مرسوم “ملغوم” من وزيرة العدل… ودياب لن يوقّع

مدة القراءة 7 د

بعد ظهر يوم الاثنين وصل إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء مرسوم تعيين أربعة قضاة اقترحتهم وزيرة العدل ماري كلود نجم لعضوية مجلس القضاء الأعلى، الذي يدخل غداً نفق الشلل التامّ في حال لم يسلك المرسوم طريقه إلى التوقيع من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الجمهورية.

المرسوم عادي ولا يحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء، وكان يُفترض أن يحظى بالتوقيعين المطلوبين، لئلا يفقد مجلس القضاء الأعلى نصابه. لكنّ عقبتيْن حالتا دون ذلك:

الأولى رفض دياب التوقيع من ضمن سياسته باعتماد المفهوم الضيّق لتصريف الأعمال. وعَلِم “أساس” أنّ الأمانة العامّة لمجلس الوزراء أعادت أمس إلى وزيرة العدل مشروع المرسوم بناءً على توجيهات وطلب الرئيس دياب، الذي أكّد، بموجب هذا الكتاب، عدم جواز التعيين في ظل حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى سلسلة ملاحظات وأسئلة حول قانونيّة “وضع” مجلس القضاء الأعلى راهناً.

وأبعد من هذا المعطى القانوني والدستوري، رأت مصادر مطّلعة أنّ مرسوم التعيين “هو محاولة مبطّنة لتطويق القاضي سهيل عبود من خلال تعيين قضاة من خارج قماشة خياراته، وأقرب إلى رئيس الجمهورية”.

الثانية هي علامات الاستفهام والاعتراض التي أُثيرت حول الأسماء المقترحة من نجم، والتي لم يحظَ بعضها برضى مجلس القضاء الأعلى ولا برضى مرجعيّات سياسية.

وعَلِم موقع “أساس” أنّ الأسماء المقترحة من نجم هي:

–   رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضية جويل فواز (كاثوليكية) زوجة رئيس مجلس الشورى السابق والمعروفة بقربها من العهد وسليم جريصاتي. وفواز مشهود لها بكفايتها. لكنّ مطّلعين يشيرون إلى أنّ “نجم تقصّدت اختيار فواز (تشغل إحدى وحدات وزارة العدل)، فيما النصّ القانوني يتيح لها حرية الاختيار أيضاً من ضمن رؤساء المحاكم. وسبق أن طرحها جبران باسيل لتعيينها وزيرة عدل”.

 –  القاضي سامر يونس (ماروني) الذي اعتُبر “لغم” المرسوم. فهو مرفوض بالكامل من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ومدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وسبق للمجلس أن رفض مرّتين اقتراح وزيرة العدل اسمه محقّقاً عدليّاً في جريمة المرفأ. وأُحيل سابقاً إلى التفتيش القضائي لمخالفته موجب التحفّظ ومهاجمته مجلس القضاء الأعلى على خلفيّة رفض الأخير تعيينه في هذا الموقع. وفيما يشهد كثرٌ بكفاية القاضي يونس، إلا أنّ شريحة كبيرة تعتبر أنّ”طبعه الحادّ والفوقيّ وغير المنضبط” و”مشاكله” مع القضاة تجعل من الصعب جدّاً على رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدّعي عامّ التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي تقبّل وجوده إلى الطاولة نفسها. لذلك طرحت علامات استفهام حول سبب تمسّك نجم به. وهو معروف بقربه من النائب باسيل.

– القاضية رولا الحسيني (شيعية) التي كان اختيار نجم لها، من دون “الوقوف على رأي” الرئيس نبيه برّي، عاملَ توتّر مع عين التينة. مما جعل الرئيس برّي يتصل برئاسة مجلس الوزراء ويطلب عدم توقيع المرسوم. ويُفترض أن يُختار العضو الشيعي الثاني في مجلس القضاء الأعلى من ضمن رؤساء غرف التمييز بالأصالة.

– دانيا الدحداح (مارونية)، مقرّبة أيضاً من العهد، لكن معروفة أيضاً بعلاقتها الجيّدة مع القاضي عبود.

المرسوم عادي ولا يحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء، وكان يُفترض أن يحظى بالتوقيعين المطلوبين، لئلا يفقد مجلس القضاء الأعلى نصابه

ووفق معلومات “أساس” تضمّن بيان الأمانة العامة لمجلس الوزراء الملاحظات الآتية:

– وجود عدّة سوابق لم يُصَر فيها إلى تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى في ظل حكومة تصريف أعمال. حتى في ظلّ حكومات فاعلة كما في 1996، وبين 2005 و2006، لم يُعيَّن أعضاء المجلس.

– الإشارة إلى مواقف رئيس مجلس الوزراء في كلّ ما من شأنه أن يحفظ السلطة القضائية واستقلاليّتها، ويسمح لها بإدارة شؤونها من دون تدخّل أو عرقلة. وهو واقع تجلّى من خلال المواقف والتوجيهات التي كان يحرص دائماً على إعطائها لوزيرة العدل، وليس آخرها موقفه من التشكيلات القضائية التي وقّع مرسومها من دون تردّد. 

