ترقيات الضباط والتعيينات… التسوية “الإهانة” (1/2)

مدة القراءة 6 د

دخلت قضية ترقيات الضباط، من رتبة عقيد إلى عميد، العالقة منذ 2019، بازار التفاوض على رزمة تعيينات “عالقة” بدورها بفعل الخلافات السياسية والطائفية عليها.

وزيرة الدفاع زينة عكر بشّرت ضباط الجيش قبل أيام بـ”خبرية حلوة على العيد”. الأخيرة كانت دخلت على خطّ ما يحاك بين بعبدا وعين التينة و”وُعِدت خَيراً”. لكنّ الخير لم يأتِ بعدما رُفِعت السقوف و”فُخّخت” بمطالب مرتبطة بتعيينات “مرّقلي لمرقّلك”!

لا شيء أسوأ من معاينة ضباط لـ”حقوقهم” التي يفرضها القانون وقد تحوّلت إلى مجرد ورقة على طاولة الابتزاز السياسي. ولا شيء أفظع من واقع أن البلد ينهار فيما يجد بعض القادة السياسيين وقتاً  لتمرير مطالب تخصّ “جماعاتهم”. وربطها بترقيات الضباط يشكّل إهانةً لهؤلاء وظلماً كبيراً بحقّهم. خصوصاً أنّ توقيتها يكشف عن سوء الإدارة السياسية لملفّ التعيينات المضبوطة على إيقاع مذهب وطائفة المتقدّم إلى الخدمة في القطاع العام… حتّى لو كان من فئة “حارس أحراش”.

لن تمرّ ترقيات الضباط ما لم “تَقطع” معها رزمة تعيينات وصفها المستشار السياسي السابق لرئيس الجمهورية جان عزيز بـ”الصفقة”. لكنّ طرفيّ التفاوض، أي رئيس الجمهورية وجبران باسيل من جهة والرئيس نبيه بري من جهة أخرى، ينفيان هذا الواقع

باختصار لن تمرّ ترقيات الضباط ما لم “تَقطع” معها رزمة تعيينات وصفها المستشار السياسي السابق لرئيس الجمهورية جان عزيز بـ”الصفقة”. لكنّ طرفيّ التفاوض، أي رئيس الجمهورية وجبران باسيل من جهة والرئيس نبيه بري من جهة أخرى، ينفيان هذا الواقع. وقد شهدت الساعات الماضية الفاصلة عن استحقاق ترقية الضباط نهاية العام “أخذاً ورداً” في المقرّات، واقتراحاتٍ واقتراحاتٍ مضادّة إلى أن “قَطعت المهلة” والطبخة لم تستوِ بعد.

مصادر رئاسة الجمهورية تقول لـ”أساس”: “بالنسبة للرئيس ميشال عون يجب ألا تكون حقوق الضباط قابلة للمقايضة مع أيّ مطلب آخر. ولذلك فهو رَفَضَ هذه المقايضة منذ البداية لكن حين رأى “أنّها ستطلع برأس الضباط” إذا لم تمرّ تعيينات أخرى بدأ الحديث عن ملفات هي عالقة بدورها وتتعلّق بأصحاب حقوق في الإدارة العامة، لكن لم يتمّ التوافق عليها لأنّ الطرف الآخر أراد توسيع البيكار أكثر وتمرير مطالب ليست محقّة”.

أما أوساط عين التينة فتنفي لـ”أساس” وجود صفقة: “أبداً، بل هي محاولة حلّ مشكلة مزمنة، وتأتي ضمن إطار خطة إصلاحية يُفترض عبرها تعديل قانون الدفاع بحيث لا تؤدّي الترقيات العشوائية إلى تكريس واقع تحوّل “هرم” الجيش إلى “مربّع” بسبب تخمة عدد العمداء”.  

وتضيف الأوساط: “هناك بعض القرارات في ما يخصّ التعيينات و”ملفّ العسكر” تحتاج إلى مجلس الوزراء. ولذلك لم تنضج الأمور قبل انقضاء مهلة صدور ترقيات الضباط. نحن نحاول حلّ مشكلة أحدثت خللاً طائفياً (دورة ضباط 94) والأمور لا تزال قيد النقاش إذ لم ينضج بعد الاتفاق على الآليات”.

