عدنان الشرقي: الأنصاريّ العتيق… من الطريق الجديدة إلى غينيس

مدة القراءة 6 د

يودّع لبنان الرياضي، اليوم، رمزاً وطنياً خالداً، هو المدرِّب القدير عدنان مكداش، المعروف بـ”عدنان الشرقي”، ابن الطريق الجديدة البارّ، والرجل الذي حفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ كرة القدم اللبنانية، عندما قاد فريق الأنصار إلى إحراز لقب الدوري اللبناني لكرة القدم 11 مرّة متتالية، ليدخل بهذا الإنجاز موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، كمدرّب.

شكّل الشرقي حالة فريدة من نوعها في منطقته وناديه، فلم يكن مجرّد مدرّب عاديّ، بل كان حالة فريدة لعمق بصيرته وأسلوبه الفريد في التعامل مع الآخرين. وسيذكر أبناء بيروت عموماً، والطريق الجديدة خصوصاً، المدرسة الكرويّة التي أدارها بحنكة، موجّهاً لاعبي الأنصار من موقع الوالد قبل المدرّب، الأمر الذي سهّل عليه تطويع تلاميذه، وجعلهم يتلقّون إرشاداته ونصائحه بكلّ طيب خاطر، وإن لم تخلُ من العبارات اللاذعة أحياناً.

من نماذج هذه العلاقة الفريدة التي نسجها الشرقي مع لاعبيه، ما فرضه عليهم في أنماط عيشهم حتى خارج الملعب. إذ استعان في بعض المواسم بسيّدتين تطهوان الطعام لهم يوميّاً، ثمّ تعاقد مع مطعم في الطريق الجديدة يقصده اللاعبون، حتّى وصل الأمر إلى إرسال وجبات إلى بيوتهم.

والشرقي، المولود عام 1941، هو أحد أبرز اللاعبين السابقين، كما المدربين، الذين عرفتهم كرة القدم اللبنانية عبر تاريخها عموماً، وفي نادي الأنصار خصوصاً.

ارتبط اسمه بنادي الأنصار، لكنّه مثّل أيضاً النجمة ومنتخب لبنان، قبل أن يدرّب في عدد من الفرق.

من نماذج هذه العلاقة الفريدة التي نسجها الشرقي مع لاعبيه، ما فرضه عليهم في أنماط عيشهم حتى خارج الملعب. إذ استعان في بعض المواسم بسيّدتين تطهوان الطعام لهم يوميّاً، ثمّ تعاقد مع مطعم في الطريق الجديدة يقصده اللاعبون، حتّى وصل الأمر إلى إرسال وجبات إلى بيوتهم

وتاريخ عدنان الشرقي نحو التألّق والنجومية لم يكن مفروشاً بالورود، إذ قاد الأنصار في رحلة كفاح من دوري الدرجة الثانية إلى الأولى، حين كان لاعباً ومدرّباً للفريق الذهبي، الذي تأهّل إلى دوري الأضواء في عام 1967.

وعلى مدار 4 عقود، درّب الشرقي الأنصار، وفاز معه بكل الألقاب المحلية، بعد تتويجه بـ11 لقباً على التوالي في بطولة لبنان، من عام 1988 حتى 1999.
تُوِّج الشرقي بـ 8 ثنائيات للدوري والكأس، كانت أولاها في موسم 1987-1988، بالإضافة إلى حصده لقب السوبر 4 مرّات، وكأس لبنان 8 مرّات، وكأس النخبة مرّتين، وكأس الاتحاد اللبناني مرّتين.

اختير في بعض المواسم أفضل مدرّب في آسيا، وحظي بتكريم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ممثلاً برئيسه السابق القطري محمد بن همام، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، في أيار 2009.

وعُرف الشرقي بجدّيته وأسلوبه الحاسم في تدريب الأنصار. فمن أجل ضمان النجاح، كان لا بدّ من إرساء قوانين وشروط صارمة يوقّع عليها اللاعب، وخصوصاً تلك التي ترتبط بالتمارين التي كانت تبدأ يومياً عند الثالثة عصراً. إذ كان ينبغي على اللاعب أن يحضر قبل ربع ساعة، وعند التأخير يُحسم دولار واحد عن كل دقيقة. أمّا إذا تأخّر ما يزيد على ذلك، فكان الشرقي يحسم تبعاً لمدّة التأخّر، لكن لا يحرمه من التدريب لأنّ الفريق هو من سيخسر، وليس اللاعب.

