زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لقطر، فيما المباراة الرئاسية في مربّعها نصف النهائي، تجعل المباراة أكثر احتداماً وإثارة. هذا ما يبيّنه توقيت الزيارة، إذ تظهر الدوحة لاعبةً لدورٍ حسّاس في لحظة لا توحي بأنّ لبنان على هذا القدر من الاهتمام على رادارات المجتمع الدولي.
مساعدات أم رئاسة؟
يكثر الكلام في الكواليس عن أنّ قائد الجيش ماضٍ في ترتيب وضعيّته استعداداً للحظة تقاطع إقليمية – دولية تحمله إلى قصر بعبدا. لكن ليس من معلومةٍ دقيقةٍ عمّا ينقله بعض المحيطين به من تشكيل فريق عمله وتعيين مستشاريه الذين وزّع عليهم الأدوار والمهامّ. يُحتمل أن يكون هذا التوصيف مبالغاً فيه، لكنّ المؤكّد أنّ قائد الجيش لديه أكثر من إشارة إيجابية تعزّز حظوظه الرئاسية.
لكن ليس تفصيلاً أن يلبّي جوزف عون دعوة قطر في هذا التوقيت تحديداً. وقد سبقه إليها رئيس التيار العوني جبران باسيل. يحصل هذا في لحظة المراوحة المحلية والانصراف العربي والدولي عن لبنان وقضاياه، فيما تسعى قطر إلى لعب دورها بحثاً عن شخصية لبنانية يتمّ التوافق عليها للرئاسة الأولى.
أشارت مصادر مواكبة للملفّ إلى أنّ حزب الله لا يزال يعتبر أنّ جوزف عون أقرب إلى الأميركيين
قال مصدر مطّلع لـ”أساس” إنّ الغرض الأساس من الزيارة هو البحث في المساعدات التي تنوي قطر تقديمها للمؤسّسة العسكرية، إضافة إلى مناقشة موضوع الرئاسة، كاشفاً عن مساعٍ حثيثة تُبذَل خلف الكواليس لتنظيم “ميني دوحة” بهدف التوافق، وذلك بعد موافقة السعودية التي تعطي بعدها أميركا الضوء الأخضر لفرنسا للتحرّك وفق هذا السيناريو.
الدوحة تتحرّك لجسّ النبض
ربّما كانت خطوات قطر التي لا تزال خجولة هي الحراك الوحيد على مستوى الملفّ الرئاسي، فيما رصدت أوساط سياسية غياب دينامية دوليّة حياله. وحدها قطر تسلك طريقها بهدوء مطلَقة اليدين أميركياً وفرنسياً لجسّ النبض والحصول على أجوبة من قائد الجيش في مسائل معيّنة من ضمنها العلاقة مع “حزب الله”.
لفتت مصادر اطّلعت على أجواء الزيارة إلى أن “ليس من مؤشّر جدّي بعد. ولكنّ قطر تعمل ولا بدّ من التوقّف عند عملها. فهي سبق أن فاتحت أطرافاً لبنانية بشأن ترشيح جوزف عون الذي تدعمه أميركا ولا يعارضه الفرنسيون ولا السعودية ولا مصر. والموضوع حتى الساعة مطروح على سبيل جسّ النبض”.
على عكس ما أُعلن، لن يكون تحرّك فرنسا باتجاه لبنان عن طريق زيارة رئيسها للبنان. فهي لم تتوصّل بعد إلى خارطة طريق رئاسية، لكنّ قائد الجيش من الأسماء التي تحظى بثقة الفرنسيين ودعمهم. وأمّا المملكة العربية السعودية فلم تعد إلى لبنان بالشكل الفعلي بعد، وترفض التدخّل بشؤون رئاسة الجمهورية.
قال مصدر مطّلع لـ”أساس” إنّ الغرض الأساس من الزيارة هو البحث في المساعدات التي تنوي قطر تقديمها للمؤسّسة العسكرية، إضافة إلى مناقشة موضوع الرئاسة
التباس موقف حزب الله
خلال وجوده في قطر فاتح المسؤولون القطريون جبران باسيل في مسألة ترشيح عون، لكنّه رفض. والأمر ليس مقصوراً على الأخير، فالثنائي الشيعي أيضاً لديه اعتراض جدّي على هذا الترشيح.
هذا وأشارت مصادر مواكبة للملفّ إلى أنّ حزب الله لا يزال يعتبر أنّ جوزف عون أقرب إلى الأميركيين، وسبق لأحد كبار المسؤولين فيه أن سأل “محيط” قائد الجيش: “إذا صدرت الأوامر من القيادة الأميركية الوسطى، فماذا تفعلون؟ وهل تعارضون توجّهاتها؟”. إذاً لبّ المشكلة يكمن في اعتبار جوزف عون أقرب إلى الأميركيين وأنّه يلتزم بتوجّهاتهم.
على الرغم من توجّس حزب الله من تكرار تجربة ميشال سليمان، لكنّ أبوابه ليست مقفلة في وجه ترشيح عون، فعلاقته بالأخير جيّدة والتنسيق المشترك بينهما لم يتوقّف. وإنّ الزيارة الأخيرة لمسؤول الأمن والارتباط في حزب الله وفيق صفا لقائد الجيش، وإن كانت غايتها البحث في تعيينات، فإنّ مسألة الرئاسة حضرت بقوّة. وكان قائد الجيش تلقّى إشارات إيجابية من حزب الله تدعمه على المستوى الشخصي، لكن هل يتبلور مثل هذا الدعم الشفهي في تبنٍّ رئاسي؟
من السابق لأوانه الجزم في هذا الشأن. فحزب الله أبقى الباب مفتوحاً، مع تمسّكه بترشيح حليفه سليمان فرنجية. لكنّ هذا الترشيح يصطدم بعراقيل كثيرة أهمّها موافقة “الحليف” باسيل وموقف دول الإقليم المعنيّة.
إقرأ أيضاً: هل يفجّر قائد الجيش آخر الجسور بين باسيل والحزب؟
ماكرون لن يزور لبنان
تحاول قطر وفرنسا اللعب في الوقت الضائع. فرنسا تُزخّم اتّصالاتها اللبنانية التي تشمل بالطبع “حزب الله”. لكنّ حراكها حتى الساعة بلا جدوى. والرئيس الفرنسي، وعلى عكس ما رشح سابقاً، لا يعتزم زيارة لبنان قريباً. وتقول مصادر مطّلعة على الموقف الفرنسي إنّ ماكرون لن يزور لبنان ما دام أفق الانتخابات الرئاسية لم يتوضّح بعد. أمّا الأميركيون فيكتفون حالياً بدور المراقب، والسفيرة الأميركية التي عادت من الخارج لا يُتوقّع أن تدلي بدلوها في الملفّ الرئاسي.
أمام هذا المشهد المُتداخل كلّ شيء وارد. وأمّا تعديل الدستور، الذي يُقال إنّ قائد الجيش يشترطه إذا ما تمّ التوافق عليه، فيبقى تفصيلاً جدّياً.