لكن ما هو أساس هذا “المشكل” بين عون وبري الذي “طَلَعَ برأس” الضباط ومعهم أصحاب حقوق في الإدارات لا ناقة لهم ولا جمل في في الخلافات السياسية؟

 بحلول 1-1-2021 استحقّت ترقية ما لا يقلّ عن 120 ضابطاً في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، من رتبة عقيد إلى عميد، وقّع مراسيمهم وزير المال غازي وزني، باستثناء ضبّاط الجيش، وأحالهم إلى رئاسة الحكومة التي أحالتهم إلى رئاسة الجمهورية.

هؤلاء وضعهم عالق بسبب أزمة ضباط دورة 1994 (المعروفة بـ”دورة عون”) العالقة بدورها، والذين كان يفترض ترقيتهم من رتبة عقيد إلى رتبة عميد في بداية العام الفائت، بعد نيلهم أقدمية سابقاً، لكنّ الترقية تعطّلت بسبب خلاف بين عون وبري.

الضبّاط  العالقة مراسيمهم، كلّهم، حُفِظت حقوقهم في جداول الترقية ولديهم “حقّ” في رقبة الدولة. لكنّ حفظ الحق مدّته سنة فقط

الـ120 ضابطاً هم خليط من الدفعة الثانية من دورة ضبّاط 1994 إضافة الى ضباط من سائر الدورات في كافة الأسلاك استحقّت ترقيتهم بعد نيلهم أقدمية، ودورة الحقوقيين في قوى الأمن. الداخلي ومجموع هؤلاء يضاف إلى الدفعة الأولى من ضباط 94 التي هي بداية العقدة.  

إذ أنّ مرسوم “ضبّاط 94” المغضوب عليه من الثنائي الشيعي، يضمّ 126 ضابطاً لترقيتهم من رتبة عقيد إلى رتبة عميد، موزّعين بين 28 ضابطاً مسلماً و98 ضابطاً مسيحياً.

عدم سلوك الترقيات مسارها المفترض يؤدّي إلى تراكم الرتب والعِقد وتداخل الدورات وتكريس الخلل في التراتبية العسكرية وتحمّل الضباط مسؤولية خطأ إداري وسياسات “خنفشارية مُزمِنة” و”مشكل” سياسي لا علاقة لهم به.

وقد قاد هذا الواقع إلى إحالة عدد من هؤلاء الضباط، وهمّ لا يزالون برتبة عقيد، إلى التقاعد. ففقدوا حقّهم بالترقية بسبب هذه الأزمة. هذا عدا عن أنّ الضابط العميد، وفي ظلّ تدنّي سعر الصرف، لم يعد راتبه يتجاوز 550 دولاراً، بحسب سنوات الخدمة، فيما يخوض حياته العسكرية ومن ضمن أهدافه “تعليق” رتبة عميد!

الضبّاط  العالقة مراسيمهم، كلّهم، حُفِظت حقوقهم في جداول الترقية ولديهم “حقّ” في رقبة الدولة. لكنّ حفظ الحق مدّته سنة فقط، ولذا فإن ضباّط دورة 94، الذين حُفِظت حقوقهم قبل عام، فقدوه الآن بسبب عدم ترقيتهم في الـ2021، وباتوا يحتاجون إلى إقرار قانون في مجلس النواب لإعادة تثبيت هذا الحقّ.

في المقابل هناك من يقول إنّ ترشيح هذا العدد من العمداء سيرتّب أعباءً مالية على خزينة الدولة. وتقول أوساط مطلعة لـ”أساس”: “ضبّاط دورة 85 أحيلوا كلّهم إلى التقاعد وضبّاط دورة 86 بنسبة كبيرة جداً أحيلوا أيضاً على التقاعد، وهذا الواقع أراح الكادر العسكري. والحقوق المالية لضبّاط 2020 و2021 تمّت جدولتها مسبقاً في الموازنة، وبالتالي ليس هناك من أعباء إضافية”.

أقرأ أيضاً: ترقيات الضباط… أزمة من دون حلّ؟!

والأهمّ، تشير الأوساط: “أنّ الضبّاط برتبة عقيد الذين ثبّتت حقوقهم في جداول الترقية ولن تتمّ ترقيتهم واقترب موعد إحالتهم إلى التقاعد، يستطيعون تقديم استقالاتهم ويخرجون من السلك بحقوق عميد كما ينصّ القانون. وهذه الفئة من الضبّاطستحمّل الخزينة عبّئاً مالياً يستحقّ فوراً، وإذا تمّت ترقيتهم سيؤجّل هذا الاستحقاق المالي إلى ما بعد سنتين”.  

 

في الحلقة الثانية غداً: ما هي تسوية التعيينات التي سقطت عشية ترقيات الضباط؟ وعلى ماذا اختلف عون وبرّي؟

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…