. لدينا أدوية. ونحن الوحيدون الذين لديهم مختبر يستقبل جميع المرضى من خارج المستشفى. لكنّ ما حصل أنّه في زمن الوباء حوّلنا الكثير من طاقتنا التي انخفضت بشكل ملموس، إذ ترك المستشفى قرابة 90 طبيباً، معظمهم مؤقتاً لفترة عام، إلى الخليج أو الولايات المتحدة الأميركية بسبب الانهيار المالي أو النفسي. وسط هذه الظروف كنّا مرغمين على مواجهة الوباء، واضطُررنا إلى أن نزيد الأسرّة، ونأتي بالاختصاصيين، ونكرِّس قسماً للوباء، فأُفرِغ نصف طابق هو العاشر. واليوم تنخفض معدّلات الإصابة، فنعيد فتح كل الأقسام، ونحاول توظيف ممرّضات تخرّجن حديثاً”.

بمبادرة شخصيّة من الدكتور فضلو خوري، قرّر مجلس أمناء الجامعة الأميركية توفير بين 20 و25 في المئة من رواتب كلّ الموظّفين والأساتذة بـ”الفريش دولار” لمدّة 3 أعوام. يقول: “مع انهيار الليرة اللبنانية إلى 6000، خسرت جزءاً كبيراً من قيمتها، واليوم خسرت 90 في المئة، ومع انخفاض الناتج القومي المحلّي منذ السنة الماضية من 50 مليار دولار أميركي إلى 19 مليار دولار، بات الفريش دولار ضرورياً، إذ يجعل بعض الناس يوفّرون متطلّبات مهمّة لعائلاتهم”. ويشير إلى أنّ الـ850 موظفاً، الذين غادروا المستشفى، زوّدتهم الجامعة بشبكة أمان، فـ”أعطيناهم ليس فقط ما طلبته وزارة العمل، أي رواتب عام واحد، بل أعطينا رواتب عامين لبعض الناس، وعملنا لهم شبكة أمان بحيث تتمّ معالجتهم، ونساعد الكثير من أولادهم في المدارس”.

يضيف: “أخذنا في الاعتبار أنّ 40 إلى 45 في المئة من الناس في لبنان اليوم لديهم وظيفة لا توفّر لهم الطعام والغذاء فحسب، بل والطبابة والتقاعد والقليل من الأمل. ونحن نعلم أنّ موظفينا يكونون في بعض الأحيان المعيلين الوحيدين في عائلاتهم الكبرى، لذا ستساعد 250 دولاراً أو أكثر شهرياً، عائلة كبيرة برمّتها” وأودّ الإشارة إلى أنّنا عملنا بجهد كبير مع نقابة عمّال ومستخدمي الجامعة الأميركية في بيروت”.

بالنسبة إلى الاعتراضات الطلابية على دفع الأقساط بالدولار، يقول: “نحن زدنا المنح والمساعدات حتّى 90 مليون دولار أميركي. أنا لا أحبّ نسبة الـ99 في المئة لأنّها تشبه نسبة الانتخابات في العالم العربي، لكن في الحقيقة 99 في المئة من الطلاب دفعوا القسط الذي يترتّب عليهم بلا نقاش. لذا يجدر السؤال: لِمَ نظّمت نسبة الـ1 في المئة أو أكثر بقليل تظاهرات، واستقدمت طلاباً من جامعات أخرى للتظاهر معهم؟ أنا أقول لأنّ لديهم مشروعاً سياسياً هو مشروع علماني شيوعي. وأنا أضيف “معليش” ينبغي أن يكون لدى الطلاب مبادرات، وقدرة على محاسبتنا، ومشاريع سياسية. وهذا الأمر ليس سيّئاً”. نسأله: كيف توقّفت التظاهرات؟ هل قمعتهم؟ فيجيب: “بالعكس أنا أشجّعهم على الثورة وعلى أن ينتقدوني، وإلا فما هو البديل؟ هل البديل أن يكونوا منكسرين؟ أنا لا أريد ذلك البتّة”.

إقرأ أيضاً: الدكتور فضلو خوري (1/2): رئيس الجامعة الأميركيّة مشاكس لترامب!

يعود إلى فترة الدراسة في الـ”آي سي” حين درّس في المخيمات الفلسطينية، فيقول: “أنا لبناني فلسطيني سوري أسود أبيض. حين كنت صغيراً جعلتنا مدرسة الـ”آي سي” ندرّس طلاباً من الصفوف الابتدائية. وسُئلت إن كنت أرغب بذلك. وهكذا كنت أتقاضى المزيد من النقود. طُلب منّي التعليم في المخيمات الفلسطينية قبل الحرب. كنت أنظر إلى هؤلاء الطلاب الأصغر منّي سنّاً، فرأيت أنّ شغفهم بالعلم أقوى من شغفي بأشواط. فقد قُدّم إليّ العلم على طبق من فضة، إذ كنت ابن عائلة متوسّطة. تعلّمت من هؤلاء الطلاب التقدير والشغف، ولم أخسرهما منذ ذلك الحين. ومنذ أن أصبحت رئيساً للجامعة الأميركية في بيروت وأنا أرى هذا التقدير وهذا الشغف في كل طلاب الجامعة. بالنسبة إليّ، من حقّ كل إنسان أن يتعلّم. لذا أناقش طلابنا حين يقولون إنّ العلم حقّ. نعم، لكن نحن في الجامعة الخاصّة مضطرّون إلى الحفاظ على حقوق جميع العاملين فيها”.

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…