سيناريوهات “فوضى” عالم ما بعد بوتين

2022-10-23

سيناريوهات “فوضى” عالم ما بعد بوتين

معركة دموية على الكرملين، وإطلاق العنان للقادة الانفصاليين، وترسانة نووية جاهزة للانطلاق. كلّ ذلك ممكن إذا رحل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غزوه لأوكرانيا أضعف موقعه في الداخل، كما تؤكّد تحليلات غربية باتت تتحدّث عن مرحلة “ما بعد بوتين”. تُجمع على اختلافها على أنّ خروجه من السلطة سيجلب علامته الخاصة من الفوضى داخلياً وعالمياً”، وتخطّط لسيناريوهات الفوضى التي يمكن أن تتكشّف عندما يرحل، وكيف يجب أن يكون ردّ فعل حلفاء أوكرانيا بعد رحيله.

في رأي مجلّة بوليتيكو أنّ مرحلة من الفوضى والاضطرابات هي السيناريو المرجّح في روسيا حال رحيل بوتين عن السلطة. و”هناك سيناريوهات وتحليلات أخرى.تقول ليلي باير مراسلة المجلّة لدى منظّمة حلف شمال الأطلسي وأوروبا الوسطى، ولكنّ أمراً واحداً يحظى بالإجماع: لن يكون الانتقال سلساً وسيشكّل العديد من المعضلات التي يمكن أن تضع الحلفاء الغربيين على المحكّوتتعلّق بتساؤلات من مثل: إلى أيّ مدى يمكن أو يجب التأثير على الخلافة؟ ماذا يجب أن يفعلوا إذا انفصلت جمهورية روسيّة؟ ما العلاقة التي يجب أن تربطهم بخليفة بوتين؟.” 

 

الناتو يجب أن يستعد

على حلف الناتو الاستعداد لجميع الاحتمالات وأن يكون على استعداد لمواصلة دعم أوكرانيا”، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الأسبوع الماضي عندما سُئل كيف يستعدّ الحلف لاحتمال رحيل الزعيم الروسي.

لكن في الوقت الحالي بوتين في وضع آمن. لا يزال يسيطر على جهاز الدولة، والجيش ينفّذ أوامره بالقتل في أوكرانيا. لكنّ غزوه المتعثّر لأوكرانيا أضعف موقفه في الداخل وعمّق الشكوك بشأن من سيتولّى السلطة من بعده وكيف.

تؤكّد تحليلات غربية باتت تتحدّث عن مرحلة “ما بعد بوتين”. تُجمع على اختلافها على أنّ خروجه من السلطة سيجلب علامته الخاصة من الفوضى داخلياً وعالمياً

يعتقد ألكسندر فيرشبو، السفير الأميركى السابق لدى روسيا والأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي، أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو “الانتقال السلس” للسلطة داخل الدائرة الداخلية الحالية لبوتين،لكنّه يحذّر من أنّ الإطاحة بالطغاة يمكن أن تولّد الاضطرابات. “فالأمور غير متوقّعة أبداً في الأنظمة الاستبدادية، خاصة في الديكتاتوريات الشخصية“.

أمّا لوري بريستو، السفير البريطاني السابق في روسيا من عام 2016 حتى 2020، فيقول لـ”بوليتيكوإنّه “يجب أن نضع جانباً أيّ أوهام بأنّ ما سيحدث بعد رحيل بوتين هو الديمقراطية، فالمرحلة التالية هي على الأرجح فترة الاضطرابات”. يضيف أنّ “إدارة خلافة ثابتة ومستقرّة يتطلّب وجود درجة عالية من إجماع النخبة، لكنّ ما فعلته هذه النخبة حتى الآن هو كسر هذا الإجماع. الآن يحتدم الصراع على السلطة وقد يصبح دموياً بمجرد أن يفرغ المنصب الأعلى للكرملين“. ويحذّر بريستو القوى الغربية من التدخّل في صراعات الخلافة هذه: “يتعيّن علينا إدراك حدود قدرتنا على التأثير في هذه النتائج، على الرغم من أنّ لدينا بالتأكيد مصلحة في النتيجة“.

