كلّ شيء إيراني هشّ

قَتلُ جنديّ إيرلندي من قوّة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل” بجنوب لبنان يقول لنا إنّ كلّ شيء هشّ في مناطق النفوذ الإيراني بمنطقتنا، التي قد تحترق بسبب قرار يُتّخذ في سرداب من سراديب التخريب الإيراني.

لا أحد يقفز على التحقيقات الجارية، لكنّ تصريحات وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي سيمون كوفني، وقبلها تصريح حزب الله، تجعل المراقب يرتاب بأنّ ما حصل ليس حادثاً عرضيّاً، بل ربّما هو رسالة مفادها أنّ نظام الملالي مستعدّ لإحراق المنطقة مقابل إيقاف الاحتجاجات بإيران.

مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا تحدّث عن حادث “غير مقصود”، مطالباً بعدم “إقحام” الحزب بالحادث، وترك المجال للأجهزة الأمنيّة للتحقيق. لا نعرف كيف عرف أنّ الحادث “غير مقصود” فيما هو يطالب بانتظار التحقيقات!

يذكّرنا استهداف قوّة اليونيفيل بأنّ الأوضاع هشّة في مناطق النفوذ الإيرانية بمنطقتنا، ويذكّرنا أيضاً بأنّ إيران قد تقرّر الهروب إلى الأمام بإشعال جبهات خارجية

أمّا وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي فيقول عن تأكيدات حزب الله عدم تورّطه: “لا نتقبّل أيّاً من تلك التأكيدات إلى حين الانتهاء من إجراء تحقيق شامل للوقوف على الحقيقة الكاملة”، مضيفاً أنّ “وقوع قتيل كان أمراً غير متوقّع”.

هنا الخلل الأوروبي، ففي منطقتنا القتل هو المتوقّع. والأسهل منه إحراق دول المنطقة لتحقيق مصالح تفاوضية. وهو الأمر الذي فعلته وتفعله إيران، ومعها نظام الأسد، ومثلهما “حزب الله”.

يحدث ذلك في سوريا ولبنان والعراق واليمن. ولا جديد في الأمر. إذ تفلت إيران دائماً من العواقب. إلا أنّ المختلف هذه المرّة هو أنّ من يحاسب الملالي على كلّ جرائمهم ليس المجتمع الدولي، بل الشعوب الإيرانية، وهنا الفرق. ولذا سيحاول الملالي الهروب إلى الأمام.

في لبنان، مثلاً، كان من المفترض أن ينتظر الجميع ما جاء به رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من زيارته للسعودية، وحضوره القمّة العربية الصينية، والأهمّ من لقائه وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

كان المفترض أن يسمع اللبنانيون فحوى تلك الزيارة، وما هو المطلوب من لبنان، وما تعهّد به ميقاتي، لكن بدلاً من ذلك وجد الرئيس ميقاتي نفسه يقول إنّ “من تثبت مسؤوليّته عن مقتل الجندي الإيرلندي سينال عقابه”.

هكذا تغيّر الآن الموضوع الأهمّ بالنسبة إلى لبنان بعد استهداف قوّة تابعة للأمم المتحدة، وبات الجميع على قلقٍ من جريمة قتل قد تكون عواقبها وخيمة على لبنان الذي لا يتحمّل أيّ مغامرات، حتى لو قيل إنّها حادث “غير مقصود”.

يذكّرنا استهداف قوّة اليونيفيل بأنّ الأوضاع هشّة في مناطق النفوذ الإيرانية بمنطقتنا، ويذكّرنا أيضاً بأنّ إيران قد تقرّر الهروب إلى الأمام بإشعال جبهات خارجية، كما أوضح الزميل مصطفى فحص في مقال قيّم له في صحيفة “الشرق الأوسط”.

إقرأ أيضاً: هدوء

يقول فحص: “افتراضياً يراهن بعض الخارج على ما بقي من عقلاء في طهران”، أن يهتمّوا بالداخل. إلا أنّ التجارب السابقة لا تعطي ضمانات بأنّ “جنرالات” إيران لن “يصدّروا أزمتهم إلى الخارج بهدف الضغط على المجتمع الدولي من أجل تخفيف الضغوط الداخلية على نظامهم أو إطلاق يده في قمع المحتجّين”.

أعتقد أنّ نظام الملالي يقترب من عمل ذلك، وربّما كان مقتل الجندي الإيرلندي بجنوب لبنان البروفة أو الرسالة.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: tariqalhomayed@

 

مواضيع ذات صلة

اغتيال السيّد: المواجهة الكبرى بين طهران وتل أبيب؟

شهدت حقبة المرشد الإيراني علي خامنئي استثماراً كبيراً بمشروعين غير مكتملين: الحزب والبرنامج النووي الإيراني، لكنّ المشروعين اليوم دخلا في مرحلة دقيقة تهدّد استمراريّتهما ومعهما…

الحرب الأولى للحزب من دون العمق السّوريّ

عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان بعدما وجّهت تطمينات إلى حافظ الأسد بأنّ الوجود السوري في لبنان غير مستهدف في العملية، وفق ما كشفت الوثائق البريطانية…

المقاربة الإيرانيّة المختلفة بين الدولة والثّورة

لكلّ زمن دولة ورجال. عندما يغيّبون تتغيّر الأدوار التي اضطلعوا بها. تلك قاعدة تنطبق في لبنان كما في كلّ العالم. اختبرها اللبنانيون من مختلف طوائفهم….

التدخل البري… المحدود؟!

بدأت إسرائيل تدخلها البري في جنوب لبنان، وذلك بعد تمهيدٍ واسع النطاق أدّاه سلاح الجو، مترافقاً مع مسلسل الاغتيالات الواسعة، لقاعدة الحزب وكوادره والتي لم…