ليس صدفةً أن يتحدّث البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي عن الجيش في عظته هذا الأحد. فهو سبق أن تحدّث عن أهمّية دوره وحصر السلاح بيده أكثر من مرّة، لكنّه هذه المرّة رفع سقف العظة إلى حدّ قوله: “حان الوقت لكي تعترف الدولة بالجيش دون سواه مسؤولاً وحيداً لا شريك له عن أمن لبنان واستقلاله وسيادته”.
كلام الراعي يأتي بعد ثلاثة أيّام على عقد المؤتمر الدوليّ لدعم الجيش اللبنانيّ في باريس بحضور عشرين دولة. وفي معلومات “أساس” أنّ المجتمع الدوليّ بات مقتنعاً بفشل الطبقة السياسية وعجزها عن إنقاذ البلاد، فاستبدل رهانه عليها لتشكيل حكومة بالرهان على المؤسّسة العسكريّة لمنع انفلات الوضع في المقبل من الأيّام.
“لا حكومة إذاً في المدى المنظور”، هكذا يتهامس أهل السياسة في كواليسهم. أمّا رئيس الحزب التقدميّ الاشتراكيّ فهو قالها علناً: “لا حلّ قريباً، والأيّام المقبلة صعبة جدّاً”. وعليه ستطول حرارة الصيف عدّة ملفّات، من البنزين إلى الدواء إلى الخبز إلى كلّ الملفّات المعيشيّة.
في معلومات “أساس” أنّ المجتمع الدوليّ بات مقتنعاً بفشل الطبقة السياسية وعجزها عن إنقاذ البلاد، فاستبدل رهانه عليها لتشكيل حكومة بالرهان على المؤسّسة العسكريّة لمنع انفلات الوضع في المقبل من الأيّام
ستعالج السلطة السياسيّة الملفّات بالتقسيط بغياب حكومة. تدرك الطبقة السياسية عقم المشهد جيّداً. برز ذلك في كلمة رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل. فهو قال إنّ الصيف سيأتينا بالعملة الصعبة، مطالباً الحكومة المستقيلة بإعادة العمل بخطّة التعافي الاقتصادية، وبالتفاوض مع صندوق النقد.
إذاً لا حلول ستفرِّج عن المواطن اللبناني في فصل الصيف. ولأنّ الجهات الدوليّة تدرك هذا جيّداً، فهي تسعى إلى تحصين المؤسّسة العسكريّة ضد أيّ خطر يحدق بها، من الخطر المعيشيّ إلى خطر التصدّع بفعل الخطاب الطائفي الذي سيرتفع كثيراً في الأشهر المقبلة.
هي عُدّة العمل لدى الطبقة السياسيّة، وستستخدمها جيّداً. وبالتالي تسعى الجهات الدوليّة المانحة إلى التمييز بين الطبقة السياسيّة وبين المؤسّسة العسكريّة. ففي وقت تفرض عقوبات على القوى السياسيّة، تذهب إلى دعم علنيّ للمؤسّسة العسكريّة لتحقّق التوازن بينهما. وفي المعلومات أنّ الدعم الدوليّ للجيش غايته تمكين الجيش من ملء فراغ الحكم الذي سيتمظهر في الأشهر المقبلة على شكل فوضى. وأنّ الجيش سيملأ الفراغ في الوقت الضائع. وهو الوقت الذي ستنضج خلاله تسوية تنتج حكومةً تُهيِّئ للانتخابات في أيّار من العام المقبل.
من اليوم حتّى ذلك الوقت سيسمع اللبنانيّون عن مبادرات حكوميّة، ومساعٍ، ومؤتمرات صحافية، وصراع على صلاحيّات، ستملأ بدورها فراغ أهل السلطة.
وآخر الكلام عن الصلاحيّات جاء من بكركي في عظة الراعي، الذي قال إنّ “المسؤولين يعطِّلون تشكيل الحكومة بحجّة الصلاحيّات، فعن أيّ صلاحيّات تبحثون؟”. بالطبع يغمز الراعي من باب الحديث عن صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، وعن خطاب فريق رئيس الجمهوريّة. وفي كواليس بكركي انتقاد لخطاب الصلاحيّات وحقوق المسيحيّين. وفي معلومات “أساس” أنّ بكركي تسأل: “عن أيّ حقوق تتحدّثون والمواطن اللبنانيّ لم يعد يملك ما يُطعم به عائلته؟”.
ينقل لـ”أساس” مقرّبون من رئيس الجمهورية نيّته المبادرة إلى توجيه كلمة إلى اللبنانيّين في الأيّام المقبلة ولا سيّما بعد الكلام الذي صدر عن باسيل يوم الأحد
فقد أنهت البطريركيّة المارونيّة أعمال السينودس الخاصّ بها، على أن تنهي البطريركيّة الكاثوليكيّة أعمال السينودس الخاصّ بها في مقرّها في الربوة. وتشير معلومات “أساس” إلى أنّ البطريركيّتيْن اتّفقتا على اللقاء لإعداد ورقة مشتركة تسبق اللقاء الذي دعا إليه البابا فرنسيس في روما مطلع تمّوز المقبل. وفي هذه الورقة ستُحدَّد أبرز الأزمات المتعلّقة بالمسيحيّين في لبنان على أن تكون الأزمة السياسيّة الحاليّة حاضرة.
في المقابل، مشهد آخر رسمه رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل مع الحلفاء. إذ استعان بـ”صديقه السيّد نصرالله” ليأتمنه على الملفّ الحكومي. فهو أراد من ذلك إحراج حزب الله بعد الكلام عن استياء الأخير منه ومن تصويبه على مبادرة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.
باسيل وصف برّي بـ”الوسيط غير النزيه”، قاطعاً كلّ الطرق بين بعبدا وعين التينة. وإن كان حزب الله يرفض قطعاً التعليق رسميّاً على الموضوع، إلّا أنّ الردّ جاء من مقرّبين منه قالوا إنّ الحزب يحرص على العلاقة مع باسيل مثلما هو حريص على علاقته مع برّي، لكنّه “يدرك في العمق أنّ كل حليف يريد أن يجذبه إلى مداره ليستقوي به على الآخر، إلا أنّ حزب الله ليس معنيّاً بأن يخوض معارك أحد، فهو يقول إنّه يخوض المعارك الوطنيّة، وإنّما يخدم التفاهمات الوطنية، وبالتالي لا يتجاوب حزب الله مع الضغوط التي يتعرّض لها، ويبحث عن الحلول التي يراها مناسبة.”
إقرأ أيضاً: ثلاثيّة التسوّل: جيش.. شعب.. مقاومة
ختاماً ينقل لـ”أساس” مقرّبون من رئيس الجمهورية نيّته المبادرة إلى توجيه كلمة إلى اللبنانيّين في الأيّام المقبلة، ولا سيّما بعد الكلام الذي صدر عن باسيل يوم الأحد. فهو سبق أن ذكّر في بيانات القصر عن نيّته بعقد طاولة حوار. ولكنّه يدرك أنّ ذلك لن يصل إلى نتيجة لأنّ مراكبه مع القوى السياسية محترقة، وبالتالي لن يلقى أيّ تجاوب مع دعوته، إن كانت تتعلّق بالملفّ الحكوميّ أو بالأزمات الدستورية الناتجة عن الأزمة السياسية. وبالتالي عقمٌ سياسيّ سيحكم المشهد في الأشهر المقبلة، التي ستكون ملتهبة بالفوضى، على أن يستطيع ضبطها الجيش اللبناني، بالاستناد إلى الدعم الدوليّ، السياسي والمعنوي واللوجيستي.