الصحافة الكويتيّة تنتفض ضدّ “طالبان” الكويت..

2022-12-01

الصحافة الكويتيّة تنتفض ضدّ “طالبان” الكويت..

في 13 تشرين الثاني الماضي نشر “أساس” تقريراً بعنوان “إخوان الكويت: حرب على التطبيع والاختلاط”، وفي 21 من الشهر نفسه نشر تقريراً ثانياً يحمل عنواناً تساؤليّاً: “هل تنجح مشاريع أسلمة الكويت؟”.

لم تمضِ أيام قليلة حتى تحوّلت المخاوف إلى حقائق، مع بدء اتّخاذ إجراءات عمليّة تشمل منع فعّاليات ترفيهية بحجّة “منع الاختلاط” بين النساء والرجال.

“انتفضت” سريعاً الصحافة التقليدية بعناوينها ومواقفها وصفحاتها في وجه موجة التشدّد المقبلة، التي تُنذر بالأسوأ، ووصلت إلى حدّ التحذير من تحويل الكويت إلى “قندهار الخليج” والدعوة إلى مواجهة “الظلاميّين” و”ناشري الكآبة” و”نوّاب القهر والقمع”.

لم تمضِ أيام قليلة حتى تحوّلت المخاوف إلى حقائق، وثبتت صحة ما نشره “أساس”، مع بدء اتّخاذ إجراءات عمليّة تشمل منع فعّاليات ترفيهية بحجّة “منع الاختلاط” بين النساء والرجال

سياسات “كتم الأنفاس”

عكست الصحف الكويتية الرئيسية، في الأيام القليلة الماضية، حجم المخاوف المُجتمعية من “العودة إلى الوراء” و”عكس اتجاه العربة”، من خلال سياسات “كَتْم الأنفاس” و”قتل الفرح” و”منع الترفيه”، تحت “عناوين واهية” تحمل في طيّاتها شعارات لدغدغة المشاعر، من مِثل الحفاظ على العادات والتقاليد والحرص على الهويّة.

اندلعت الشرارة مع منع فعّاليات ترفيهية في الماراثون الذي نظّمه بنك “الخليج” يوم السبت في 26 تشرين الثاني الماضي، من دون منع الاختلاط نظراً إلى ضيق الوقت بين موعده والتعليمات الصادرة من وزارة الداخلية (كان الماراثون السبت وصدرت التعليمات مساء الجمعة).

لكنّ الأمر تمدّد مع إبلاغ القائمين على ماراثون البنك “الوطني” المقرّر في 10 كانون الأول الحالي بالإجراءات السابقة نفسها المتعلّقة بمنع الفعّاليات الترفيهية المصاحبة ووجود فرق موسيقية، مع إضافات أخرى، أهمّها منع مشاركة الرجال والنساء معاً، وهو ما استتبع نقل الماراثون من مكانه المقرّر في شارع الخليج الشهير إلى جسر جابر الفسيح، قبل أن تتراجع وزارة الداخلية وتُبقيه في مكانه الأساسي.

في الظاهر، رأى كثيرون في الخطوات السريعة باتجاه التضييق على الحرّيات مفاجأة لأنّ “الترفيه” شكّل محوراً أساسياً من برنامج عمل الحكومة، حتى قبل إقراره مع إعلان مشاريع متنوّعة في هذا المجال.

فئة قليلة تغلب أخرى كبيرة؟

لكن في الواقع، ما جرى هو نتاج طبيعي لجملة وقائع ومعطيات، أبرزها:

1- أنّ 17 من أصل 50 نائباً فازوا في الانتخابات سبق أن وقّعوا على “وثيقة القِيَم”، وهي وثيقة متشدّدة طُرحت قبل الانتخابات ووقّعها عدد من المرشّحين تعهّدوا فيها بالالتزام ببنودها في حال فوزهم بالانتخابات، وأبرزها: “رفض المهرجانات وحفلات الرقص المُختلطة”، و”رفض المسابح والنوادي المختلطة”، و”العمل على وقف الابتذال الأخلاقي وعرض الأجساد بما يخدش الحياء”. (راجع مقال “أساس” في 25 أيلول 2022 بعنوان انتخابات الكويت: السعدون رئيساً لمعتدلين وحذراً” لمتفائلين..)

2- أنّ غالبية النواب (أكثر من 25) في مجلس الأمّة ينتمون إلى التيار المحافظ أو الإسلامي أو المتشدّد.

3- أنّ الحكومة تحتاج إلى الاستقرار السياسي وإنهاء الصدامات مع مجلس الأمّة، ولذلك تعمل على “ترضية” النواب، لدرجة أنّها تعطيهم أحياناً أكثر ممّا يطلبون.

4- أنّ “الإخوان المسلمين”، الذين لديهم وزراء في الحكومة ويتمدّدون أكثر في المواقع القيادية بالوزارات والهيئات الحكومية، يدفعون من الخلف باتجاه التشدّد وفرض برنامجهم بالتعاون “غير المرئي” في كثير من الأحيان مع نواب، بعضهم يتقاطعون معهم في الرؤى وبعضهم ينتمون إليهم في الخفاء.