– السؤال عن مدى دستورية وقانونية تشكيل مجلس القضاء الأعلى غير المكتمل الأعضاء: “وحين يكون خطأٌ بالتشكيل، إلى أيّ مدى تكون اجتماعاته قانونيّةً بصرف النظر عن تأمين النصاب؟”.

– لماذا لم يتضمّن مشروع المرسوم قاضياً ممثّلاً عن محكمة التمييز؟

– ما هو المعيار الذي على أساسه اختارت وزيرة العدل القضاة، بما يوفّر الميثاقية الوطنية، في ضوء عدم اكتمال عملية انتخاب أحد رؤساء غرف محكمة التمييز؟

– هل عدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية هو الذي حال دون إجراء عملية انتخاب رئيس غرفة محكمة التمييز؟ 

السؤال عن مدى دستورية وقانونية تشكيل مجلس القضاء الأعلى غير المكتمل الأعضاء: “وحين يكون خطأٌ بالتشكيل، إلى أيّ مدى تكون اجتماعاته قانونيّةً بصرف النظر عن تأمين النصاب؟”

في المقابل، يبدو جليّاً تقاطع المصالح بعدم توقيع المرسوم بين دياب ومجلس القضاء الأعلى وصولاً إلى عين التينة، ولكلٍّ منهم أسبابه. فتنتهي بذلك “معركة” نجم عند عتبة السراي مع إصرار دياب على عدم التوقيع.

وقد سبق للوزيرة نجم أن أكّدت، في حديث تلفزيوني، أن “لا دور لمجلس القضاء الأعلى في الموافقة على الأسماء، لكن من باب اللياقة واستمزاج الرأي قلت لرئيس مجلس القضاء الأعلى الأسماء التي أفكّر فيها”، من دون أن تفصح عن جواب القاضي عبود.

وأوضحت نجم: “تحدّثت مراراً مع الرئيس دياب، وقلت له إنّ هذا الموضوع يندرج ضمن إطار تصريف الأعمال، ولا يمكن ترك أعلى سلطة قضائية مشلولة، ولا يجوز تعطيل مرفق عام”، مفترضة أنّ “رئيس الجمهورية بمعايير التعيين التي وضعتها سيوقّع المرسوم إذا وصل اليه”.

ما كان لافتاً، في سياق حديث نجم، تأكيدها أنّها لم تطلب تعيين محقّق عدلي مسيحي في جريمة المرفأ، الأمر الذي ينفيه أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين نُقل عنهم إصرارها على أن يكون مسيحيّاً.

وللتذكير، ينقسم مجلس القضاء الأعلى مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين وفق الآتي: 3 موارنة، 1 كاثوليكي، 1 أرثوذوكسي، 2 من السُنّة، 2 من الشيعة، 1 درزي.

يُعيَّن الأعضاء الحَكَميّون بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل. وهم الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز، ومدّعي عامّ التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي.

سبق للوزيرة نجم أن أكّدت، في حديث تلفزيوني، أن “لا دور لمجلس القضاء الأعلى في الموافقة على الأسماء، لكن من باب اللياقة واستمزاج الرأي قلت لرئيس مجلس القضاء الأعلى الأسماء التي أفكّر فيها”

ويُعيَّن خمسة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى بمرسوم بناءً على اقتراح وزير العدل، ويُنتخَب قاضيان من ضمن رؤساء غرف التمييز الذين يشغلون مواقعهم بالأصالة وليس بالانتداب، وذلك لمدّة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد.

لكن في 18 أيّار الجاري، تعذّر إتمام انتخاب عضويْ مجلس القضاء الأعلى بسبب الشغور على مستوى رؤساء غرف التمييز (ستة من أصل عشرة قضاة يشغلون مواقعهم بالانتداب، ولا يحقّ لهم الترشّح إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى).

إقرأ أيضاً: التشكيلات القضائية… بانتظار الرئيس المقبل!

قاد الأمر إلى فوز القاضي عفيف الحكيم (درزي) بالتزكية، فيما لم يترشّح القاضي جمال الحجّار (سنّي)، لأنّ الحصّة السنّيّة محفوظة من خلال مدّعي عامّ التمييز ورئيس هيئة التفتيش القضائي.

وفيما كان يُفترض أن توقّع وزيرة العدل مرسوم خمسة أعضاء وليس أربعة، إلا أنّه بسبب موجباتٍ طائفيةٍ، يُفترض بالتعيين الخامس أن يلي انتخاب العضو الثاني من رؤساء غرف التمييز، الذي على أساسه يتمّ اختيار طائفة القاضي المعيّن بمرسوم. إلى هذا الحدّ يبدو القضاء منخوراً بسوسة الطائفية والمذهبية.

وعمليّاً، من دون تشكيلات قضائية جزئية أو شاملة تملأ الفراغ الحاصل على مستوى رؤساء غرف التمييز، لا يمكن اختيار كامل أعضاء مجلس القضاء الأعلى. وقد قاد إلى هذا المأزق عدم توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلات القضائية، فيما لا يبدو القاضي سهيل عبود، وفق المطّلعين، بصدد إجراء تشكيلات جزئية.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…