إيران: رئيس “اقتصادي” داخلياً.. متشدّد خارجياً

مدة القراءة 5 د

تراجعت الرهانات على إمكان أن يتدخّل المرشد الأعلى لإحداث تغيير أو تعديل في قرارات مجلس صيانة الدستور، التي حسمها في خطابه الأخير خلال لقائه مع البرلمان، وأن يستخدم صلاحياته فوق الدستورية المستمدّة من موقعه كوليّ للفقيه، ويصدر “حكماً ولائيّاً”، ويعيد بعض الأسماء إلى السباق الرئاسي، إلى جانب الأسماء التي استطاعت العبور من مصفاة صيانة الدستور، ودخلت جنّة السباق الرئاسي.

حسم المرشد الأعلى الأمر، دخل السباق الرئاسي في تنافس واضح بين أقطاب من التيار المحافظ، خاصة بين رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي من جهة، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي من جهة أخرى، وكلاهما يمثّل المرشد الأعلى في المواقع التي يشغلها. وهو ما جعل صعباً إمكان الحسم النهائي بينهما، وأيّ منهما سيكون على رأس السلطة التنفيذية، خصوصاً أنّ الأصوات داخل التيار المحافظ المتشكّكة في نوايا جليلي بدأت ترتفع مطالبةً إيّاه بالوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه والانسحاب لمصلحة رئيسي، مرشّح اجتماع تحالف قوى الثورة المحافظ، على خلفية أنّ ترشّحه كان لمواجهة لاريجاني. يضاف إلى ما سبق إمكان حصول مفاجآت على طريق الانتخابات، قد تعيد خلط الأوراق. وهذه المفاجآت على علاقة مباشرة بموقف الشريحة الواسعة والمؤثّرة من الأصوات الرمادية في حال قرّرت النزول وقول كلمتها في هذا الاستحقاق.

حسم المرشد الأعلى الأمر، دخل السباق الرئاسي في تنافس واضح بين أقطاب من التيار المحافظ، خاصة بين رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي من جهة، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي من جهة أخرى

لم يقتصر كلام المرشد على حسم مسألة الترشيحات والجدل المرافق لقرار مجلس صيانة الدستور، الذي عزّز المخاوف من وجود عملية تهدف إلى هندسة الانتخابات والنتائج وإيصال المرشح الذي تريده الدولة العميقة، بل وحسم الثنائية المطروحة حول المهمّات التي تنتظر حكومة الرئيس المقبل في القضايا الداخلية والسياسات الخارجية. وهي المرّة الأولى التي يكون الفصل بين هذين المستويين بهذا الوضوح والمباشرة في كلام المرشد. إذ حدّد في توجيهاته للمرشحين الأطر والمجالات التي يجب أن تكون على سلّم أولويّاتهم خلال الحملات الانتخابية وبعد فرز النتائج ومعرفة الرئيس الجديد. وهي أولويّات لا تخرج عن إطار السياسات المفترضة والدقيقة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، ومحاربة الفساد، وإعادة النهوض بالقطاعات الإنتاجية في الصناعة والتجارة والزراعة، والسياسات المالية، والتضخّم، والبطالة، وإعادة ترميم مؤسّسات الدولة وتنشيطها، وإدخال العناصر الشابّة لإعطائها حيويّة ودماء جديدة.

ولم يتوقّف المرشد عند أزمة المشاركة الشعبية في عملية الاقتراع. بل اعتبر أنّ مفتاح هذه الأزمة يكمن في الخطاب والبرنامج الاقتصادي، الذي يحمله المرشّحون، ومدى اهتمامهم بهموم الناس ومطالبهم المعيشية والحياتية، وأنّ القناعة الشعبية ببرنامج أيّ من المرشّحين هي الكفيلة بحلّ مشكلة المشاركة، وبدفع الإيرانيين إلى الذهاب لصناديق الاقتراع، خصوصاً أنّ الخوف على شرعية النظام وشرعية الانتخابات لا يحدّدهما حجم المشاركة.

لم يقتصر كلام المرشد على حسم مسألة الترشيحات والجدل المرافق لقرار مجلس صيانة الدستور، الذي عزّز المخاوف من وجود عملية تهدف إلى هندسة الانتخابات والنتائج وإيصال المرشح الذي تريده الدولة العميقة، بل وحسم الثنائية المطروحة حول المهمّات التي تنتظر حكومة الرئيس المقبل

التركيز على مهمّة الرئيس المقبل الداخلية وحصرها في معالجة الأوضاع الاقتصادية وما يرتبط بها، لن يكون خارجاً عن وصاية الدولة العميقة، وسيكون تحت إشرافها. ترى هذه الدولة أنّ المرحلة باتت مؤاتية لتدخّل المؤسسة العسكرية والأمنية بشكل مباشر، وتحديداً مؤسسة حرس الثورة، على الرغم من سيطرتها على الكثير من القطاعات الاقتصادية في عهود الحكومات السابقة، للإمساك بهذه المفاصل بقوّة ومن دون أيّ اعتراض من السلطة التنفيذية. وبهذا تستكمل قيادة النظام أو هذه الدولة العميقة الإمساك بالقطاع، الذي بقي نسبياً خارج دائرة سيطرتها بالمقارنة مع القطاعات الأخرى للدولة الإيرانية. خصوصاً أنّ هذه الدولة العميقة ترى في النتائج التي ستتمخّض عنها المفاوضات النووية، والوعود المالية التي ستنتج عنها بعد تحرير الأموال المجمّدة، وعودة الاستثمارات، وتخفيف العقوبات الاقتصادية، فرصةً يجب عدم تضييعها من أجل القيام بالخطوة الأخيرة لفرض إرادتها على كلّ مفاصل مؤسسات الدولة وقطاعاتها.

إقرأ أيضاً: مناورة محافظي إيران: دعم لاريجاني.. لتفريق المتشدّدين

وفي هذا الإطار، فإنّ أزمة الثنائية، التي واجهها ظريف في إدارة الدبلوماسية والميدان نتيجة النفوذ، الذي مارسته مؤسسة حرس الثورة العسكرية، ستكون الغلبة فيها للميدان. وستؤدّي مؤسسة الحرس دوراً محورياً في ضبط إيقاع الدبلوماسية، ورسم سقوف العلاقات الخارجية مع الأطراف الدولية والإقليمية، ومنع تحوّلها إلى تهديد لاستراتيجية إيران في التعامل مع الأزمات الدولية وملفّات نفوذها في منطقة غرب آسيا، خصوصاً أنّ المرشد الأعلى، مع كونه المرجعية النهائية في القرارات الاستراتيجية والعامة للنظام والدولة، قسَّم الأدوار بين مؤسسات تابعة له مباشرة، مثل المجلس الأعلى للأمن القومي، والمجلس الأعلى للسياسات الخارجية والاستراتيجية الذي يرأسه وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي، والدائرة السياسية، وقوة القدس في حرس الثورة، وقيادة أركان القوات المسلحة.

لذا لن يطرأ أيّ تعديل على التعامل مع الملفّات الخارجية في توجّهاتها وسياساتها لأنّها ستكون خاضعة للمعايير نفسها التي حكمتها في السنوات الماضية، خصوصاً في المرحلة التي اتخذ فيها النظام والدولة العميقة خيار العودة إلى مسار التفاوض مع المجتمع الدولي، والانفتاح والحوار مع الدول الإقليمية.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…