قبل أيّام معدودة من انتخابات المفتين في طرابلس والشمال، تسارعت وتيرة الاجتماعات والمداولات الرامية إلى تسويق مسعىً توافقيّ يجنِّب المقام الديني والمعنوي السنّيّ الأرفع معركة ديمقراطية قد تترك ندوباً داخل أروقة دار الفتوى في وقت شديد الحساسيّة.
مهما كانت نتيجة هذه المساعي تبقى الانتخابات قائمة بفعل وجود 7 مرشّحين لمنصب مفتي طرابلس والشمال، والأمر عينه لمنصب مفتي عكّار، وإن كانت المنافسة شبه محصورة بين اسمين اثنين في كلّ منهما: مفتي طرابلس والشمال الحالي الشيخ محمد إمام، وشيخ قرّائها بلال بارودي. أمّا في عكّار فالمرشّحان البارزان هما السلف والخلف في مقام مفتي عكّار: الشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ زيد بكّار زكريا. هذا ويبلغ عدد أعضاء الهيئة الناخبة 137 في طرابلس، و172 في عكّار.
مسعى غير ناضج
مع بداية الأسبوع الحالي تحرّكت بعض المرجعيّات السياسية المعنيّة بانتخابات إفتاء طرابلس لتسويق مسعىً توافقيّ يقضي بانسحاب الشيخ محمد إمام لصالح الشيخ بلال بارودي، على أنْ يقوم الثاني بتثبيت إمام كأمين الفتوى، وهو المنصب الذي يشغله منذ سنوات طويلة.
وفق الاستبيانات التي قام بها فريق إمام، فقد تبيّن أنّه يحظى بتأييد واسع بين أعضاء الهيئة الناخبة
وترتكز هذه التسوية على ضرورة حصول المفتي على أوسع تأييد من الهيئة الناخبة، لِما له من أهميّة معنوية، وكذلك على الدعم السياسي الذي يحظى به ترشيح بارودي من خلال تأييد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب أشرف ريفي له.
ارتياح إمام
بيد أنّ هذا المسعى التوافقي لم ينضج بعد. وحسب المقرّبين من إمام فإنّ الانتخابات قائمة، وهم متفائلون بفوزه، اعتماداً على ما لديه من تأييد في الهيئة الناخبة. وتتوزّع التوازنات داخل الهيئة بين رجال الدين، والسياسيين، والتكنوقراط، بمعدّل يقارب الثلث لكلّ فئة.
ووفق الاستبيانات التي قام بها فريق إمام، فقد تبيّن أنّه يحظى بتأييد واسع بين أعضاء الهيئة الناخبة. علاوة على ذلك، فإنّ مفتي طرابلس والشمال الأسبق الشيخ مالك الشعار، الذي لا يزال لديه تأثير بارز داخل الهيئة، يؤيّد انتخاب إمام ويعمل على دعمه.
وقد جرت محاولات للتواصل مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لإقناعه بدعم المسعى التوافقي، إلا أنّه تعذّر ذلك بسبب مرض ألمّ به، وزد على ذلك رغبته في البقاء على مسافة واحدة من الجميع و”ليفُز الأصلح”.
إلى ذلك، يُجمع المتنافسون على “الروح الرياضية” السائدة فيما بينهم، ويؤكّدون أنّ الفائز سيحظى بدعم الآخرين. من جهة أخرى يصرّ بعض المرشّحين للمنصب على الاستمرار في ترشيحهم بمعزل عن أيّ توافق، ومنهم الشيخ مظهر الحموي المصمّم، مع ضعف حظوظه، على خوض المعركة.
عكّار: مبادرة المرشّح الثالث
أمّا في عكّار فقد اتّخذ المسعى التوافقي شكلاً آخر، إذ عمل الوسطاء على تسويق انسحاب المرشّحين الأبرزين الشيخين زيد بكار زكريا وأسامة الرفاعي لصالح الشيخ زيد كيلاني لتجنيب عكّار أيّ انقسام جرّاء الانتخابات.
إقرأ أيضاً: طرابلس تنتظر “دريان” لانتخاب مفتيها
ارتكزت هذه المبادرة على الإرث الديني العريق لعائلة كيلاني التي خرّجت العديد من العلماء ورجال الدين، وكان مفتي عكّار منها قرابة قرن تقريباً.
لذلك قام الشيخ الرفاعي بزيارة الكيلاني، مبدياً استعداده للانسحاب من أجله، رامياً الكرة في ملعب زكريا الذي زار بدوره كيلاني وأكّد مضيّه في ترشُّحه، وردّ الكرة إلى ملعب الرفاعي مطالباً إيّاه بإصدار بيان رسمي يعلن فيه انسحابه من الانتخابات ليحذو حذوه ويُتوَّج كيلاني مفتياً لعكّار.
وتشير معلومات “أساس” إلى تعثّر المساعي التوافقية بسبب التموضعات السياسية المتضاربة للنواب والمرجعيات العكارية بين الرفاعي وزكريا. لكنّ أوساط كيلاني تشير إلى أنّه منح مسعى التوافق عليه مهلة حتى اليوم، وفي حال عدم حصوله فإنّه سيعلن انسحابه.