سيرة صهر معزول

مدة القراءة 6 د

أُثيرت أسئلة كثيرة عن سبب عدم لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري برئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. ليس هو اللقاء الوحيد الذي تمنّى باسيل حصوله ولم يحصل، فقد تكرّر ذلك مع وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هايل، ومع الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، حتّى طموحاته في زيارة باريس وعقد لقاءات مع المسؤولين الفرنسيين، ومن بينهم وزير الخارجية جان إيف لودريان، قد تكسّرت.

يشكّل جبران باسيل “عنوان النفور الجامع” لدى عواصم العالم والمسؤولين الدوليّين. من صلافته إلى عجرفته، وطروحاته المستفزّة أو غير المنطقية. تلك صفات أصبحت معمّمة دولياً على الرجل، وتنطبع عميقاً عنه.

إذا ما كان يظنّ ذلك مربحاً على الصعيد الشعبوي الداخلي، فإنّه لا يجعل منه مسؤولاً أو رجل دولة قابلاً للحياة. ما جرى مع الرجل في السنوات الماضية هو “فورة كبد”، كان لا بدّ من نهايتها عندما قال ضاحكاً وفي حالة استهزاء: “ربّما على لبنان أن يعلّم أميركا وبريطانيا كيفية إدارة شؤونهما المالية من دون موازنة”، بلغة إنكليزية متعجرفة، في حوار على قناة CNN الأميركية.

 

روسيا وجهة وحيدة

لا يزال يسعى بكل أساليبه للعثور على طاقة يتسرّب منها إلى الضوء السياسي، ولكنّه لم ينجح حتى الآن إلا في تعيين زيارة لروسيا في 29 من الشهر الحالي، الغاية منها واضحة، وهي القول إنّه لا يزال قادراً على السفر. أمّا روسيا فلها أسبابها في استضافته، فهو من جملة اللبنانيين الذين ستستقبلهم موسكو، وهي تريد القول إنّها غير ملزمة بالعقوبات الأميركية. وفي السياسة، سيسمع في العاصمة الروسية ما سمعه على ألسنة الجميع، مباشرة أو بالواسطة، من ضرورة تشكيل حكومة من دون شروط شخصية أو مصلحة ذاتية.

يشكّل جبران باسيل “عنوان النفور الجامع” لدى عواصم العالم والمسؤولين الدوليّين. من صلافته إلى عجرفته، وطروحاته المستفزّة أو غير المنطقية. تلك صفات أصبحت معمّمة دولياً على الرجل، وتنطبع عميقاً عنه

وسط ذلك لا بدّ من التفاعل مع الأسئلة التي طُرحت حول عدم عقد لقاء بين باسيل والمسؤولين الدوليين.

– أميركياً، هو خاضع للعقوبات ولا يمكن لقاؤه.
– لكن ماذا عن الفرنسيين؟ تؤكّد المعلومات أنّهم يحمّلونه، بما لا لبس فيه، مسؤولية تعطيل المبادرة الفرنسية وأخذ عملية تشكيل الحكومة رهينة لإعادة تعويم نفسه.

أمّا عربياً فلعدم لقائه حسابات أخرى ودفتر طويل بمفعول رجعيّ. ووفق ما تؤكّد مصادر عربية، الأسباب بعضها شكليّ وبعضها الآخر موضوعيّ، ويتكامل بعضها مع البعض الآخر:

1- التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري رئيس الجمهورية ميشال عون، فانتفت الحاجة للقاء باسيل. وكانت اختارت مصر لقاء كلّ القوى السياسية ممثلةً بشخص واحد، وعون ينوب عن التيار الوطني الحرّ.

2- يقول رئيس الجمهورية إنّه هو مَن يشكّل الحكومة، بالتعاون مع الرئيس المكلّف. حينئذٍ لا دور لباسيل، وفق المعادلة التي يطرحها عون، واحتراماً للموقع.

3- عندما التقت الشخصيات العربية الرئيس نبيه بري لم تلتقِ معاونه علي حسن خليل، وكذلك حصل مع سعد الحريري فلم يعقد لقاء مع الأمين العام لتيار المستقبل، فلماذا لقاء باسيل بعد لقاء رئيس الجمهورية؟

 أمّا في الأسباب الموضوعية، فالمسألة تتخطّى الشكليات وترتبط بمواقف باسيل التي تتعارض مع مصلحة لبنان، وتُحدث التباسات على الصعيد العربي. وفي هذا المجال يمكن تعداد أسباب كثيرة لعدم لقائه:

1- لم يترك باسيل فرصة لم يُظهر فيها اختلافه عن الموقف العربي، خصوصاً في الدعوة إلى التحالف “المشرقي”، الذي يتناقض مع “العروبة”.

