يحكي الكوميديان المصري أحمد أمين، في إعلان لـ”زبادي”، عن أنواع “الانبساط” (الفرح)، فيعدّدها: “الانبساط الخيالي: إنّك تذاكر وتنجح وتجيب مجموع، تطلع الأوّل، تشتغل، تتعب، تعمل فلوس كثير، تتجوّز فتاة أحلامك، تخلّف كده عيال مقطقطين وزيّ القمر، عشان كده اسمه خيالي، إنسى!”. وهناك، بحسب أمين “الانبساط المكلّف: ريحة فرش العربية وهي زيرو، التابليت وانت بتشيل من عليه البلاستيك… إنبساط، بس حيكلّفك”. ثمّ يتحدّث عن “الانبساط الإجباري”، حينما تُضطرّ إلى أن تضحك في محيط أنت منزعج فيه. وينتهي إلى أنه يفضّل “الانبساط الحقيقيّ” المستخلص من اسمه، من “البساطة”: “لمّا تطلع من الركنة من غير ما السايس يشوفك، لمّا آخر حتة بانيه في العزومة تطلع من نصيبك… إنّك تفتح الفريزر تلاقي فيه علبة آيس كريم، تفتحها تلاقي فيها آيس كريم بجدّ، مش ثوم مفروم ولا صلصة مجمّدة”.
يبدو اللبناني عالقاً في “الحاجات الفيسيولوجية” في أسفل الهرم، ويُهدَّد دائماً بـ”حاجة الأمان”، كما تقول المعالِجة النفسيّة ريما نعمة المتخصّصة بعلم النفس النظمي الأسري. ولهذا تعمل السلطة على إشغال الشعوب بالحاجات الأساسية من أجل أن تبقى خاضعة وخانعة
في بلاد عاديّة، حتى ولو كانت فقيرة، أنواع “الانبساط” هذه ستبدو منطقيّة، وسيبحث كثيرون عن هذه التفاصيل الصغيرة ليشعروا بالفرح، ولو للحظات بسيطة تكون قادرة على شحنهم بالطاقة الإيجابية لإكمال حياتهم في ظلّ أوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. لكن في لبنان، بدأ منطق “الانبساط” يتّخذ أبعاداً سايكولوجية أعمق، ويتمظهر في مواقف غريبة، لا يجب فعليّاً أن تؤدّي إلى أيّ نوع من الفرح أو السعادة. لكنّ الكثير من اللبنانيين يشعرون، فيما يقفون في طوابير الذلّ، أنّهم ينجزون شيئاً ما عند ملئهم لخزّانات الوقود الخاصّة بهم، ويخرجون من محطات المحروقات بعد ساعات من الإنتظار بمشاعر تراوح بين الرضا والفرح، وصولاً إلى الشعور بالانتصار. يبدو ملء خزّان الوقود إنجازاً في بلد الإخفاقات، ولو كان يمرّ بطابور طويل من الذلّ. يعود ذلك، بحسب علم النفس، إلى وقوع أولويّات اللبنانيين في أسفل “هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية”، وهو الهرم الذي يحدّد الاحتياجات من القاعدة إلى القمّة، وتبدأ من الاحتياجات الفيسيولوجية، ثمّ ترتقي إلى احتياجات الأمان، وتليها الاحتياجات الاجتماعية، ثمّ تقدير الذات، ثمّ في قمّة الهرم يكمن التطوّر والإبداع والتحديث والترقيات.
في هذا الهرم يبدو اللبناني عالقاً في “الحاجات الفيسيولوجية” في أسفله، ويُهدَّد دائماً بـ”حاجة الأمان”، كما تقول المعالِجة النفسيّة ريما نعمة المتخصّصة بعلم النفس النظمي الأسري. ولهذا تعمل السلطة على إشغال الشعوب بالحاجات الأساسية من أجل أن تبقى خاضعة وخانعة. وهذا حال اللبنانيين اليوم، مع خوفهم الدائم من العودة إلى حالة عدم الأمان. والحالة التي يعيشها اللبنانيون لا يمكن ردّها إلى قدرة على التحمّل أو التأقلم، كما يحاول البعض أن يُشيع، بل نحن، بحسب نعمة، في “حالة إحباط مصحوبة بإنكار للأزمة، واعتبارها مرحليّة وتمرّ”. ولهذا حينما ينجح المواطن اللبناني في ملء خزّان سيارته بالوقود، يشعر أنّه حقّق كفايته للاستمتاع بالراحة والأمان لفترة قصيرة، حتّى يعود إلى الطابور بحثاً عن هذا الشعور مجدّداً.
إقرأ أيضاً: الدبكة على محطّات البنزين: الذلّ فولكلوراً
في هذه الحالة، يرتفع هورمون السعادة في الجسم، لأنّ العملية تبدو أقرب إلى رحلة صيد لإحراز الحاجات الأساسية والأمان. يشبه حالنا حال الإنسان القديم الذي كان يخرج ليصارع من أجل الحصول على الطعام، وينافس الآخرين، من بشر وحيوانات، ليناله. وهذه الحالة تضعنا، ليس فقط في الطبقة الأرضية من “هرم ماسلو”، بل في طبقات سفلية تحت الأرض، شيء أشبه بالقبر، لكنّنا مع ذلك نضحك، و”ننبسط”، تماماً كالمساكين الذين “يضحكون من البلوى”، على ما تقول قصيدة لنجيب سرور غنّاها الشيخ إمام تسأل “البحر بيضحك ليه؟”. والسؤال، إذا ما سُئل اللبنانيّون، هو: “بتضحكوا ليه؟”. ولن يكون بوسعهم الإجابة عنه إلّا بالضحك. بل قلْ بضحك هستيريّ.