 

سيناريوهات “ما بعد بوتين”

وفي وقت يسوده عدم اليقين بشأن القيادة، ترى مراسلة بوليتيكو أنّ الترسانة الروسية من الأسلحة النووية يمكن أن تصبح رمزاً للسلطة المرغوبة. ويتمّ التركيز على الحامي النووي للجيش الروسي، أي المديرية الرئيسية الثانية عشرة(Glavnoye Upravleniye Ministerstvo Oborony) التابعة لوزارة الدفاع، والمعروفة باسمGUMO 12 ، حيث إنّ “هناك احتمالاً حقيقياً بأن تكون هناك منافسة مميتة على السلطة، منافسة من شأنها أن تشمل أشخاصاًيحاولون حشد أقسام مختلفة من الجيش، وخاصة12GUMO التي تسيطر على الترسانة النووية الروسية”، يقول ويليام ألبيرك، المدير السابق لمركز الحدّمن التسلح في الناتو لـ”بوليتيكو.”

مسألة أخرى يجب التنبّه إليها في تصوّر سيناريوهات “ما بعد بوتين”، بحسب بوليتيكو، هي أنّ فراغ السلطة في عاصمة بعيدة قد يمثّل فرصة لقادة الأقاليم المحلّية، خاصة المتمرّدين منهم، للسعي إلى مزيد من السيطرة. فروسيا هي أكبر دولة في العالم، تمتدّ عبر 11 منطقة زمنية من القوقاز إلى القطب الشمالي. وبينما يبدو أنّ بوتين يمسك بقبضة استبدادية على تلك المساحة بأكملها، إلا أنّهناك عدداً من الجمهوريات الروسية لها صلات هشّة متقلّبة مع موسكو، ولدى بعضها شخصيات وفصائل سياسية طموحة إلى السلطة.

يعتقد معظم المحلّلين أنّ الاتحاد الروسي سيظلّموحّداً إلى حدّ كبير في أيّ معركة للسيطرة على الكرملين، فإنّهم يدركون أنّ الحكومة الروسية تخشى منذ فترة طويلة التفكّك والانقسام

لا يوجد حالياً خليفةً لبوتين

وبينما يعتقد معظم المحلّلين أنّ الاتحاد الروسي سيظلّموحّداً إلى حدّ كبير في أيّ معركة للسيطرة على الكرملين، فإنّهم يدركون أنّ الحكومة الروسية تخشى منذ فترة طويلة التفكّك والانقسام. في حالة حدوث مثل هذا الصراع بين الفصائل، ستتّجه الأنظار إلى رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان المعروف بقساوته. فهل يلقي بثقله خلف فصيل منافس؟ أم يقول إنّ “عقداً من الدعم الروسي الهائل يكفي بالنسبة إليّ، دعنا ننفصل الآن، ويمكنني حكم الشيشان وداغستان، والحصول على إمبراطوريتي الخاصّة هنا”؟ على ما يقول البيرك الذي يشغل حالياً منصب مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

لا يوجد حالياً خليفة محتمل لبوتين. لكنّ المسؤولين يتوقّعون نظاماً خلفاً للنظام الحالي له أيديولوجية مماثلة أو حتى أكثر تطرّفاً. يقول جانيس غاريسون، وزير خارجية لاتفيا، إنّ بوتين سجن منتقدين وقادة محتملين في المستقبل مثل أليكسي نافالن، وإنّ المتشدّدين من الخارج فقط هم المستعدّون للتدخّل، فالأشخاص الوحيدون الذين ينتقدونه “وليسوا في السجن” هم من التيار اليميني المتطرّف.

