شالوم… يا شباب

مدة القراءة 5 د

حان الوقت أن تنتهي اليوم الأسطورة المؤسّسة لأحزاب الممانعة وأنظمتها، تلك التي يقودها حزب الله في لبنان، وعاشت وتغذّت كلها كالفطر السامّ على أجساد المعتقلين والمقتولين بالاغتيالات، والمسجونين ظلماً وجوراً، والمشوّهة سمعتهم باعتبارهم “عملاء”.

 

صفة اعتراف وتطبيع

لست من دعاة المبالغة والقول إنّ حزب الله أبرم صفقة تنطوي ضمناً على صلح مع إسرائيل واعتراف بها. نكتفي بما قاله مفوض الحزب إياه، وميشال عون، الذي “أقفل الصفقة” مع إسرائيل، عبر الوسيط الأميركي، وردّد معه القول عينه النائب الياس بوصعب، الذي شبّه الصفقة بـ”اتفاقات أبراهام”، تلك التي أبرمتها دول عربية مع إسرائيل، وأدت إلى “التطبيع” العلني والمباشر، بلا خجلٍ ولا مواربة.

الحكاية ليست هنا. إذا جرى استطلاع بين اللبنانيين، في البيئات كلها، سنجد أنّ “المزاج العام” بل و”الرأي العام” اللبناني يوافق على اتفاق الترسيم. اللبنانيون المتعبون، بانهيار مؤسساتهم، الرسمية والخاصة، وانهيار قيمة رواتبهم وودائعهم وأحلامهم ومستشفياتهم ومدارسهم وجامعاتهم، يريدون “الخلاص”. وإذا كان الانتساب إلى المجتمع الدولي من جديد يستلزم “اتفاقاً” مع إسرائيل، فاللبنانيون موافقون.

لكن المسألة ليست هنا أيضاً.

قامت “ثقافة الممانعة”، وليس “المقاومة” – والفرق كبير بينهما نورده بعد قليل – على تقديس معاداة إسرائيل وأميركا، وكتم أو قتل كل “صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وعلى “حكم حديدي” يمنع الاعتراض السياسي. وهكذا جرى تغييب كل شيء في ثقافة الممانعة ورفع لواء خطابة “الحرب المقدّسة” على “العدوّ الأبدي”. كل شؤون العيش تهون في سبيل هذا العداء، والسياسة لا وقت لها إلا إذا كانت العداوة والبطولة والتخوين محورها.

اللبنانيون يريدون الراحة والسلام. منذ 2005 وأهل هذه البلاد يرقصون من الألم، من اغتيال إلى تفجير إلى حرب

الممانعة والمقاومة

الفرق بين “الممانعة” و”المقاومة” أنّ الأولى شعاراتية، تجاهر بالتمنّع عن الالتحاق بركب الغرب وأميركا، فيما الثانية ولدت من رحم المجتمعات والبيئات التي عانت من الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر. أهل الجنوب مقاومون، لكنّ أهل اللاذقية وتونس والجزائر… لم يقاوموا إسرائيل يوماً، وقِس على ذلك.

في 2000: انتهت مقاومة إسرائيل بعد تحرير الجنوب.

في 2006: صار التنظيم الحزبي المسلّح في لبنان وكيل المصالح الإيرانية، يطلق النار على توقيت طهران.

في 2022: ها هو “يصالح على توقيت طهران”.

وبين هذه التواريخ كان حزب الله، ومن خلفه وأمامه إيران، شريكاً للأميركيين في محطّات عدة:

في عراق ما بعد صدّام حسين كان التنسيق الأميركي – الإيراني وليد التقاء المصالح ضدّ صدّام. ووليد التقاء المصالح ضدّ “الإسلام السنّي” الذي حفر عميقاً في وجدان الأميركيين بعدما ارتكبت القاعدة مجزرة 11 أيلول 2001.

