حكاية أسماء الأسد (3/4): قمعت الثورة.. وهي تشتري أحذية

مدة القراءة 9 د

نيقولاس بيلهام – Nicolas Pelham (The Economist)

كشفت مجلة “The economist” اللثام عن تفاصيل شخصية ومسار عقيلة الرئيس السوري أسماء الأسد، ملقيةً الضوء على أحداث وقصص لم يعرفها الناس من قبل، من شأن الإضاءة عليها الإجابة عن كثير من الأسئلة المبهمة المطروحة حول النظام السوري الحالي، وما ينتظره في الأيام المقبلة.

وهذه الحلقة الثالثة من الحلقات الأربع.

في 10 كانون الأول 2010، ألقت أسماء كلمة أمام النخبة الفرنسية المجتمعة في الأكاديمية الدبلوماسية الدولية، وهي مؤسسة فكرية في باريس، حيث تحدّثت من دون ملاحظات عن “التغيير الذي يحدث في بلدي”. وبعد بضعة أيام، أضرم بائع خضراوات تونسي (محمد البوعزيزي) النار في نفسه، فأثارت تلك الحادثة انتفاضات في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط، عُرِفت باسم الربيع العربي. لم تكن القوة الناعمة والحذاء ذو الكعب الحادّ كافيين للأسد كي ينجو منها.

في 30 آذار ألقى بشار كلمة أمام البرلمان السوري الاحتفالي إلى حدّ كبير، معلناً أنّ بلاده تواجه مؤامرة كبرى، ومعتبراً أنّ الدعوات إلى الإصلاح هي مجرّد غطاء لمؤامرة أجنبية غير محدّدة المعالم

وفي إحدى ليالي شباط في بلدة زراعية كئيبة تدعى درعا، جنوب دمشق، كتبت مجموعة من تلاميذ المدارس على الحائط: “إجاك الدور يا دكتور”. كان رئيس الأمن المحلّي (عاطف نجيب) ابن خالة بشار، بلطجيّ حتى بمعايير الأجهزة السريّة السورية. قام رجاله بتجميع الأطفال وتعذيبهم. وعندما ناشد آباؤهم الإفراج عنهم، عرض رئيس الأمن منحهم المزيد من الأطفال إذا أرسلوا إليه زوجاتهم.

لم يكن واضحاً في البداية، بما في ذلك، على ما يبدو، لأسماء، كيف سيردّ بشار. نصحه أحد جنرالاته بسجن رئيس الأمن المحلّي والاعتذار عن إراقة الدماء في درعا. كانت المدن الكبرى في سوريا لا تزال هادئة، لذا ربّما كان الندم العامّ والوعود المتجدّدة بالتغيير ستبقي الأمور على ما هي عليه.

وفي واشنطن، ساعد السفيرُ السوري الرئيسَ بشار في صياغة خطاب يعلن فيه إصلاحات جديدة. وقد أبلغ أصدقاء الأسد في الغرب أنّ من الضروري أن يفعل ذلك. ويبدو أنّ أسماء كانت تتوقّع أيضاً إرضاء الجماهير. ومع تسارع وتيرة الربيع العربي، قالت إنّ النظام كان يعرف أنّ عليه أن يتغيّر، وتقول زميلة سابقة لها إنّها حاولت التحدّث إلى المعارضة. وفي 30 آذار ألقى بشار كلمة أمام البرلمان السوري الاحتفالي إلى حدّ كبير، معلناً أنّ بلاده تواجه مؤامرة كبرى، ومعتبراً أنّ الدعوات إلى الإصلاح هي مجرّد غطاء لمؤامرة أجنبية غير محدّدة المعالم.

ازداد عدد التظاهرات بعد الخطاب، وكبر حجمها أسبوعاً إثر آخر، وعادة ما كان يتجمّع الناس بعد صلاة الجمعة. وهكذا بدأت دورة متصاعدة من الجنازات والاحتجاجات والعنف. وعلى مدى شهر، أصبح ردّ النظام أكثر شراسة: أوّلاً القمع، ثمّ القنّاصة، ثمّ المدفعيّة الثقيلة.

ويقول سفير فرنسي سابق في دمشق إنّ بشار سُمع في هذا الوقت تقريباً وهو يقول: “كان والدي على حقّ. آلاف القتلى في حماة اشتروا لنا ثلاثة عقود من الاستقرار”. وكان هذا رأي والدته أنيسة وجنرالات الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة. ومع سقوط سوريا في الفوضى، تبخّرت مشاريع أسماء. جفّ التمويل، وغادر المستشارون سوريا. وكان أبرز الزوّار الغربيين منبوذين مثل نيك غريفينNick Griffin ، الذي كان آنذاك رئيساً للحزب القومي البريطاني اليمينيّ المتطرّف.

