المحكمة الدوليّة انتهت لكنّ “الجنائيّة” البديل

مدة القراءة 5 د

قال النائب والوزير السابق مروان حمادة إنّ الحدث الراهن هو “محاولة دفن المحكمة الدولية لنكران العدالة من خارج المنطقة”. وسأل: “أيّ رسالة نوجّه إلى شهداء المرفأ في تراجعنا عن المحكمة الدولية؟”. أتى كلام حمادة وسط عاصفة لم تهدأ بعد، أثارها الموقف الرسمي للمحكمة في وقت سابق من الشهر الجاري، في إعلانها رسمياً أنّ “المحكمة لن تستكمل عملها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد شهر تموز لانقطاع التمويل عنها”.

ليس واضحاً بعد هل وقف تمويل المحكمة، دوليّاً بنسبة 51 في المئة ولبنانيّاً بنسبة 49 في المئة، هو السبب الوحيد، أم توجد أسباب أخرى؟ لكنّ هذا لم يمنع لقاء “سيّدة الجبل” من مناشدة “الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تبنّت قرار إنشاء المحكمة، تحمّل مسؤولياتها والتحرّك الفوري لتوفير التمويل اللازم، صوناً للعدالة والاستقرار والسلم الأهليّ في لبنان”. وذهب محامي الضحايا الدكتور نضال الجردي إلى القول إنّ “ممثّلي الضحايا في الدعاوى المتراكمة أرسلوا رسائل إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة وسفراء الدول الكبرى ورئيس الحكومة للمطالبة باستمرار المحكمة”.

قال النائب والوزير السابق مروان حمادة إنّ الحدث الراهن هو محاولة دفن المحكمة الدولية لنكران العدالة من خارج المنطقة. وسأل: أيّ رسالة نوجّه إلى شهداء المرفأ في تراجعنا عن المحكمة الدولية؟

هل تعود الساعة إلى الوراء، فتعود المحكمة الدولية إلى العمل؟ خصوصاً أنّها الآن أمام ملفّ بالغ الأهمية يتصل بالتحقيق في محاولة اغتيال كلّ من حمادة ووزير الدفاع الأسبق إلياس المرّ، وفي جريمة اغتيال الأمين العامّ السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. وقد أثبتت المحكمة في وقت سابق أنّ هذه الملفّات ذات صلة بجريمة اغتيال الحريري في 14 شباط من عام 2005.

ما يثير الأسف والشكوك معاً أن لا إشارة تدلّ على إمكان معاودة المحكمة عملها بعد تموز المقبل. وهذا ما ظهر في تحرّك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب تجاه سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتجاه الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وهو تحرّك انتهى إلى لا شيء.

أخطر ما ينطوي عليه توقّف عمل المحكمة الدوليّة أنّ لبنان عاد رسميّاً إلى مربّع “حقول القتل”، وهي عبارة كانت تستخدم لوصف المقابر الجماعية في كمبوديا خلال فترة نظام بول بوت، الذي حكم تلك البلاد منذ عام 1975 إلى عام 1979. إلا أنّ مسلسل القتل في لبنان لم يتوقّف حتى يبدأ. وكان بلغ ذروته في جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب من العام الماضي، حيث سقط أكثر من مئتيْ ضحية وأدّى إلى دمار معظم بيروت. إضافةً إلى جرائم اغتيال منير أبو رجيلي وجو بجّاني ولقمان سليم، وهي جرائم “مرتبطة ارتباطاً وثيق الصلة بالجريمة – المجزرة الجماعية التي نتجت عن تفجير مرفأ بيروت”، وفق ما ورد في البيان الأخير لـ”سيّدة الجبل”.

ما سينتهي إليه التحقيق المحلّي في جريمة المرفأ هو “تقييدها ضد مجهول”. وترافق ذلك مع إنهاء عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي كانت تمثّل نافذة أمل بأن تتولّى أيضاً ملفّات كبرى، مثل جريمة تفجير مرفأ العاصمة. فهل هذا يعني أنّ باب العدالة الدولية التي لم يعد غيرها مؤتمناً على ملفّات في حجم ملفّ مرفأ بيروت قد أُوصِد؟

أخطر ما ينطوي عليه توقّف عمل المحكمة الدوليّة أنّ لبنان عاد رسميّاً إلى مربّع “حقول القتل”، وهي عبارة كانت تستخدم لوصف المقابر الجماعية في كمبوديا خلال فترة نظام بول بوت، الذي حكم تلك البلاد منذ عام 1975 إلى عام 1979

لكن ماذا عن المحكمة الجنائية الدولية التي لن تكلّف لبنان قرشاً واحداً، كما يقال، وهي المحكمة التي حظيت بسمعة باهرة منذ إنشائها عام 2002؟ إنّ مهمّات المحكمة هي تماماً ما يسعى إليه لبنان في زمن الإفلات من العقاب. فهي قادرة على محاكمة الأفراد المتّهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.

في معلومات لـ”أساس” أنّ تحرّكاً سيبدأ لإيجاد تيار داخلي مؤيّد لانضمام لبنان إلى هذه المحكمة التي ناهز عدد الدول الأعضاء فيها 130 دولة. ويكفي أن يبدأ نائب واحد في البرلمان بتوقيع طلب انضمام لبنان إلى هذه المحكمة حتى تبدأ عملية الانضمام رسميّاً. وسبق أن تعرّض المسؤولون اللبنانيون في زمن الوصاية السورية لتهديد نظام الأسد الذي كان يخشى أن تُوجّه إليه الاتّهامات أمام هذه المحكمة، على غرار ما جرى للرئيس السوداني الأسبق عمر البشير ورؤساء آخرين. أمّا اليوم، وقد أصبحت وصاية دمشق من الماضي، فقد حلّت مكانها وصاية “حزب الله”، الذي يرفض أيضاً انضمام لبنان إلى المحكمة تماهياً مع رفض النظام الإيراني لها. والمفارقة أنّ دولاً، مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، تعارض هي الأخرى المحكمة. وهكذا انتظم الأعداء في جبهة مناهضة المحكمة.

ويكفي مثل فلسطين، التي انضمّت إلى المحكمة في زمن العدوان الإسرائيلي عام 2014، لكي يمضي لبنان قدماً في مسار المحكمة، أقلّه لحماية لبنان من إسرائيل، إذا كان هذا يُقنع “حزب الله” بفوائد المحكمة. لكنّ هذا الأخير يخشى أن يكون هو أيضاً على قائمة المتّهمين في عدّة ملفّات، قد يكون من بينها ملفّ تفجير المرفأ.

إقرأ أيضاً: ماتت المقاومة… ماتت المحكمة

ليس لبنان في وضع يسمح له أن يتمهّل في السعي إلى العدالة الدولية، بعدما انهارت المحكمة الدولية الخاصّة. فالوضع اللبناني الراهن المحروم كلّياً من أيّ غطاء للعدالة الدولية يجعل انضمام لبنان إلى المحكمة الجنائية الدولية ضروريّاً جدّاً، ولا سيّما أنّه يعاني تلاشي القضاء الداخلي. ومَن يفكّروا الآن في التحرّك من أجل الانضمام إلى المحكمة الجنائية يقولوا “فلتبدأ مسيرة الانضمام إلى المحكمة، وليسفر المعارضون عن وجوههم”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…