في العراق وسوريا ولبنان: حارب حزب الله وميليشيات إيران، الحشد الشعبي وغيرها، كفصيل بريّ يواكب الطيران الأميركي في المعركة ضدّ داعش، وصولاً إلى معركة “فجر الجرود” في 2017 لطرد “داعش” من جرود لبنان في البقاع.

في الترسيم مع إسرائيل: اليوم وقّعت إيران مع إسرائيل، عبر حزب الله ورئيس جمهوريته ميشال عون، “اتفاق أبراهام”، كما قال رئيس وفد التفاوض بوصعب، وكما وصفها الكاتب جهاد الزين، معلناً “فضّ البكارة الأيديولوجية.. في إيران وإسرائيل”.

هكذا انتقل الممانعون من مواجهة أميركا، إلى التحالف، و”الكتف عالكتف” في العراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى “اتفاق” مع إسرائيل. وهذا ستكون له ارتدادات عنيفة وكبيرة في “الوعي السياسي” لبيئة الممانعة والمقاومة. ارتدادات بدأنا نسمع صداها على مواقع التواصل الاجتماعي هي في عمقها أسئلة حول جدوى السلاح حين تنتهي الحرب. وهذا سؤال تطرحه كل المجتمعات على الجنرالات العائدين من الحروب. تسألهم عن جدوى الإنفاق على التسلّح في المجتمعات الطبيعية.

أما هنا فيخرج إلينا سؤال أكبر: هل من وظيفة بقيت للسلاح؟ هل هي غير اصطناع “تشريعات” للسلاح نفسه، عبر حماية سياسيين فاسدين ومذهبيين يشكّلون غطاءً للحزب في الداخل؟ أي ضمن معادلة “السلاح يحمي الفساد والفساد يحمي السلاح”.

المطلوب اليوم هو الاتفاق على حصر دور السلاح تحت سقف الدولة، وإخراجه من معادلات صناعة السياسة في لبنان

شالوم.. يا حاج

اللبنانيون يريدون الراحة والسلام. منذ 2005 وأهل هذه البلاد يرقصون من الألم، من اغتيال إلى تفجير إلى حرب إلى معركة إلى اجتياح بيروت والجبل إلى مناوشات إلى الطيونة والدوحة وسان كلو وقصر الصنوبر ومرفأ بيروت…

 

لا داعي للمزايدات

حسناً فعل حزب الله بأن “جنح إلى السلم”. هذا ما نريده كلّنا. وما هو مهمّ اليوم أن تتوقف حفلات الردح والزجل التخويني. وأن “يضبضب” جيشه الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يغيّر لغة هؤلاء الموظفين الذين يديرون آلاف الحسابات الوهمية لاصطناع “جمهور شتّام”.

المطلوب اليوم هو الاتفاق على حصر دور السلاح تحت سقف الدولة، وإخراجه من معادلات صناعة السياسة في لبنان. لا مكان للقصمان السود في هذه الحال، ولا لاستثمار “السلاح”، أو “وضع المسدّس” في رأس هذا الزعيم أو ذاك الناشط أو السياسي. وهذه لعبة يتقنها أهل الحزب وقادته.

إقرأ أيضاً: خرافات الكوثرانييييي… ما بعد بعد “زراعة البلاكين”

المطلوب أيضاً إخراج السلاح من الاعتداء على الأمن القومي العربي، من الكويت إلى البحرين والإمارات والسعودية، وصولاً إلى سوريا والعراق واليمن. هكذا يسقط “الحرم السياسي” عن لبنان.

لا أحد يخاصم “السلاح” التقاءً مع عدوّه الإسرائيلي. هذا ادّعاء تخويني ينتهي مع توقيع “اتفاق أبراهام” اللبناني. الحزب بدأ يتكلّم “لغة المصالح”. مصالح إيران ومصالح لبنان ومصالح المنطقة. وهذه مرحلة لها لغة مختلفة…

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…