مع سقوط سوريا في الفوضى، تبخّرت مشاريع أسماء. جفّ التمويل، وغادر المستشارون سوريا. وكان أبرز الزوّار الغربيين منبوذين مثل نيك غريفين الذي كان آنذاك رئيساً للحزب القومي البريطاني اليمينيّ المتطرّف

في شباط 2012، بعد عام من الربيع العربي، قامت الفرقة الرابعة بقيادة الأخ الأصغر لبشار، ماهر الأسد، بإطلاق قذائف المدفعية على حمص في غربي سوريا، حيث ترعرع أهل أسماء. كانت الاحتجاجات قد بدأت تتحوّل إلى تمرّد عسكري مع انشقاق الجنود. وبينما كانت الدبابات تقصف مسقط رأس أسرتها، أرسلت أسماء رسالة بالبريد الإلكتروني إلى صديقة لها: “هل هناك أيّ شيء يلفت انتباهك؟”. كانت تتطلّع إلى مجموعة حصرية من أحذية كريستيان لوبوتان (Christian Louboutin). لم تكن أسماء تظهر إلا قليلاً في الأماكن العامّة منذ بدء الاحتجاجات، الأمر الذي أثار التكهّنات. فهل كانت سجينة الظروف أم تدعم أفعال زوجها؟ فلربّما هربت إلى الخارج.

يقول الأشخاص الذين تحدّثوا معها على انفراد في الأيام الأولى للأزمة، إنّها تمسّكت بصرامة بالخطّ الرسمي: الانتفاضة مؤامرة أجنبية. إحدى صديقاتها السابقات كانت معها تشرب قهوة الصباح، رأتها وهي تمسح دموعها، وقالت: “كانت دائماً كذبة. لقد تمّ استغلالي”. إلا أنّ آخرين يصرّون على أنّ أسماء كانت مذعورة مع تزايد شراسة بشار. من يستطيع أن يرقب مصيراً كمصير معمّر القذافي، الذي سُحبت جثّته المشوّهة في شوارع ليبيا في تشرين الأول 2011، من دون أن يتراجع؟

نظريّاً، كان بإمكان أسماء الذهاب إلى لندن. كانت هناك عروض للمرور الآمن، على ما يبدو، مصحوبةً بمكافآت جميلة من دول الخليج. وقد ذكرت الحكومة البريطانية مراراً وتكراراً أنّها، بوصفها مواطنة بريطانية، لا تستطيع منعها من دخول البلاد، وهو ما فسّره بعض المراقبين على أنّه عرض سرّي للحماية. لكن حتى في لندن، كان الجوّ غير مشجّع. فقد تجمّع المتظاهرون خارج منزل عائلتها في أكتون، ولطّخوا باب المنزل بالطلاء الأحمر. أمّا كلّيّة كوين فأزالت اسمها من لائحة الشرف.

امتنعت لأشهر عن منح اللقاءات الصحافية. وفي كانون الثاني 2012، انتقلت وأولادها إلى المنزل الصيفي قرب الساحل بعيداً عن القذائف أو الغاز المسيّل للدموع.

بدلاً من الشأن العامّ، ركّزت أسماء على تجديد المنزل. في السنة الأولى من الانتفاضة أعلنت حاجتها إلى بستانيّ، وأنفقت 250,000 جنيه إسترليني على الأثاث. وللتحايل على العقوبات، أرسلت مصفّفة شعرها للتسوّق في دبي، واستخدمت اسماً مستعاراً عند طلب السلع من متاجر هارودز (Harrods). قدّم متابع شؤون أسرة الأسد في لندن طلباتها للحصول على الثريّات. أشارت أسماء مازحة إلى نفسها على أنّها “الديكتاتور الحقيقي” في هذه الأسرة.

