محاولة “رابعة” لاغتيال الكاظمي

مدة القراءة 5 د

تكليف محمّد شيّاع السّوداني المُقرّب من “الإطار التّنسيقيّ” تشكيل حكومة جديدة بالعراق اثر أحداث أمنية كللت تعطيل العملية السياسية، افصح بوضوح عن رغبة إيران الإطاحة برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يتعرض راهناً لعملية تنكيل سياسي جراء خياراته السياسية المتصلة بعروبة العراق وعلاقاته مع المجتمع الدولي والتي ما تطابقت يوماً مع طهران وجماعاتها الميليشياوية. لذا تعمل طهران اليوم على محاولة اغتياله سياسيّاً، مرّةً وإلى الأبد، من خلال اتهام مكتبه بعمليات اختلاس.

ما تُريده طهران هو ضمان عدم عودة الكاظمي إلى المنطقة الخضراء رئيساً للوزراء، ولو بعد عقدٍ من الزّمن. وهنا تبدأ حكاية تسريب الكتاب الرّسميّ المؤرّخ في 12 تشرين الأوّل الحاليّ عن “عملية اختلاس 3.7 تريليونات دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من حساب أمانات الهيئة العامّة للضرائب في مصرف الرافدين”، وذلك بعد ساعات قليلة من تكليف السّوداني.

 

أدلة ووثائق تثبت ضلوع موالي إيران بالاختلاسات والفساد

يقول مصدرٌ أمنيّ عراقيّ لـ”أساس” إنّ قضيّة الأموال المُختلَسة تدخُل في إطار الضّغط الإيرانيّ على رئيس الوزراء السّابق مُصطفى الكاظميّ، وذلك في مُحاولة لابتزازه، وبالتّالي حرق مسيرته السّياسيّة. ويشير المصدر إلى أنّ فريق الكاظميّ يقوم بتحقيقات مُوازية لمُتابعة قضيّة الأموال المُختلَسة، إذ يُرجّح أنّ الاختلاس قامَ به موظّفون محسوبون على الأحزاب المُوالية لإيران.

يقول مصدرٌ أمنيّ عراقيّ لـ”أساس” إنّ قضيّة الأموال المُختلَسة تدخُل في إطار الضّغط الإيرانيّ على رئيس الوزراء السّابق مُصطفى الكاظميّ، وذلك في مُحاولة لابتزازه

يؤكّد المصدر أنّ فريق الكاظميّ يمتلك عشرات أو مئات الوثائق التي تُثبت، بما لا يقبل الشّكّ، ضلوع شخصيّات كبيرة مُقرّبة من إيران باختلاسات بمئات ملايين الدّولارات في العهود التي سبَقَت وصول الكاظميّ إلى الحُكم.

ما تعرفه الأوساط العراقيّة أنّ الأحزاب المُقرّبة من إيران زجّت منذ سنة 2003 بأتباعها في الدّوائر العراقيّة، وخصوصاً في القطاع المصرفيّ والضريبيّ ووزارتَيْ النّفط والماليّة.

تكفّل الزّمان منذ ما بعد سقوط نظام صدّام حسين بتمكين الموالين لنظام الملالي في دوائر العراق. ومَن يبحث في مؤشّرات الفساد عن مرتبة بلاد الرّافديْن، يجد أنّ العراق يحلّ في المرتبة الـ157 من أصل 180، وهذا وحده كفيلٌ بأن يُعطي صورةً عن مدى الاختلاسات التي حصلت في العهود منذ 2003 إلى اليوم، والتي تناوب على أكثرها شخصيّات مُقرّبة من فيلق القدس في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، مثل نوري المالكي وإبراهيم الجعفريّ وعادل عبد المهديّ وغيرهم.

 

إيران تحكم قبضتها على العراق

هكذا صارت إيران تُمسك بكلّ المفاصل الماليّة والنّفطيّة للعراق. وبالتّالي تستغلّ هذا النّفوذ في 3 مسائل مهمّة لها:

الأوّل: تُغذّي الفصائل الموالية لها من موارد العراق الماليّة، وخصوصاً تلك المنضوية تحت مُسمّى “الحشد الشّعبيّ”، وذلك لضمان استقلالها عن رئاسة مجلس الوزراء، إذ يعتبر القانون العراقيّ “الحشد” تابعاً للقائد الأعلى للقوّات المُسلّحة، أي رئيس الوزراء.

الثّاني: تضمن إيران بقاء العراق ضعيفاً ومُنهكاً، الأمر الذي يُسهّل لها إحكام قبضتها على بوّابتها نحو المشرق العربيّ. تعلم إيران جيّداً ماذا يعني أن يكون العراق قويّاً وغنيّاً، ولها في التجربة مع نظام صدّام حسين خير دليلٍ على منع تصدير “الثّورة” و”الميليشيات” نحو الدّول العربيّة من بوّابة الرّافديْن.

الثّالث: تُهيّئ الأرضيّة المُناسبة للانقضاض على أيّ مسؤول عراقيّ يُحاول أن يسحب العراق من الحضن الإيرانيّ نحو عُمقه الطّبيعيّ، وهذا ما تُحاول إيران فعله مع الكاظمي.

 

 

إيران: الكاظمي الذي لا يُحتمل

لم يعُد سِرّاً أنّ إيران لم تكُن راغبة بعودة مُصطفى الكاظمي إلى سدّة رئاسة الوزراء في بلاد الرّافديْن منذ انتخابات تشرين 2021.

لا تتحمّل طهران رؤية الرّجل الذي طارَ بالعراق عائداً به إلى العُمق العربيّ يعودُ لولايةٍ ثانية. انتظرت إيران نتائج الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة، وحين تيقّنت من خسارة دونالد ترامب وفوز جو بايدن، وبالتّالي ولاية ثالثة لباراك أوباما، علمت أنّ اللحظة قد حانت لمُحاولة الانقضاض على العراق مُجدّداً، فقاتِل المندوب الإيرانيّ على العراق قاسم سُليماني لم يعد إلى البيت الأبيض.

حاولت إيران طوال الفترة السّابقة أن تتخلّص من الكاظمي الذي أتعبَها، فبدأت من خلال حلفائها في بغداد بترويج اتّهاماتٍ للكاظمي بالضّلوع في اغتيال قاسم سُليماني، ووصلَت حدّ محاولة تصفيته عبر إرسال مسيّرات مُفخّخة استهدفت مكان إقامته في المنطقة الخضراء. لم تنجح إيران في كلّ ما سلف. ولذا تلجأ اليوم إلى مُحاولة اغتياله سياسيّاً، مرّةً وإلى الأبد.

إقرأ أيضاً: عن تجربة مصطفى الكاظمي

هي مواجهة من نوعٍ آخر على أرض الرّافديْن. السّلاح المُستخدَم فيها هو “الوثائق والمُراسلات”. مُعطيات “اساس” تًشير إلى أنّ العراق قد يشهد اشتباكاً من نوعٍ جديد، وربّما على العراقيين أن ينتظروا ما يُدهِش العقول في حال قرّرَ السّياسيّون العراقيّون تبادل “فتح الملفّات” وكشف مصير المليارات.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…