تخلص المؤشّرات إلى أنّ لقاء باريس الرباعي، الذي تكرّر الحديث عنه في بيروت والمزمع عقده بين ممثّلين عن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وقطر، قد لا يحقّق النتائج المرجوّة منه، ذلك أنّ مصادر “الثنائي الشيعي” نصحت بـ”عدم الذهاب بعيداً في البناء على نتائجه”، لافتةً إلى أنّه “في حال عُقد فلن يشكّل محطة مفصليّة” في ملفّ الانتخابات الرئاسية.
قالت مصادر “الثنائي الشيعي” لـ”أساس” إنّ الكلام عن هذا اللقاء عموميّ جدّاً “وسيبقى في إطار تشاوري”. وليس معروفاً هل يندرج الاجتماع ضمن المبادرات التي وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتّخاذها في الأسابيع المقبلة بشأن لبنان.
تقاطع هذا التعيين السياسي لطبيعة اللقاء من قبل “الثنائي” مع تقدير مصادر وزارة الخارجية اللبنانية التي قالت إنّ لبنان كان تبلّغ في مطلع الشهر الجاري بعزم فرنسا عقد مثل هذا المؤتمر، “ثمّ تبلّغ بإرجائه إلى كانون الثاني من دون تحديد موعد على وجه الدقّة”.
في هذا السياق، أكّد مصدر دبلوماسي غربي لـ” أساس” أنّ التوجّه إلى عقد مثل هذا المؤتمر ما يزال قائماً، ووصفه بـ”التشاوري” لبحث الوضع في لبنان، وخصوصاً الشغور الرئاسي. وشدّد على أن لا مرشّح رئاسياً لأيّ من الدول التي ستجتمع، وكذلك لـ”إيران التي أبلغت من يعنيهم الأمر أنّها لن تتدخّل في الملفّ الرئاسي، وأنّ الأمر من جهتها متروك لحزب الله”. ولفت إلى أنّ مقاربة الوضع اللبناني محلّ اهتمام متواضع، معتمداً في هذا الإطار وحدة قياس سياسي هي اللقاء الذي انعقد في الأردن، قائلاً “الوضع الداخلي ما يزال من المنظار الدولي قيد السيطرة ولا ترى الدول حاجة إلى التدخّل بعد”.
قالت مصادر “الثنائي الشيعي” لـ”أساس” إنّ الكلام عن هذا اللقاء عموميّ جدّاً “وسيبقى في إطار تشاوري”
القراءة الدوليّة للواقع اللبنانيّ
المشهد هذا تؤكّده التحرّكات الدولية. فالولايات المتحدة الأميركية تراجعت اندفاعتها بعد إنجاز الترسيم البحري. أمّا السعودية فموقفها على حاله وأعلنته الشهر الماضي في البيان الثلاثي مع واشنطن وباريس عقب اللقاء التشاوري على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.
يحدث هذا في حين أنّ الموقف الفرنسي محلّ تساؤل داخلي عن جدواه، وعمّا يمكن أن يقدّمه ماكرون وهو الذي سبق أن حضر إلى لبنان وهدّد وتوعّد وعاد أدراجه إلى بلاده خائباً. وكانت إشادته برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أخيراً مدعاة خيبة لأطراف معنيين بالملف الرئاسي استغربوا عدم إيلائه في تصريحاته الاهتمام اللازم لملف انتخابات رئاسة الجمهورية.
قد يكون “اللقاء الرباعي” سبيلاً إلى بلورة المساعي التي تقوم بها قطر وعقدت لأجلها لقاءات مع عدد من المسؤولين اللبنانيين ومرشّحين لرئاسة الجمهورية، لكنّ هذه المساعي بقيت أيضاً في إطار التشاور.
أكّد مصدر دبلوماسي غربي لـ” أساس” أنّ التوجّه إلى عقد مثل هذا المؤتمر ما يزال قائماً، ووصفه بـ”التشاوري” لبحث الوضع في لبنان، وخصوصاً الشغور الرئاسي
حزب الله: الرئيس بحوار داخليّ
أعلن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في حوار إذاعي أمس، محدوديّة تأثير اللقاء الرباعي المزمع عقده، قائلاً إنّ “التفاهم السعودي الإيراني لن يُنتج رئيساً في لبنان”، ناصحاً بـ “العودة إلى الداخل للحوار في الشأن الرئاسي”.
وأكّدت مصادر “الثنائي الشيعي” أنّ ملفّ الانتخابات الرئاسية شأن داخلي، “وإذا كان أيٌّ من الأطراف لا يملك قدرة اختيار رئيس الجمهورية بمفرده، فالأمر يحتّم الدخول في حوار مشترك في نهاية المطاف للتوافق على شخصية الرئيس العتيد ومواصفاته”.
وإذا كانت دعوة الرئيس نبيه برّي قد قوبلت بالرفض لمرّتين متتاليتين، فإنّ مصادر الثنائي تجزم أنّ رئيس مجلس النواب لن يهجر فكرة الحوار وسيعمل عليه بهدوء خلف الكواليس.
يقرأ “حزب الله”، بحسب مصادر مُقرّبة منه، بـ”إيجابية” حركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على قاعدة أنّ “التلاقي بين أيّ من الأطراف خطوة يُعوّل عليها”، لكنّ المصادر عينها ترى في هذه التحرّكات شيئاً آخر هو “تركيز باسيل على إبلاغ الحزب رسالة مفادها أنّه قادر على المبادرة نحو الآخرين متى أراد ذلك”.
لكنّ ما تستغربه المصادر عينها هو “كيف تمّ رفض دعوة برّي إلى الحوار فيما تحوّل رجل الأعمال علاء الخواجة إلى عرّاب لقاءات وحوار بين الخصوم، سواء بين الرئيس نجيب ميقاتي وباسيل، أو بين الأخير ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية”.
كشفت مصادر موثوقة أنّ “باسيل ينطلق من قاعدة رفضه لترشيح فرنجية أو جوزف عون أو ميشال معوّض، ويريد من برّي أن يلتقي معه وفرنجية في ضيافة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للاتفاق على الرئيس”.
من جهته، يلتقي فرنجية مع باسيل على قاعدة أن لا مانع عنده لعقد لقاء لكن ليس على قاعدة التباحث في اسم الرئيس، فيما يعتبر باسيل أنّ فرنجية كما عون استنزفا ترشيحهما معاً.
إقرأ أيضاً: من الخواجة إلى الضاهر: الأزمة “تَغزل” في أرضها!
ترى مصادر الثنائي أنّ كلّ “الخطوات ما تزال خجولة، سواء منها الداخلي أو الخارجي. وما يحصل منها تكمن إيجابيّته في كسر الجمود، لكنها في وسط هذا الإيقاع والإرباك لن تصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية”.
ما تزال الهوّة كبيرة في المواقف حتى بين الحلفاء، فحزب الله يصرّ على فرنجية الذي يرفضه باسيل ويتصرّف وكأنّه لم يعد موجوداً، والخارج لم يدخل في بحث أسماء المرشحين بعد. والتعويل على ما بعد الأعياد هو هروب إلى الأمام بلا أفق وحسب.