ولضمان ديمومة هذه المنظومة ونجاحها، كان الشرقي يطلب من كل فرد أن يكون في منزله قبل الساعة العاشرة ليلاً في أيام الخميس والجمعة والسبت، وقبل الثانية عشرة في الأيام الباقية.

كان الشرقي يتّبع أسلوباً “بوليسياً – تجسّسياً” على لاعبيه، فيطلب من “نواطير” الأبنية أن يقدّموا له تقريراً خطّيّاً عن تحرّكات اللاعبين. ومع مرور الوقت، اتّبع الشرقي أسلوب الاتصال بلاعبيه ليلاً بواسطة الهاتف الأرضي، ولو احتاج الأمر إلى أن يتكرّر الاتصال كل 10 دقائق.

وعلى الرغم من أنّ الشرقي أشرف على تدريب أسماء رنّانة في السبعينيات والثمانينيات، مثل يوسف الغول وعبد الرحمان شبارو ومحمد الأسطة وعدنان بليق وإبراهيم الدهيني وغيرهم، فإنّه لم يجنِ ثمرة جهده إلا في التسعينيات بعد عودة عجلة النشاط الرسمي إلى الملاعب اللبنانية عقب الحرب.

عُرف الشرقي بجدّيته وأسلوبه الحاسم في تدريب الأنصار. فمن أجل ضمان النجاح، كان لا بدّ من إرساء قوانين وشروط صارمة يوقّع عليها اللاعب، وخصوصاً تلك التي ترتبط بالتمارين التي كانت تبدأ يومياً عند الثالثة عصراً

قال الشرقي، في أكثر من مناسبة، إنّ أفضل فريق مرّ في تاريخ الأنصار هو جيل التسعينيات الذي يعتزّ به، والذي ضمّ عمر إدلبي وجمال طه وفادي علوش ومحمد مسلماني وعبد الفتاح شهاب وسواهم، من دون أن ينكر فضلَ الأجيال السابقة وقوّتها.

ويكفي الشرقي أنّه صنع من فادي علوش هدّافاً تاريخياً للدوري المحلّي، وهو الذي لم يكن قد مارس كرة القدم في ريعان شبابه.

عُرِف الشرقي بعصبيّته مع لاعبيه، وفي أغلب الأحيان يخرج عن طوره ويكيل الشتائم لهم، لكنّه برّر ذلك في أكثر من مناسبة بأنّ هذه العبارات لم تكن بهدف تحقير اللاعبين، بل نتيجة الضغوط. وهو كان يعتذر منهم في غرف الملابس ويقبّل رؤوسهم.

إقرأ أيضاً: على سنّ الرمح أنصار

وفي الوقت عينه، كان الشرقي، بالنسبة إلى باقي المدرّبين، نموذجاً للتواضع. ويذكره جمهور الأنصار جيّداً حين انحنى لربط حذاء اللاعب الشابّ رضوان زهوي، عندما قرّر أن يشركه في المباراة التاريخية أمام النجمة في كأس الإمام موسى الصدر، خريف عام 1986. وهي كانت المشاركة الأولى في مسيرة زهوي، ولكنّها لم تكن الأخيرة بالنسبة إلى الشرقي، الذي زجّ أيضاً بالناشئ فادي مراد ليخوض أولى مبارياته الرسمية أمام النجمة، في الدوري أيضاً، في مطلع التسعينيات. وهذه علامات تنمّ عن جرأة لا يمتلكها سوى الشرقي.

في عام 2005، توقّفت مسيرة الشرقي التدريبية، التي دامت مع الأنصار 38 عاماً، حافلةً بالانتصارت والكؤوس والألقاب، ولم تخلُ من بعض الكبوات التي لا بدّ منها في عالم “الساحرة المستديرة”. خرج عدنان الشرقي، وله في ذمّة النادي مبلغ 43 ألف دولار دفعها من جيبه الخاص. وهو لم يتقاضَ يوماً راتباً شهرياً. خرج الشرقي لأنّه لم يتقبّل عقليّة وفلسفة “جيل حبّ الظهور” والفذلكة.

مهما قيل عن الشرقي يبقى الكلام قليلاً وخجولاً في حقّ “أفضل مدرّب” لبناني مرّ في الملاعب المحليّة، وأفضل مَن أحدث ثورة فلسفية كروية في المفهوم الرياضي العامّ بشهادة كلّ من عاصره أو قد يسمع عنه مستقبلاً.

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…