قواعد القرن الماضي تمنع تقدّم الكويت

تتمثّل المشكلة – المعضلة في أنّ الحكومة تريد الدخول في ورشة لإطلاق المشاريع الكبرى وتحريك عجلة الاقتصاد، ومن أجل هذا تحتاج إلى هدوء سياسيّ مدخله الأساس رضا النواب الذي يضمن لها غالبية مريحة تمنع سقوطها أو سقوط وزرائها، كما جرى مع وزيرة الأشغال العامّة الثلاثاء الماضي. لكنّ إرضاء النواب له تداعيات كبيرة ونتائج سلبية على تحقيق الهدف: فلا المستثمرون سيأتون إلى بلد تُمنع فيه جلسات “اليوغا” والاختلاط في السباقات الرياضية، ولا الدولة تستطيع المضيّ قدماً في مشاريع تحتاج إلى رؤى حديثة مُرتكزة على قواعد عامَيْ 2022 و2023 فيما هي غارقة في قواعد الثمانينيات والتسعينيات.

الصحف تتصدّى دفاعاً عن الحرّيات

“رفض الوصاية” و”التصدّي لأعداء الحرّيات” و”منع استغلال الدين في المزايدات” هي عناوين احتلّت صفحات الصحف وعبّرت عن نبض شارعٍ خائفٍ من أصحاب النظريّات “القندهاريّة” و”الطالبانيّة”، وسط انتقادات شديدة من فاعليّات ونشطاء ومثقّفين وأكاديميّين وقوى سياسية ليبرالية لِما اعتبروه رضوخ الحكومة لـ”حزب العتمة” ممثّلاً في لجنة الظواهر السلبية التي تمّ تشكيلها في مجلس الأمّة الجديد، بعد غيابها في المجلس الماضي، وهي لجنة مثيرة للجدل تختصّ نظريّاً بمواجهة الظواهر السلبية في المجتمع مثل الشذوذ والمخدِّرات والسلوكيّات السلبية، لكنّها عمليّاً تركّز بشكل أساسي على فرض التشدّد الديني والوصاية على المجتمع.

يؤكّد كثيرون أنّ “ضعف” الحكومة سيحول دون تطبيق رؤاها، في كلّ الأحوال، ويعتقدون أنّ اختيارها الرضوخ وعدم المواجهة خشية المساءلة النيابية سيكون “وبالاً على المجتمع”، لأنّ التجارب الماضية غير مُشجّعة، والأجندات المشبوهة غير قليلة، ومسك العصا من المنتصف غير مضمون النتائج.

إقرأ أيضاً: كويت ثانية: اللحاق بالرياض وأبو ظبي

“المثليّة” سلاح المتشدّدين

يحذّر أنصار المجتمع المدني من “خُبث” خصومهم المتشدّدين، ويُنبّهون إلى استغلالهم عنواناً يحظى بالإجماع لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فهم يتلطّون وراء وجود موجة “ترويج للمثليّة” تجتاح الدول العربية والإسلامية ولا بدّ من رفع “حوائط الصدّ” أمامها، وهو أمر لا خلاف عليه، لكنّهم عمليّاً لا يواجهون الشذوذ من خلال منع الفعّاليات، وإنّما يُضيّقون على الحرّيات ويفرضون وصايتهم على الناس، في مجتمع متعدّد المشارب عرف الحفلات الغنائية منذ عقود، وكان مقصداً لجميع الخليجيين عندما كان يُعرف بـ”عروس الخليج” في الزمن الجميل.

مواضيع ذات صلة

اغتيال السيّد: المواجهة الكبرى بين طهران وتل أبيب؟

شهدت حقبة المرشد الإيراني علي خامنئي استثماراً كبيراً بمشروعين غير مكتملين: الحزب والبرنامج النووي الإيراني، لكنّ المشروعين اليوم دخلا في مرحلة دقيقة تهدّد استمراريّتهما ومعهما…

الحرب الأولى للحزب من دون العمق السّوريّ

عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان بعدما وجّهت تطمينات إلى حافظ الأسد بأنّ الوجود السوري في لبنان غير مستهدف في العملية، وفق ما كشفت الوثائق البريطانية…

المقاربة الإيرانيّة المختلفة بين الدولة والثّورة

لكلّ زمن دولة ورجال. عندما يغيّبون تتغيّر الأدوار التي اضطلعوا بها. تلك قاعدة تنطبق في لبنان كما في كلّ العالم. اختبرها اللبنانيون من مختلف طوائفهم….

التدخل البري… المحدود؟!

بدأت إسرائيل تدخلها البري في جنوب لبنان، وذلك بعد تمهيدٍ واسع النطاق أدّاه سلاح الجو، مترافقاً مع مسلسل الاغتيالات الواسعة، لقاعدة الحزب وكوادره والتي لم…