أيّ “حماس” يمثّل إسماعيل هنيّة؟

2021-06-28

أيّ “حماس” يمثّل إسماعيل هنيّة؟

ما الذي جاء إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يفعله في لبنان، البلد الذي يرئس جمهوريّته ميشال عون، فيما يحكمه عملياً ويتحكّم به “حزب الله”؟ هل جاء يؤكّد أن لبنان تابع لإيران لا أكثر، وأنّه عضو فاعل في “جبهة الممانعة” التي تقودها “الجمهوريّة الإسلاميّة” من طهران؟ ألا تكفي لبنان مصائبه والذلّ الذي يعيش في ظلّه المواطن كي يتحمّل عبء “حماس” التي لا تعرف ماذا تريد؟

حضر إسماعيل هنيّة إلى بيروت وحضرت معه الأزمة الداخليّة لـ”حماس”. لعلّ أفضل ما يعبّر عن هذه الأزمة أنّه مع وصول رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إلى العاصمة اللبنانيّة، استطاعت مصر التوسّط مع إسرائيل لإدخال كميّة من الفيول الى قطاع غزّة بغية تشغيل مولّدات الكهرباء فيها.

من الواضح ان هنيّة الذي قابل كبار المسؤولين اللبنانيين يقدّم نفسه من الآن فصاعداً كممثل لفلسطين، أي انّ “حماس” صارت بديلا من منظمة التحرير الفلسطينية ومن السلطة الوطنيّة في رام الله

ليس معروفاً أيّ جناح في “حماس” يمثّله هنيّة. الأكيد، من خلال تحرّكاته وتصريحاته، أنّه يمثّل الجناح الإيراني الذي يؤمن بالشعارات التي لا هدف منها سوى تغطية الفشل وتفادي الاستثمار في أيّ مشروع سياسي مفيد للشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة والقدس.

على سبيل المثال وليس الحصر، لا يحدّد إسماعيل هنيّة هل “حماس” مع خيار الدولتين، وهل تمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً أم تريد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر الى البحر… لا فارق. ما هو معروف أنّ “حماس” لم تبلور برنامجاً سياسيّاً محدّداً يسمح لها بمواجهة مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة التي أطلقت فيها صواريخها من غزّة في اتجاه القدس وتل أبيب وضواحيهما. اعتبرت ذلك انتصاراً كبيراً حاولت “حماس” المحليّة، أي “حماس” في غزّة، الاستفادة منه عبر كلام صدر عن القيادي يحيى السنوار تحدّث فيه عن خيار الدولتين وعن القدس الشرقيّة عاصمة لدولة فلسطين. استذكر القيادي الحمساوي ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي شطبت “حماس” اسمه من قاموسها السياسي!

من الواضح أنّ هنيّة الذي قابل كبار المسؤولين اللبنانيين يقدّم نفسه من الآن فصاعداً ممثّلاً لفلسطين، أي أنّ “حماس” صارت بديلاً من منظمة التحرير الفلسطينية ومن السلطة الوطنيّة في رام الله. يفعل ذلك انطلاقاً من “انتصار” تحقّق بعد حرب القدس – غزّة الأخيرة، وهي حرب استمرّت أحد عشر يوماً ولا تزال نتائجها غامضة. مرّ شهر ونصف شهر على تلك الحرب من دون ما يشير إلى أيّ تقدّم على الصعيد السياسي.

ليس معروفاً أيّ جناح في “حماس” يمثّله هنيّة. الأكيد، من خلال تحرّكاته وتصريحاته، انّه يمثل الجناح الإيراني الذي يؤمن بالشعارات التي لا هدف منها سوى تغطية الفشل وتفادي الاستثمار في ايّ مشروع سياسي مفيد للشعب الفلسطيني

أسفرت تلك الحرب عن نتائج عدّة يمكن البناء عليها. أبرز تلك النتائج وحدة الشعب الفلسطيني وغياب أيّ واقعيّة إسرائيليّة في التعاطي مع وجود سبعة ملايين ونصف مليون فلسطيني بين البحر المتوسّط ونهر الأردن. تبدو إسرائيل، بعد 12 عاماً من حكومات بنيامين نتانياهو، عاجزة عن التعاطي مع هذا الواقع. أثبتت إسرائيل فشلاً سياسياً في هذا المجال. ما كشفته الحرب الأخيرة أنّ “حماس” مستعدّة لملاقاة إسرائيل في منتصف الطريق عبر إثبات أنّها لا تمتلك بدورها أيّ خيار سياسي باستثناء الشعارات.

في المقابل، أثبتت “حماس” أنّ همها محصور بالسلطة. كلّ ما تريده هو السلطة. لم ترَ من نتائج الحرب الأخيرة، التي تمكّنت فيها من خطف ثورة أهل القدس، وحيّ الشيخ جرّاح تحديداً، سوى حلولها مكان سلطة رام الله المترهّلة وحركة “فتح” بالذات. لا حاجة إلى إثبات مدى شبق “حماس” إلى الاستحواذ على السلطة في ضوء الفشل الذريع الذي كانت القاهرة مسرحه. وقع الفشل على الرغم من الجهود المصريّة في سبيل إنجاز أيّ نوع من المصالحة الفلسطينيّة – الفلسطينيّة.

لا وجود لشيء اسمه المقاومة من أجل المقاومة، ولا وجود لـ”حق العودة” الذي يعتقد إسماعيل هنيّة أن الكلام عنه في بيروت أكثر من كافٍ لإقناع اللبنانيين بأنّ اللاجئين الفلسطينيين لن يبقوا في مخيماتهم إلى الأبد. لم يسأل نفسه سؤالاً في غاية البساطة. ما موازين القوى التي تسمح بتحقيق “حق العودة”، اللهمّ إلّا إذا كان اتكاله على ميشال عون في هذا المجال؟

تعيش إسرائيل في مرحلة انتقالية في ظلّ حكومة جديدة ذات تركيبة هشّة. ليس أمام هذه الحكومة في مرحلة معيّنة سوى تحديد مفهومها للتسويّة. هل “حماس” في عالم البحث عن حلول وتسويات انطلاقاً من البرنامج الوطني الفلسطيني الذي أقرّه المجلس الوطني في تشرين الثاني 1988… أم يظلّ همّها محصوراً في كيفية وراثة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنيّة في رام الله وحركة “فتح”؟

سيعتمد الكثير على أيّ “حماس” ستنتصر في نهاية المطاف. هل تنتصر “حماس” الداخل التي تعرف أنّ غزّة تحت الحصار وأنّ الصواريخ حرّكت التسوية، لكنّها خدمت إيران في حربها غير المعلنة مع إسرائيل؟

إقرأ أيضاً: هنية والحزب ومسؤوليات الانهيار في فلسطين ولبنان

كيف يمكن للصواريخ خدمة أهل غزّة وهم مليونان يعيشون في سجن كبير في الهواء الطلق منذ سنوات طويلة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يُفترض بالحركة الإسلاميّة الإجابة عنه في غزّة نفسها وليس في بيروت ولا أيّ عاصمة عربيّة أخرى. ليس أسهل من الهرب إلى بيروت والكلام عن انتصارات بدل امتلاك ما يكفي من الشجاعة للخروج بمشروع سياسي واقعي يمكن أن يحلّ مكان الشعارات الفارغة من جهة، ويشكّل بديلاً من الرغبة في الانتصار على الشعب الفلسطيني عن طريق نشر البؤس في غزّة من جهة أخرى…

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…