مخاطر مثلّث موسكو – طهران – أنقرة؟

مدة القراءة 4 د

يجب أن نضع العلاقة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا تحت مجهر التدقيق والتحليل في العام المقبل.

هذه العلاقة متعدّدة المستويات، شديدة التعقيد، مرتبطة بصراعات عديدة، ويمكن أن تؤثّر على مصالحنا في المنطقة بشكل ثقيل ومباشر.

تعالوا أوّلاً نفهم شبكة المصالح التي تربط هذه الثلاثية:

1- علاقات جوار جغرافي لها نتاجات مباشرة في بحر قزوين وممرَّيْ البوسفور والدردنيل.

2- خطوط أنابيب وغاز تربط حدود روسيا وإيران وتركيا، ولا سيّما تركيا وإيران.

3- شبكة سفر وانتقالات كبيرة بين الدول الثلاث.

4- التنسيق بين روسيا (الأولى عالمياً في ما لديها من احتياطات غاز) وإيران (الثانية في احتياطات الغاز) في تحديد الأسعار وكمّيات الإنتاج.

5- تدعيم تركيا عمليات تكرير الغاز لديها بافتتاحها قبل يومين أكبر معمل لتكرير الغاز يصل إنتاجه إلى 4.7 مليارات قدم مكعبة، وهو الأكبر في أوروبا كلّها.

الهمّ الأكبر لدى المرشد الأعلى هو صحّته الشخصية وصحّة النظام الذي يئنّ من العقوبات ومن الاحتجاجات الداخلية الضاغطة بقوّة عليه

6- إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل 4 أشهر اكتشاف كميّات هائلة من الغاز قبالة ساحل بحر قزوين.

7- مجموع العلاقات التجارية وعمليات التبادل بين البلدان الثلاثة يقارب نصف تريليون دولار.

8- ارتباط صناعة السلاح الإيرانية وأبحاث التطوير التكنولوجي بمجمّعات البحث والمصانع العسكرية في روسيا منذ أكثر من 30 عاماً.

9- أهمّ ملفّ حديث ظهر العام الحالي هو وجود أكثر من 6 آلاف طائرة مسيّرة إيرانية الصنع لدى الجيش الروسي الذي يخوض حرباً على أوكرانيا، واعتماد موسكو بقوّة أخيراً على هذه المسيّرات في عمليّاتها الأخيرة.

10- وجود تنسيق دوريّ منذ 7 سنوات على الأقلّ بين البلدان الثلاثة وزعامات هذه الدول لإدارة الأوضاع الاستراتيجية في سوريا.

تجب الملاحظة أنّ هناك وجوداً عسكرياً نشطاً في البحر والبرّ والجوّ ونشاطاً عمليّاتيّاً لا يتوقّف لجيوش هذه الدول على مسرح العمليات السورية التي لم يعكّر صفوها سوى إسقاط المقاتلة الروسية عند الحدود السورية – التركية.

في الوقت ذاته هناك علاقات أخرى تضغط على هذه العلاقة الثلاثية يمكن رصدها على النحو التالي:

1- تنفيذ الجيش التركي في شمال سوريا عمليات تصعيدية أقلقت الخطط الروسية، وأخرى في العراق أقلقت النفوذ الإيراني هناك.

2- تحوُّل المسيّرات التركية الصنع إلى سلاح أساسي لدى الجيش الأوكراني في مواجهة المسيّرات الإيرانية لدى الجيش الروسي بات مسألةً تطرح شكل ومستقبل العلاقة بين زاويتَيْ مثلّث كلّ منهما تبيع سلاحاً هجومياً لطرف معادٍ للأخرى؟!

3- كيف يمكن لتركيا التي تسعى ليل نهار إلى الالتحاق بالاتحاد الأوروبي أن تلعب دوراً ما في مسألة العقوبات الأوروبية المتصاعدة على روسيا؟

4- كيف يمكن لتركيا العضو في الحلف الأطلسي، التي تقع على أراضيها قاعدة إنجرليك، أكبر قاعدة استراتيجية للحلف، أن تتحكّم في نقل شحنات السلاح المرسلة إلى أوكرانيا عبر مطارات هذه القاعدة وهي تختلط بعلاقة “خاصة” مع موسكو؟؟

إردوغان قد تطيح به مؤشّرات البطالة والتضخّم والانخفاض التاريخي لقيمة الليرة، بالإضافة إلى احتمالات تنسيق جدّي هذه المرّة بين معارضيه في الانتخابات

الهمّ الأكبر لدى إردوغان هو تعظيم المنافع وتصفير المشاكل وتهدئة كلّ الخصوم وتجنّب الصراعات في الخارج تمهيداً لـ”معركة عمره”، بما هي مسألة حياة أو موت لحزبه، في انتخابات 2023.

الهمّ الأكبر لدى المرشد الأعلى هو صحّته الشخصية وصحّة النظام الذي يئنّ من العقوبات ومن الاحتجاجات الداخلية الضاغطة بقوّة عليه.

الهمّ الأكبر لدى بوتين هو “الخروج الآمن المشرّف” من مستنقع أوكرانيا مع الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية وأمنه القومي، والحفاظ على المكانة الاستراتيجية لبلاده أمام واشنطن في معركة تكسير العظام بينهما لإعادة ترتيب مراكز القوى والنفوذ في العالم.

إنّه مثلّث غريب عجيب من العلاقات كلّ زعاماته في خطر.

بوتين قد تطيح به الحرب الأوكرانية.

المرشد الأعلى قد تطيح به الاحتجاجات أو تدهور صحّته: أيّهما أخطر؟

إقرأ أيضاً: كلّ شيء إيراني هشّ

إردوغان قد تطيح به مؤشّرات البطالة والتضخّم والانخفاض التاريخي لقيمة الليرة، بالإضافة إلى احتمالات تنسيق جدّي هذه المرّة بين معارضيه في الانتخابات.

2023 هو عام يستدعي مراقبة دقيقة وواعية لزعماء هذا المثلّث الذين يؤثّرون حتماً ومباشرةً على مصالح العرب العليا.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…