في السنة الأولى من الانتفاضة أنفقت أسماء 250,000 جنيه إسترليني على الأثاث. وللتحايل على العقوبات، أرسلت مصفّفة شعرها للتسوّق في دبي، واستخدمت اسماً مستعاراً عند طلب السلع من متاجر هارودز

كُشف النقاب عن هبّة التسوّق لدى أسماء في مجموعة من آلاف رسائل البريد الإلكتروني من الدائرة الداخلية للأسد، تمّ تسريبها في عام 2012 إلى صحيفة “غارديان” من قبل نشطاء المعارضة السورية، إضافةً إلى رسائل أخرى نشرتها “ويكيليكس”. وتشير الرسائل إلى أنّ أسماء ربّما كانت متردّدة. وفي كانون الأول 2011، تبادلت رسائل إلكترونية مع ابنة أمير قطر آنذاك، وهي ظلّت صديقة لها إلى أن انحاز القطريون إلى الثوّار السوريين. وقالت الأميرة لأسماء إنّ “الوقت لم يفُت بعد للتفكير والخروج من حالة الإنكار”، ثمّ اعتذرت إذا كانت تجاوزت الحدّ. ومن المحتمل أنّها كانت تشجّعها على الانشقاق. جواب أسماء كان غامضاً على نحوٍ مفاجئ. في البدء، رحّبت بصراحتها، ثمّ بدا وكأنّها تراجع نفسها قائلة: “الحياة ليست عادلة يا صديقتي. في النهاية، ثمّة واقع علينا التعامل معه”، وكأنّها تلمّح إلى القوى التي تجبرها على البقاء.

وتسلّط رسائل البريد الإلكتروني الضوء على الحياة الزوجية للأسد. ويعتقد الكثيرون أنّ الزواج كان يهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على مصالح العائلتين. اشتهر بشار بممارسة الجنس مع النساء، وهو انطباع عزّزته رسائل الحب في البريد الإلكتروني المسرّب من مساعِدات شابّات. ومع ذلك، كان بشار وأسماء يتراسلان بمودّة، وتُطلق عليه لقب “البطّة”. في 28 كانون الأول 2011، عندما قصفت الدبابات مسقط رأس عائلتها في حمص، كتبت أسماء إلى بشار تقول: “إذا كنّا أقوياء معاً، سنتغلّب على هذا معاً… أحبّك”. لم يكن واضحاً ما هي المشكلات التي يحتاجون إلى “التغلّب عليها”، هل هي في سوريا أم في زواجهما؟

بعد ذلك بوقت قصير، أصدرت أسماء أوّل بيان رسمي لها منذ بداية الانتفاضة: “الرئيس هو رئيس كلّ سوريا، وليس رئيس فصيل من السوريّين، والسيّدة الأولى تدعمه في هذا الدور”. كانت الآن تقف إلى جانب زوجها.

إن كان علينا أن نصدّق المنشقّين عن النظام، فإنّ تصريحها كان جزءاً من المصالحة مع بشار. لقد تفاوضت أسماء معه على العودة إلى الحياة العامّة بمساعدة والدها. من الآن فصاعداً، ستكون شريكته في الحكم. وفي صيف 2012، فرّت بشرى شقيقة بشار إلى دبي، بعد مقتل زوجها آصف شوكت في انفجار قنبلة. ومع أنّ الثوّار زعموا مسؤوليتهم عن الحادث، إلا أنّه كان أكبر من قدرتهم التي برهنوا عليها حتى ذلك الوقت. كانت بشرى وزوجها أحد أكبر مصادر العداء لأسماء في الحلقة الضيّقة. ويفترض كثيرون أنّ الاغتيال كان عملاً داخل النظام.

في العام التالي، تحسّنت حظوظ الأسد. أوقف تقدّم الثوّار، ثمّ أخرجهم من معقلهم في حمص. كانت قوات المعارضة ما زالت تسيطر على بعض ضواحي دمشق، وتُطلق القذائف على مركز المدينة، لكنّها لم تكن قادرة على اقتلاع آل الأسد.

إقرأ أيضاً: حكاية أسماء الأسد (2/4): رفيق الحريري نصرها على أنيسة

في 21 آب 2013، ظهر فيديو من ضواحي دمشق، وفيه مشاهد اختناق السكّان ووفاة المئات منهم. وأكّد تحقيق الأمم المتحدة أنّهم قُتلوا بغاز السارين. كان أسوأ هجوم بالسلاح الكيمياوي منذ قصف صدام حسين الأكراد في حلبجة عام 1988.

وفي اليوم التالي، وبينما كان العالم يحاول استيعاب الصور، نُشرت صور على فايسبوك توثّق الأنشطة الرسمية للسيّدة الأولى بالتفصيل الدقيق. وأظهرت إحدى الصور أسماء وزوجها جالسين على شرفة مزخرفة بالزهور مع تعليق: “الحبّ هو بلد يقوده أسد قضى على المؤامرات، وسيّدة أولى مكرّسة لوطنها”. كتب أحد مستخدمي الفايسبوك تحت الصورة قائلاً: “ألا تخجلين؟ شعبكِ يُذبح وأنتِ تراقبين فقط، وأسوأ من ذلك… تشترين الأحذية”.

لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…