بالنسبة إلى الغرب، ومع خروج بوتين من المسرح السياسي، قد يجادل بعض المسؤولين، ولا سيّما في أوروبا الغربية، بأنّ هناك فرصة لإقامة علاقة جديدة مع موسكو. ستبدأ أصعب النقاشات السياسية المربكة للحكومات الغربية. فألمانيا التي بشّرت لسنوات بالانخراط الاقتصادي مع روسيا، قبل أن تعلن نقطة التحوّلZeitenwende (تسايتنويندي) التاريخية، بعد غزو موسكو لأوكرانيا، قد تقول مع القيادة الجديدة في الكرملين، “دعونا ندفع الولايات المتحدة إلى القيام بـ”إعادة ضبط” أخرى للعلاقة مع الزعيم الروسي الجديد”، يقول ألبيرك، سيأسف الجناح الشرقي لحلف الناتو لمثل هذه المبادرات وسيجادلون بأنّ “روسيا لن تتغيّر أبداً“، ويطلبون من الحلفاء عدم التراجع عن موقف الناتو الأكثر حزماً الذي تمّ تبنّيه منذ بدء الحرب“.

يقول بن هودجز، القائد السابق للجيش الأميركي في أوروبا: “لا ينبغي أن نقع ضحية زمرة العسكر أو مجموعة من الأشخاص الذين يتقدّمون قائلين إنّهم يريدون إعادة ضبط الوضع، إذا كان الأمر دائماً هو نفسه“.

روسيا مع بوتين كما كانت قيصرية ثم شيوعية

يوضح وزير الدفاع الوطني البولندي ماريوس باشاكزاك هذه النقطة بالضبط لـ”بوليتيكو”، فيقول: “كانت روسيا بنسختها القيصرية هي نفسها روسيا بنسختها الشيوعية، والآن هي نفسها مع فلاديمير بوتين الزعيم”. ويضيف: “المهمّ من وجهة نظرنا هو عزل روسيا“.

يتمثّل أحد الاختلافات الرئيسية هذه المرّة في أنّ أوروبا أصبحت الآن أقلّ اعتماداً اقتصادياً على موسكو، وهو ما يقلّل من الحافز الرئيسي لإعادة الانخراط معها. يقول دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي، طلب من بوليتيكوعدم نشر اسمه: “لقد قطعنا شوطاً طويلاً لوقف الشراء من روسيا. من شأن ذلك أن يترك قضايا الأسلحة النووية فقط،لكنّ ذلك سيكون إلى حدّ كبير من شأن الأميركيين.”

إشارة أخرى، يمكن للقادة الغربيين بحثها، تتعلّق بإمكان تعاون خليفة بوتين مع المنظّمات الدولية التي تسعى إلى مقاضاة جرائم الحرب الروسيّة في أوكرانيا، وهو احتمال يبدو بالطبع بعيد المنال. يقول وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي: “روسيا المتعاونة فقط هي التي لن تشكّل تهديداً لأوروبا”.

إقرأ أيضاً: بوتين: الانتقام من هزيمة القرم

على الرغم من جميع الافتراضات القائلة بأنّ روسيا المتعاونة بعيدة المنال، يحذّر العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين من أنّ الحكومات الغربية يجب أن تجمع بين الردع والجهود الطويلة الأجل لإشراك المجتمع المدني الروسي. يقول بريستو، السفير البريطاني السابق في موسكو، إنّ التحالف الغربي يجب أن يفكّر في كيفيّة وصولنا إلى المجتمع الروسي خارج الكرملين، إلى الجيل المقبل من السياسيين والمفكّرين والمثقّفين والمدرّسين ورجال الأعمال الروس، لتوضيح رؤية بديلة لتلك التي لديهم“. ويضيف: “إحساسي هو أنّ الكثير من الناس في روسيا يرغبون بذلك.”

مواضيع ذات صلة

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…

واشنطن وبرّي.. يحميان المطار؟

أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب…

لغز “رئيس الـ86″… ونتنياهو يسوّق خسارته البرّيّة..

بالتوازي بين الميدان والسياسة، كلّ العوامل يتمّ إنضاجها لتترافق مع الحلّ سلسلة خلاصات ستترجم في قرارات دولية ستغيّر المشهد السياسي في لبنان. في الجنوب اشتباك…