2- لا يمكن إغفال الخلاف الذي حصل في انتخابات الأونيسكو، عندما كان لمصر مرشح، وكان باسيل حينئذ وزيراً للخارجية، فلم يساند الموقف المصري، ولم يعلن لبنان الجهة التي منحها صوته. وقيل يومها إنّه صوّت لقطر بطلب من باسيل.

3- كان موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، عند استهداف مصافي النفط في آرامكو، مخزياً، إذ لم يتّخذ موقفاً واضحاً يندّد بالعملية ويعلن التضامن مع المملكة العربية السعودية، بينما أعلن التضامن مع إيران لدى اغتيال قاسم سليماني.

4- لم يَدِن وزير الخارجية اللبناني باسيل الاعتداء على القنصلية السعودية في مشهد، والتزم الصمت.

5- لم يندّد باسيل بالاعتداءات الحوثية على المملكة العربية السعودية، واتّخذ موقفاً موالياً لإيران على نحو واضح.

6- لم يشجُب تدخّل حزب الله في اليمن، وسكت عن خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله المسيئة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والتي تضمّنت تهجّماً عليها.

وبالتالي فإنّه لا يمكن تصوّر أنّ مواقف جبران باسيل في الجامعة العربية ستمرّ مروراً عابراً بالنسبة إلى مصر. فتارة كان يحاول إظهار نفسه منظّراً استراتيجياً يقرأ الدروس على المجتمعين، وطوراً يحاول المزايدة عليهم.

لم يترك باسيل فرصة لم يُظهر فيها اختلافه عن الموقف العربي، خصوصاً في الدعوة إلى التحالف “المشرقي”، الذي يتناقض مع “العروبة”

أضِف إنّه يأخذ جزءا من المسيحيين اللبنانيين، وهو صاحب أكبر كتلة مسيحية، إلى ما يعاكس توجّهاتهم الطبيعية، فلا يمكن لشخص أن يأسر طائفة في سبيل استغلالها واستخدامها غطاء له.

ومعروفٌ أنّه هو المعرقل الأساسي لعملية تشكيل الحكومة اللبنانية، بسبب شروطه ومطالبته بالثلث المعطّل، بما يخالف الدستور اللبناني، والهدف من ذلك إعادة تعويم نفسه سياسياً.

 يمكن تعداد المزيد من الأسباب التي تضع باسيل في عزلة عربية ودولية لن يكون قادراً على فكّها في ظلّ استمراره باللعب على حبال متناقضة، أو اعتماده سياسة طفولية ظنّاً منه أنّه “أذكى” من الجميع، وقادر على تمرير مواقفه بالتي هي أحسن.

إقرأ أيضاً: جبران باسيل: مُنتَج انتهت صلاحيته

صحيح أنّ السياسة تحتاج إلى براعة في الدوران حول المواقف، لكنّها في النهاية تفرض على الرجل السياسي أن يكون له موقف واضح. وعندما تحين هذه اللحظة، لا بدّ له من أن يخسر شيئاً ليربح شيئاً آخر. أمّا مَن يظنّ نفسه قادراً على إرضاء الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، إيران، المملكة العربية السعودية، مصر، قطر، وفرنسا، فإنّ الأرجح أن يفشل في إرضائهم كلّهم، وأن يجد نفسه وحيداً.

في ذلك قصور وقلّة دراية ومعرفة، أو تذاكٍ طفوليٍّ بالحدّ الأدنى، لكنّه مفضوح، ولا وزن له في ميزان الدول ولا السياسة.

سيجهد جبران باسيل كثيراً في سبيل إعادة إحياء نفسه سياسياً، لكن لا بدّ له أن يعلم أنّ إعادة الانفتاح عليه تبدأ من إجرائه مراجعة لنفسه أوّلاً، وإعادة تقويم سياسيّة لأدائه ومواقفه ثانياً، وإصلاحها ثالثاً.

إلى ذلك الحين، سيظلّ وحيداً.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…